الأسدية أعلى مستويات الممانعة
في التاسع من أيار/مايو 2013، تحدث الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، عن فتح جبهة الجولان، كردٍّ حينها على دور الحلفاء الغربيين والعرب في دعم معارضي النظام السوري: "كل الذين كانوا ينتقدون سابقاً القيادة السورية في موضوع الجولان، كنا نقول لهم إن هناك فرقاً بين لبنان والجولان، في لبنان يوجد هامش للمقاومة نتيجة اعتبار العالم أن الدولة المركزية ضعيفة، فلا تدفع ثمن عمل المقاومة، أما سوريا فدولة مركزية قوية، هذا الهامش غير متاح". وشدد نصر الله حينها على أن "الحرب التي فرضتموها على سوريا" حولت هذا "التهديد إلى فرصة"، إذ أن "الهامش الذي يتيح قيام مقاومة شعبية في الجولان أصبح موجوداً، فإلى المقاومة الشعبية في الجولان، هذا رد إستراتيجي كبير".
جاء هذا الكلام في السنوات الأولى للحرب السورية، وقبل سنتين من التدخل الروسي. وهذا الخطاب بالتالي يُمثّل وثيقة أساسية تُحدد الرؤية أو الأهداف الاستراتيجية لإيران وحلفائها، وعلى رأسهم طبعاً حزب الله، في سوريا. أي دولة مركزية ضعيفة تفتح مجالاً مؤكداً للمقاومة. الدولة القوية لا تُوفر مثل هذا الهامش على الإطلاق. سوريا تحولت من دولة قوية الى ضعيفة، وبالتالي صار بالإمكان تفعيل المقاومة فيها. لو استخدمنا عالم الطب كمثال على سبيل التبسيط، فالدولة الممانعة القوية تحمل الفيروس وتُوزعه، لكن لديها مناعة من الإصابة، على عكس الدولة الضعيفة. في عالم الممانعة، صنفان: قوي يُعطي المقاومة أو ينقلها، وهذا حال إيران وسوريا، وضعيف يتلقاها، مثل لبنان والعراق واليمن.
خطاب نصر الله أو أهدافه المعلنة حينها، باءت بالفشل في غالبيتها. إذ لم تتبلور مقاومة فعلية في الجولان، بل كانت الردود على استهداف إسرائيل مواقع إيران وحزب الله في سوريا، تأتي من خارجها، إن حصلت طبعاً، وهي مرات معدودة.
خلال الأسابيع الماضية، ضجت وسائل الاعلام والتواصل بأخبار عن عدم نقل الصحافة الرسمية السورية كلمتين متتاليتين لنصر الله، رغم التوترات الحاصلة نتيجة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع ترقب الرد عليهما منذ أسابيع.
سوريا لا تريد التورط في حرب إقليمية أو أن يكون نظامها جزءاً من مواجهة مباشرة مع إسرائيل. ويبدو أن النظام السوري، رغم ضعفه، قادر على تنفيذ إرادته. قصف الجولان يحصل من الداخل اللبناني، والرد عليه إسرائيلياً يُنفّذ على الأراضي اللبنانية.
والحقيقة أن مقاومة "حزب الله" وسلاحه، كانت مشروعاً إيرانياً-سورياً في لبنان لسنوات طويلة، وبالتالي ليست دمشق بغريبة عن هذه المعادلة، وهي لجأت إلى الوجود الروسي منذ العام 2015 لإيجاد توازن يُتيح لها تجنّب السقوط في مستنقع "المقاومة". بالنسبة إلى النظام، هذه لعبته، وهو "ممانع" منذ التأسيس، قبل وفود الثورة الإسلامية في ايران وقادتها وأحزابها وشبكاتها. النظام السوري أول من استخدم شعار "الرد في المكان والزمان المناسبين"، ويحتفي بانتصار العام 1973 رغم فشله حينها في استعادة الجولان. ويُروّج شعارات مثل "سلام الشجعان"، ويرفع السقف في بياناته وشعاراته ضد الاحتلال الإسرائيلي رغم توفير أرضية ممتازة للاستيطان والهدوء في الجولان. في الداخل السوري، نجح النظام في جذب كل "فصائل المقاومة" لقمع الثورة السورية وفصائل المعارضة. وتحت غطاء الشعارات عينها، قضت سجونه على آلاف المعتقلين تعذيباً وتنكيلاً.
اليوم، يضبط النظام السوري حلفاءه الممانعين وينفتح على خصومه السابقين في العالم العربي وفي تركيا وحتى في الغرب. صحيح أن النظام لم يُعد بناء قدراته كما يريد، نتيجة الواقع المادي والأمني، لكنه ممانع محترف وليس هاوياً. بإمكانه المشاركة باحتراف في حفلة زجل ممانعة، لكنه يعثر سريعاً، ولو معصوب العينين، على من يُريد استغلال ضعفه للتأسيس لعمل طويل الأمد قد يلتهم كل شيء. في هذه الحالة، النظام يُشبه آلة الكشف المبكر للمقاومة، هو مثل المحتالين السابقين التي تُوظفهم أجهزة الشرطة للمساعدة في إيجاد إخوتهم في المهنة أو الكار.
سوريا بقيادة آل الأسد هي المشهد الأمثل للممانعة. من أقبية سجونها ومقابرها الجماعية الى صحفها وخطاباتها العالية النبرة، ومفاوضاتها ولقاءاتها وصفقاتها السرية. أنموذج يصح أن نسميه أعلى مستويات الممانعة، الصنف الممتاز. لهذا لن تكون مسرحاً للمقاومة في المرحلة المقبلة، أو ساحة لها، بل ممراً لها ولصواريخها وأسلحتها إلى بلد دولته ضعيفة تحول في لحظة من الوهن إلى فرصة للآخرين.
جاء هذا الكلام في السنوات الأولى للحرب السورية، وقبل سنتين من التدخل الروسي. وهذا الخطاب بالتالي يُمثّل وثيقة أساسية تُحدد الرؤية أو الأهداف الاستراتيجية لإيران وحلفائها، وعلى رأسهم طبعاً حزب الله، في سوريا. أي دولة مركزية ضعيفة تفتح مجالاً مؤكداً للمقاومة. الدولة القوية لا تُوفر مثل هذا الهامش على الإطلاق. سوريا تحولت من دولة قوية الى ضعيفة، وبالتالي صار بالإمكان تفعيل المقاومة فيها. لو استخدمنا عالم الطب كمثال على سبيل التبسيط، فالدولة الممانعة القوية تحمل الفيروس وتُوزعه، لكن لديها مناعة من الإصابة، على عكس الدولة الضعيفة. في عالم الممانعة، صنفان: قوي يُعطي المقاومة أو ينقلها، وهذا حال إيران وسوريا، وضعيف يتلقاها، مثل لبنان والعراق واليمن.
خطاب نصر الله أو أهدافه المعلنة حينها، باءت بالفشل في غالبيتها. إذ لم تتبلور مقاومة فعلية في الجولان، بل كانت الردود على استهداف إسرائيل مواقع إيران وحزب الله في سوريا، تأتي من خارجها، إن حصلت طبعاً، وهي مرات معدودة.
خلال الأسابيع الماضية، ضجت وسائل الاعلام والتواصل بأخبار عن عدم نقل الصحافة الرسمية السورية كلمتين متتاليتين لنصر الله، رغم التوترات الحاصلة نتيجة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، والقيادي العسكري في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مع ترقب الرد عليهما منذ أسابيع.
سوريا لا تريد التورط في حرب إقليمية أو أن يكون نظامها جزءاً من مواجهة مباشرة مع إسرائيل. ويبدو أن النظام السوري، رغم ضعفه، قادر على تنفيذ إرادته. قصف الجولان يحصل من الداخل اللبناني، والرد عليه إسرائيلياً يُنفّذ على الأراضي اللبنانية.
والحقيقة أن مقاومة "حزب الله" وسلاحه، كانت مشروعاً إيرانياً-سورياً في لبنان لسنوات طويلة، وبالتالي ليست دمشق بغريبة عن هذه المعادلة، وهي لجأت إلى الوجود الروسي منذ العام 2015 لإيجاد توازن يُتيح لها تجنّب السقوط في مستنقع "المقاومة". بالنسبة إلى النظام، هذه لعبته، وهو "ممانع" منذ التأسيس، قبل وفود الثورة الإسلامية في ايران وقادتها وأحزابها وشبكاتها. النظام السوري أول من استخدم شعار "الرد في المكان والزمان المناسبين"، ويحتفي بانتصار العام 1973 رغم فشله حينها في استعادة الجولان. ويُروّج شعارات مثل "سلام الشجعان"، ويرفع السقف في بياناته وشعاراته ضد الاحتلال الإسرائيلي رغم توفير أرضية ممتازة للاستيطان والهدوء في الجولان. في الداخل السوري، نجح النظام في جذب كل "فصائل المقاومة" لقمع الثورة السورية وفصائل المعارضة. وتحت غطاء الشعارات عينها، قضت سجونه على آلاف المعتقلين تعذيباً وتنكيلاً.
اليوم، يضبط النظام السوري حلفاءه الممانعين وينفتح على خصومه السابقين في العالم العربي وفي تركيا وحتى في الغرب. صحيح أن النظام لم يُعد بناء قدراته كما يريد، نتيجة الواقع المادي والأمني، لكنه ممانع محترف وليس هاوياً. بإمكانه المشاركة باحتراف في حفلة زجل ممانعة، لكنه يعثر سريعاً، ولو معصوب العينين، على من يُريد استغلال ضعفه للتأسيس لعمل طويل الأمد قد يلتهم كل شيء. في هذه الحالة، النظام يُشبه آلة الكشف المبكر للمقاومة، هو مثل المحتالين السابقين التي تُوظفهم أجهزة الشرطة للمساعدة في إيجاد إخوتهم في المهنة أو الكار.
سوريا بقيادة آل الأسد هي المشهد الأمثل للممانعة. من أقبية سجونها ومقابرها الجماعية الى صحفها وخطاباتها العالية النبرة، ومفاوضاتها ولقاءاتها وصفقاتها السرية. أنموذج يصح أن نسميه أعلى مستويات الممانعة، الصنف الممتاز. لهذا لن تكون مسرحاً للمقاومة في المرحلة المقبلة، أو ساحة لها، بل ممراً لها ولصواريخها وأسلحتها إلى بلد دولته ضعيفة تحول في لحظة من الوهن إلى فرصة للآخرين.