يحشرون حزب الله في زاوية المفاوضات

بسام مقداد
الثلاثاء   2024/11/19
من المستبعد أن يقبل حزب الله بالشروط المقترحة (مصطفى جمال الدين)

نبأ زيارة هوكشتاين لبيروت اليوم، أُرفق بالقول أنها لا تحمل شيئاً إيجابياً. وقد يكون في القول مبالغة، لكن ما يجري على جانبي عملية التفاوض لايترك مجالاً كبيراً للتفاؤل بقرب عقد اتفاقية وقف إطلاق النار، تليها مفاوضات شاقة بشأن كل تفصيل. فالتصريحات الإسرائيلية التي ترافق عملية التفاوض التي يقودها هوكشتاين، لا تشير إلى أن إسرائيل عازمة على الإلتزام باتفاق وقت إطلاق النار، في حال تم التوقيع عليه. فالتصعيد الأخير في عمليات القصف، وتوسيع نطاق العملية البرية وفق الخطة الأخيرة للأركان الإسرائيلية، يشير إلى أنها تنفذ ما جاء في تصريح وزير الدفاع بأن الحرب لن تتوقف قبل بلوغ إسرائيل كل أهدافها. وإذا كان اتفاق الهدنة في غزة مطلب يصر عليه الشارع الإسرائيلي لتحرير الرهائن، فإن الهدنة مع حزب الله هي خطوة مرفوضة من الإسرائيليين، بمن فيهم أولئك الذين هجروا من الشمال. وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد قبلت المقترح الأميركي لاتفاق الهدنة في لبنان وناقشته، فقد عمدت إلى تفخيخه بمطالب تعرف مسبقاً أن حزب الله لن يتمكن يوماً من الموافقة عليها. وليس من جديد في السلوك الإسرائيلي هذا، فقد درجت على اعتماده في جميع مقترحات الهدنة مع حماس، ثم تلقي مسؤولية فشل المقترح على حماس.

تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب على حزب الله في لبنان، يعكسه الإعلام الإسرائيلي، على الأقل الناطق بالروسية، وذلك بانتقاده لفكرة الهدنة ككل، بل والتحذير منها. البعض من هذه المواقع رأى في الهدنة "هدية للعدو" وهزيمة لإسرائيل، وآخر حذر من تمركز الجيش اللبناني على الحدود، وثالث رأى أنه لا يمكن الوثوق بقيام روسيا بدور الضامن لاتفاق الهدنة.

موقع MIGnews الإلكتروني الناطق بالروسية، والمعروف بانتقادات نصوصه  لليمين الإسرائيلي ونتنياهو بالذات، نشر في 16 الجاري نصاً للصحافية Ira Kogan رأت في عنوانه أن اتفاق الهدنة  مع حزب الله "هدية للعدو". وتساءلت في عنوان ثانوي: لماذا الحديث الآن عن وقف إطلاق النار؟ والجواب الأقرب: إسرائيل تريد إنهاء العملية قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض. 

استهلت الكاتبة النص باستغراب تصريح وزير الدفاع الجديد إسرائيل كاتس الذي اعتبر فيه أن إسرائيل انتصرت على حزب الله. لكنها تتساءل "إذاً من يقصفنا، ومن أين تتطاير هذه الصواريخ بالعشرات، بل وبالمئات في اليوم، أو أن هذا ما يسمى النصر الآن".

وتقول الكاتبة بأنه كان يمكن اعتبار جملة كاتس زلة لسان، لو أن إسرائيل لم تكن قد قامت بالفعل بمحاولات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الشمال. وصحيح أن رئيس الأركان العامة أمر بتوسيع العملية في جنوب لبنان، لكن يبدو أننا نتحدث عن المرحلة الأخيرة من الحرب، وخطوة رئيس الأركان تبدو كالموسيقى التي تعزف إيذاناً بالإنصراف.

وعن توقيت الحديث عن وقف إطلاق النار الآن، رأت الكاتبة أنه يأتي في سياق إنهاء الحرب قبل تسلم ترامب منصبه. وجاء في هذا الوقت المبكر قبل شهرين من الموعد، لإتاحة الفرصة أمام المفاوضات لكي تجري التسوية من دون تسرع في مناقشة تفاصيلها. لكنها تجد أن المدة طويلة جداً، خصوصاً في الظروف السائدة في المنطقة، حيث يمكن خلال هذا الوقت عقد اتفاق وقف النار، ومن ثم خرق شروطه وبدء حرب جديدة وإنهاؤها.

كما تفترض الكاتبة أن إسرائيل قد تكون تسعى لتحسين صورتها في العالم وإظهار سعيها إلى السلام "الذي لن يكون بكل الأحوال". فمن المستبعد أن يقبل حزب الله بالشروط المقترحة، ولذا ستبقى كل مبادرات السلام حبراً على ورق. وهي تتمنى أن يرفض حزب الله  المطالب الإسرائيلية ويفشل المقترح، لكنها تستدرك بالقول إن قوى كبرى منخرطة في عملية التفاوض، بما فيها الجانب الروسي، والدول الأوروبية تتنافس على الضغط على لبنان ليقبل المقترح. وتحذر من العواقب السياسية للهدنة، إذ تفترض أنها ستكون إشارة لتشديد الضغط العالمي على إسرائيل، وهذه المرة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.

الموقع الإسرائيلي الآخر الناطق بالروسية Detaly نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان "ما خطورة الاتفاق بشأن جنوب لبنان؟". أسهب الموقع في مطلع النص في الحديث عن الإيجابيات التي تحققت في مختلف جولات التفاوض بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. لكن المستشرق والحاكم العسكري الإسرائيلي السابق لمنطقتي صور وبنت جبيل أثناء الإحتلال الإسرائيلي Moshe Elada قال للموقع بأن الجو الإيجابي والتفاؤل بشأن المفاوضات بين إسرائيل ولبنان، وقرب وقف إطلاق النار لا يتوافق مع متطلبات أمن إسرائيل. ورأى أن حجر الزاوية في اتفاق وقف إطلاق النار هو مسألة القوة العسكرية التي ستنتشر في الجنوب، ويبرز الجيش اللبناني مجدداً كخيار مناسب لجميع الأطراف، لكن ليس بالنسبة لإسرائيل.

يتحدث الإسرائيلي عن تعداد الجيش اللبناني، وعن أنه يتلقى من الولايات المتحدة منحة سنوية بمقدار 3 مليارات $ (ملاحظة المحرر: المساعدات لا تتجاوز بضعة مئات الملايين). ويقول بأن الأميركيين يفترضون أن الجيش سيتمكن من القيام بمهمته في الجنوب، وذلك لأنه كان يقوم بهذا حتى هذا اليوم.

يقول الإسرائيلي أنه بعد حرب العام 2006، انتشر الجيش اللبناني واليونيفيل في الجنوب بموجب القرار 1701، وكان الطرفان يتنافسان على لقب "الفزاعة الأفظع"، ويتحاشيان المجابهة مع حزب الله ويعرقلان عمليات الجيش الإسرائيلي ويضعان تقارير كاذبة ومضللة عنه، كانت تصل إلى الأمين العام للأمم المتحدة. ويتكون انطباع لديه بأن الولايات المتحدة تبالغ بالإعتماد على الجيش اللبناني، وتتجاهل مواطن ضعف كثيرة يعاني منها هذا الجيش، الذي عليه أن يفصل بين حزب الله وإسرائيل، حسب الاتفاق المقبل. ويضيف، أن الجيش اللبناني هو كيان هش مهدد بالانهيار في أي لحظة. ويسترسل في وصف وضع الجيش بعد أزمة العام 2019، ويقول بأن المساعدة المالية من قبل قطر والولايات المتحدة هي التي حالت دون انهياره.

صحيفة NG الروسية نشرت في 17 الجاري نصاً بعنوان "يحشرون حزب الله في زاوية التفاوض"، وأرفقه بآخر ثانوي "الولايات المتحدة وإيران تدفعان الجماعة للتوصل إلى إتفاق مع إسرائيل". قال الكاتب Igor Subbotin المتابع للشؤون الدولية في الصحيفة، إن الولايات المتحدة سلمت بيروت منذ فترة وجيزة مشروع تسوية تنهي الصراع المسلح بشروط ملائمة لإسرائيل. ووفقاً لمصادر مطبوعات غربية، دعت السلطات الإيرانية الجماعة للموافقة على مطالب الإسرائيليين.

يقول الكاتب أن لبنان يقف محتاراً أمام البند الذي يمنح إسرائيل الحق في استخدام القوة من جانب واحد، والذي يسمح بحكم الأمر الواقع باستمرار الأعمال الحربية. ومع ذلك، قيّم نبيه بري في حديث مع صحيفة "المدن" اللبنانية جوهر المشروع بإيجابية، قائلاً إن القيادة الأميركية "جدية".

يشير الكاتب إلى أن إسرائيل التي وافقت على مشروع الاتفاق تتمسك بنهجها التقليدي في إجراء المفاوضات تحت النار. ووفقاً لمعطيات مطبوعات محلية، أقر الجيش الإسرائيلي خطة عمليات حربية تقضي بقصف الأراضي اللبنانية كل ساعتين. وتقول مصادر القناة 12 الإسرائيلية أن هذه الهجمات تعكس رفض القيادة الإسرائيلية الإنجرار إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

ينقل الكاتب عن صحيفة النيويورك تايمز قولها إن خامنئي دعا حزب الله إلى الموافقة على إتفاق لوقف إطلاق النار، رغم أنه سيطلب من جناحه العسكري بسحب مقاتليه من المناطق الحدودية. ونقل عن المتحدثين للصحيفة الأميركية قولهم إن خامنئي يؤيد "وقف الحرب مع إسرائيل".