روسيا تعلّق عزلتها على مشجب بريكس

بسام مقداد
السبت   2024/10/26
صعّد بوتين بشكل ملحوظ من لهجته ضد الغرب (Getty)

اختتمت قمة مجموعة دول بريكس أعمال قمتها السادسة عشرة في مدينة قازان الروسية الخميس الماضي بإصدار بيان مشترك دعا لهدنة فورية في الشرق الأوسط في غزة ولبنان، والاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في منظمة الأمم المتحدة. ويشار إلى أن أعضاء المجموعة كانوا قد صوتوا جميعهم لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيار/مايو المنصرم بشأن فلسطين.

موقع الخدمة الروسية في إذاعة "صوت أميركا" علق، في 25 الجاري، على اختتام القمة بنص تناول فيه الأهداف التي كانت تتوخاها روسيا من قمة مجموعة بريكس، التي عقدت في ربوعها. ونقل الموقع عن بوتين وصفه للقمة في المؤتمر الصحافي الختامي بأنها "تتويج لرئاسة روسيا للمجموعة وأحد الأحداث البارزة في التقويم السياسي العالمي". وحرص الكرملين على تقديم هذه الصورة عن القمة للجمهور الروسي والناطق بالروسية. إذ أصدر ديوان الرئاسة الروسية كتيب توجيهات لمواقع الإعلام الرسمية كيف عليها أن تغطي أعمال القمة. ونقل عن الموقع الروسي المعارض Meduza أن التعليمات التي صدرت للبروباغنديين الروس توصيهم بتقديم بوتين بأنه أصبح "الزعيم غير الشكلي للأغلبية العالمية"، وأن "محاولات عزل" روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا "قد فشلت".

ورأى الموقع أن بوتين قد صعّد بشكل ملحوظ من لهجته ضد الغرب في رده على أسئلة الصحافيين. وعادة ما يتهم بوتين الغرب بارتكاب "كل الخطايا": التصعيد في أوكرانيا، "إنقلاب العام 2014" في كييف، الخداع بشأن "اتفاقيات مينسك"، وسواها.
وبشأن العلاقات الروسية الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، رأى بوتين أن الأمر يتعلق بموقف واشنطن. فإذا كانت الولايات المتحدة منفتحة لإقامة علاقات طبيعية مع روسيا، "نحن سنقوم بالأمر عينه، وإذا كانوا لايريدون، فلا داعي لذلك"، والخيار يبقى للإدارة المقبلة.

نقل الموقع عن البوليتولوغ الروسي Dmitry Oreshkin قوله بأن موسكو أولت القمة أهمية كبيرة جداً، وأنفقت اموالاً طائلة لعقدها. ورأى أن جهود الكرملين في تقديم الصورة التي يريدها للقمة أعطت ثمارها، حيث نشرت مواقع الإعلام الروسية الكثير من النصوص، وبما يتفق كلياً مع تعليمات الكرملين. وكان بوتين يحل بذلك مسألة في غاية الأهمية بالنسبة إليه: إظهار روسيا بأنها ليست في حلقة ضيقة من العزلة الدولية. ومن حيث المظهر جرى كل شيء كما أراد. فقد صافحه زعماء دول كبرى، وكان بمثابة المضيف الودي الذي استقبل الجميع ورحب بهم.

لكن البروباغندا يجب أن تجد لها سنداً ملموساً، وهو ما لم يتوفر في الواقع. فلم تصبح مجموعة بريكس منظمة تضم أطرافاً ذوي تفكير متماثل، خصوصاً بما يتماشى مع السرديات المناهضة للغرب التي يروج لها الكرملين. فلكل من المشاركين في القمة مصلحته الخاصة شديدة البراغماتية. فقد كان من المهم بالنسبة لتركيا، على سبيل المثال، أن ترسل إلى الاتحاد الأروبي إشارة بأنه إذا بقي يمارس الضغط على أنقرة كما في السابق، فبوسعها الانضمام إلى مجموعة بريكس. وبدا من المهم بالنسبة للصين أن ترسخ موقعها القيادي في المجموعة.

رأى Oreshkin أن القمة لم تسفر عن إقرار النقد الموحد للمجموعة، كما لم تسفر عن اتخاذ أي خطوات استراتيجية أخرى. وبدلاً من ذلك أقرت القمة بياناً ختامياً تمت صياغته بتعابير عامة تحتمل أي تأويل. 

كما نقل الموقع عن السوسيولوغ الروسي Igor Eidman قوله إن الكرملين نجح في قمة دول بريكس أن يُظهر للروس بأن موسكو ليست في عزلة تامة على الصعيد العالمي. ورأى أن مشاركة مجموعة كبيرة من الدول المؤثرة في القمة كشفت عن رغبتها في مواصلة التعامل مع روسيا، "وهذا واقع، للأسف". وقال إن موسكو حاولت تقديم المشاركين في القمة كمجموعة من أصدقائها على الصعيد العالمي. لكن هذا ليس صحيحاً، "كما كشفت القمة نفسها".

وكالة تاس نقلت عن النائب السابق في البرلمان الإنكليزي، الناقد المخضرم للولايات المتحدة والغرب عموماً، جورج غالواي، قوله للوكالة في كواليس اللقاء إن قمة بريكس مثلت بداية النهاية للهيمنة الأميركية. ورأى أن قمة قازان "تكللت بنجاح كبير ... ولدي قناعة بأن بريكس 24 سيصبح لحظة مميزة في تاريخ البشرية، لأنه بداية النهاية لهيمنة الولايات المتحدة وطغيان الدولار". وقال إن التقدم الذي تحقق في الأيام الثلاثة للقمة سوف يبدأ بتغيير العالم، عالم تشوبه القوة أحادية القطب والعنف والمعايير المزدوجة. ورأى أن مجموعة بريكس هي "الترياق الشافي من هذا السم"، وقد حققت المجموعة خلال هذا الأسبوع عدة خطوات إلى الأمام.

وكما أيقظت تاس جورج غالواي في 25 الجاري من غياب طويل ليشهد على تاريخية قمة بريكس، عثرت أيضاً في اليوم عينه على أمين عام "الحزب الشيوعي السوري الموحد" نجم الدين الخريط ليشهد على أن نجاح قمة بريكس يستجيب لمصالح الشعوب العربية. وقال الأمين العام لمندوب الوكالة عبر الهاتف من دمشق أن قمة بريكس في قازان هو "أهم حدث سياسي في العام 2024"، وسيساعد على التضامن العالمي ضد طغيان الولايات المتحدة والغرب.

موقع realnoevremya رأى في عنوان النص الذي نشره في 25 الجاري أن قمة بريكس في قازان أثبتت أن روسيا ليست معزولة عن العالم. ونسب الموقع إلى خبراء قولهم إن مجموعة دول بريكس تحل إلى حد كبير محل الأمم المتحدة، وهي النموذج الأولي لبنية جديدة للعالم. ورأى الخبراء هؤلاء أن الأيام الثلاثة الماضية أظهرت أن روسيا ليست فقط غير معزولة عن العالم، بل وأصبحت "زعيمة القوى التي تقف ضد هيمنة دولة وكتلة واحدة".

قال الموقع إن قمة بريكس السادسة عشرة أصبحت الحدث الرئيسي في رئاسة روسيا للمجموعة. وفي اليوم الثاني من عمل القمة تم إقرار "بيان قازان" الذي عكس موقف المجموعة من القضايا الدولية، ومن بينها تسوية الصراعات، بما فيها الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط.

أسبوعية expert الروسية توقفت في 24 الجاري عند الاقتراحات التي تقدمت بها روسيا للقمة، وشملت النماذج البديلة للتقدم في معظم المجالات الاقتصادية. رأت الأسبوعية أن قمة بريكس كانت "انتصاراً حقيقياً" لروسيا. وأثبتت للعالم أجمع الحاجة للنماذج البديلة للتقدم، وطرحت مع شركائها في المجموعة اقتراحات ملموسة للتفاعل مع الجنوب والشرق، من نظام المدفوعات المشترك بالعملات الوطنية إلى إنشاء بورصة للحبوب ومنصات لتجارة الألماس والمعادن الثمينة إلى الحد من استخدام الذكاء الإصطناعي.

رأت الأسبوعية أن كثيرين من قادة دول المجموعة يقرون بضرورة إنشاء نظام مدفوعات مستقل عن الغرب يعتمد العملات الوطنية. واستعرضت آراء عدد من كبار زعماء الدول المشاركة في هذه المسألة التي لا تزال في طور البحث والنقاش.

استعرضت الأسبوعية المبادرات في المجالات التجارية الصناعية التي تقدمت بها روسيا. وتوقفت عن اقتراح إنشاء بورصات خاصة بالمجموعة ومستقلة عن البورصات الغربية. وأشارت إلى الاقتراح بإنشاء بورصة للحبوب، وفق بوتين، أن بوسعها حماية الأسواق الوطنية من "التدخل الخارجي السلبي والمضاربات ومحاولات افتعال نقص في المواد الغذائية". كما توقفت الأسبوعية عند اقتراح الجانب الروسي بإنشاء منصة منفصلة داخل مجموعة بريكس لتجارة المعادن الثمينة والألماس. وقالت بأن هذه المنصة تتيح إمكانية تخطي كافة العقبات التجارية، بما فيها تلك الناجمة عن العقوبات.