الممر الاقتصادي وتسخين الشرق الأوسط
ما هي أشباه الموصلات؟ هي عناصر يسري التيار الكهربائي فيها ببطء شديد، وتنتقل من خلاله الالكترونات نحو القطب الموجب، فيما تنتقل ما تدعى بالفجوات بالعكس؛ وعلى هذه الخاصية قامت أعقد الاختراعات العلمية وأرقاها، بل أن السباق على تطوير وإنتاج أشباه الموصلات يعد اليوم ذروة التنافس التقني والاستراتيجي بين القوى العظمى.
وفي تعبير سياسي مشابه، يبدو الشرق الأوسط اليوم "شبه الموصل" بين الشرق المتمثل بالصين والهند ودول صاعدة أخرى من جهة، والعالم الغربي المتمثل بأوروبا وأميركا من جهة أخرى، على الأقل هذا ما تعرضه اتفاقية الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه مؤخراً في قمة مجموعة العشرين في الهند.
وقّع على الاتفاق كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتفاءه بهذا المشروع الذي وصفه بأنه "التعاون الأكبر في تاريخ إسرائيل" وأنه سيغير ملامح المنطقة. وهو كذلك فعلاً، إذ يفتح أبواب التطبيع مع تل أبيب على مصراعيه، فالممر الذي يربط بين موانئ وسكك حديد وخطوط نقل كهرباء وكابلات نقل بيانات، سينقل بالتوازي والتزامن مزيداً من التفاعلات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تجعل أوجه الحياة على امتداده أكثر ترابطاً ويزيد من الاعتماد المتبادل والدمج الاقتصادي بين الدول التي يمرّ بها.
وعلى الرغم من الدعاية الاقتصادوية لمشروع الممر آنف الذكر، إلا أنه ليس سوى ردّ سياسي استراتيجي صنعته واشنطن ضمن إطار إدارة علاقاتها وصراعاتها الدولية. فهو بالدرجة الأولى ردّ على مبادرة الحزام والطريق الصينية ومحاولة لتقويضها، ومن ناحية ثانية استباق لتحالف كبير يتكون اليوم بين روسيا والصين تسارع مع الحرب في أوكرانيا التي استدعت تكتلاً غربياً واستفزت تكتلا شرقياً وأعادت العالم إلى أجواء الحرب الباردة وتحالفاتها الكبرى.
لكن ما يهمنا هنا هو منطقتنا وكيف ستتأثر دولها بهذا المشروع الذي هو ليس برأينا سوى جزء من الصفقة الكبرى في الشرق الأوسط الذي تحدثنا عنه في مقال سابق، وقلنا إنها عبارة عن تطبيع عربي مع إسرائيل، وضمانات أمنية وعسكرية لدول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، تتيح لها إطلاق مسار تنموي آمن، يصب في النهاية في خانة الاستقرار السياسي لهذه المنطقة التي لم تكفّ عن الاضطراب منذ قرن من الزمان. ونحن نعتقد أن الصفقة التي يمثل مشروع الممر جزءاً منها، يحيّد إيران بالكامل بوصفها جزءاً من التحالف الصيني الروسي، ويتجنب جزئياً تركيا المتذبذبة بين الأوراسية والانتماء الى الناتو.
وهذا يعني أن الصفقة والمشروع الأول فيها سيواجهان تهديدات جديّة في الإقليم والعالم، على رأسها التهديد الأمني عبر جر منطقة الخليج تحديداً إلى موجة من الصراعات والعنف، وهنا تبرز إيران كأداة مؤهلة في يد كل من الصين وروسيا لإنجاز المهمة، بما تمتلكه من حضور ونفوذ أمني وعسكري في محيط الممر الاقتصادي، وتقع مصالحها في قلبه، الأمر الذي يجعل استبعادها نوعاً من التحدي الوجودي.
من وجهة النظر الأخيرة، ليس مؤكداً أن يغير مشروع الممر الاقتصادي وجه المنطقة، كما قال نتنياهو، لكنه بالتأكيد سيغير نوعية وطبيعة الصراعات فيها وعليها وحولها. وإذا كان اللاعبون الاساسيون يمتلكون الإرادة والجديّة، فإنه ربما يجعل من منطقة الشرق الأوسط، أوروبا الجديدة، كما يحلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن مستشاريه يتوجب عليهم أن يخبروه بأن أوروبا كما نعرفها اليوم صنعتها حربان عالميتان عاتيتان، وعليه أن يستعد لذلك.
وبالعودة إلى مثال أشباه الموصلات الفيزيائي، فإن الشرق الأوسط الذي كان عبر التاريخ ممراً للتدفقات الهائلة بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، لا بد أن يشهد في الحقبة المقبلة التي يجري فيها تطوير وزيادة هذه الخاصية، تسخيناً قد يكون علامة الحياة والحيوية، وقد يكون علامة اعتلال مَرَضي جديد.
وفي تعبير سياسي مشابه، يبدو الشرق الأوسط اليوم "شبه الموصل" بين الشرق المتمثل بالصين والهند ودول صاعدة أخرى من جهة، والعالم الغربي المتمثل بأوروبا وأميركا من جهة أخرى، على الأقل هذا ما تعرضه اتفاقية الممر الاقتصادي الذي أعلن عنه مؤخراً في قمة مجموعة العشرين في الهند.
وقّع على الاتفاق كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو احتفاءه بهذا المشروع الذي وصفه بأنه "التعاون الأكبر في تاريخ إسرائيل" وأنه سيغير ملامح المنطقة. وهو كذلك فعلاً، إذ يفتح أبواب التطبيع مع تل أبيب على مصراعيه، فالممر الذي يربط بين موانئ وسكك حديد وخطوط نقل كهرباء وكابلات نقل بيانات، سينقل بالتوازي والتزامن مزيداً من التفاعلات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تجعل أوجه الحياة على امتداده أكثر ترابطاً ويزيد من الاعتماد المتبادل والدمج الاقتصادي بين الدول التي يمرّ بها.
وعلى الرغم من الدعاية الاقتصادوية لمشروع الممر آنف الذكر، إلا أنه ليس سوى ردّ سياسي استراتيجي صنعته واشنطن ضمن إطار إدارة علاقاتها وصراعاتها الدولية. فهو بالدرجة الأولى ردّ على مبادرة الحزام والطريق الصينية ومحاولة لتقويضها، ومن ناحية ثانية استباق لتحالف كبير يتكون اليوم بين روسيا والصين تسارع مع الحرب في أوكرانيا التي استدعت تكتلاً غربياً واستفزت تكتلا شرقياً وأعادت العالم إلى أجواء الحرب الباردة وتحالفاتها الكبرى.
لكن ما يهمنا هنا هو منطقتنا وكيف ستتأثر دولها بهذا المشروع الذي هو ليس برأينا سوى جزء من الصفقة الكبرى في الشرق الأوسط الذي تحدثنا عنه في مقال سابق، وقلنا إنها عبارة عن تطبيع عربي مع إسرائيل، وضمانات أمنية وعسكرية لدول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية، تتيح لها إطلاق مسار تنموي آمن، يصب في النهاية في خانة الاستقرار السياسي لهذه المنطقة التي لم تكفّ عن الاضطراب منذ قرن من الزمان. ونحن نعتقد أن الصفقة التي يمثل مشروع الممر جزءاً منها، يحيّد إيران بالكامل بوصفها جزءاً من التحالف الصيني الروسي، ويتجنب جزئياً تركيا المتذبذبة بين الأوراسية والانتماء الى الناتو.
وهذا يعني أن الصفقة والمشروع الأول فيها سيواجهان تهديدات جديّة في الإقليم والعالم، على رأسها التهديد الأمني عبر جر منطقة الخليج تحديداً إلى موجة من الصراعات والعنف، وهنا تبرز إيران كأداة مؤهلة في يد كل من الصين وروسيا لإنجاز المهمة، بما تمتلكه من حضور ونفوذ أمني وعسكري في محيط الممر الاقتصادي، وتقع مصالحها في قلبه، الأمر الذي يجعل استبعادها نوعاً من التحدي الوجودي.
من وجهة النظر الأخيرة، ليس مؤكداً أن يغير مشروع الممر الاقتصادي وجه المنطقة، كما قال نتنياهو، لكنه بالتأكيد سيغير نوعية وطبيعة الصراعات فيها وعليها وحولها. وإذا كان اللاعبون الاساسيون يمتلكون الإرادة والجديّة، فإنه ربما يجعل من منطقة الشرق الأوسط، أوروبا الجديدة، كما يحلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لكن مستشاريه يتوجب عليهم أن يخبروه بأن أوروبا كما نعرفها اليوم صنعتها حربان عالميتان عاتيتان، وعليه أن يستعد لذلك.
وبالعودة إلى مثال أشباه الموصلات الفيزيائي، فإن الشرق الأوسط الذي كان عبر التاريخ ممراً للتدفقات الهائلة بين القارات الثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، لا بد أن يشهد في الحقبة المقبلة التي يجري فيها تطوير وزيادة هذه الخاصية، تسخيناً قد يكون علامة الحياة والحيوية، وقد يكون علامة اعتلال مَرَضي جديد.