انهيار الأمن يتسارع
خلال أسبوع واحد، وقعت سلسلة أحداث أمنية لبنانية تُوحي بمزيد من التداعي في سلطة الدولة وقدرات أجهزتها باتجاه فوضى أوسع.
أولاً، باتت الاقتحامات المسلحة (رغم أن بعضها بأسلحة مزيفة) للمصارف متواترة، وتُظهر وهناً لدى قدرة الدولة على التدخل وضبط الأمن، وبشكل متزايد. ذاك أن القضاء غير قادر على أداء واجباته في استرداد بعض الأموال أو محاسبة المسؤولين عن ضياعها ومصادرة أموالهم، وبالتالي بات العنف حلاً، وهو ناجح غالباً في ظل تضاؤل قدرات الدولة ومؤسساتها.
ثانياً، عمليات الفرار من السجون باتت متكررة، وتُنبئ بمزيد من التداعي خلال الفترة المقبلة. هذا الأسبوع فر عشرة سجناء من نظارة مخفر صيدا الجديدة – الحسبة جنوب المدينة. صحيح أن شعبة المعلومات تمكنت من اعتقال 6 منهم، لكن ضرورة استدعاء مثل هذه الفرق الخاصة، باتت جزءاً من المشهد. الجسد الأمني تداعى، وبات يتكئ على قدراته الخاصة بشكل متزايد. أليس لافتاً أن 6 سجناء فروا من سجن سراي إهدن مطلع هذا الشهر أيضاً؟ في سجن إهدن، فرّ الموقوفون عبر القفز فوق حائط يناهز علوه بضعة أمتار، ثم سلكوا طريقاً وعراً في الجبال. قبلها بشهر أيضاً فر 31 معتقلاً من سجن في بيروت بعد قطعهم حواجز حديدية مثبتة على إحدى النوافذ. العامان الماضيان كذلك شهدا حوادث فرار، لكن ليس بنسبة الأسابيع الماضية بالتأكيد.
عمليات الفرار من السجون على ارتباط مباشر بالوضع الإقتصادي-الإجتماعي، وصعوبة استمرار أي شرطي أو عسكري في وظيفته وحدها، كون الراتب لم يعد يؤمن قوت أسبوع، ناهيك عن أكلاف الكهرباء والمدارس والتنقل، وجميعها صار بالدولار.
ثالثاً، وعطفاً على ما سبق، باتت الاشتباكات المحلية ركناً من الحياة اليومية في لبنان. خلال أيام قليلة، وقعت مجموعة اشتباكات في المناطق، بدءاً بطرابلس حيث قضى 3 أشخاص في عملية سطو مسلحة تلاها إطلاق نار، ومروراً باشتباكات عشائرية في معوض-الشياح والمشرفية-مار مخايل. خلال اليومين الماضيين، قُتل 3 أشخاص بإطلاق نار في حفل زفاف ببلدة قبعيت العكارية، و3 ضحايا كذلك في اشتباكات بين عائلتين في بلدة مشغرة البقاعية تمددت إلى داخل المستشفى حيث يُعالج الجرحى.
عدد الحوادث ليس عادياً ويشي بوتيرة أسرع لانهيار أمن مستمر منذ عامين، ولو ببطء. وهذا التصدع في جدار الأمن اللبناني على ارتباط كذلك بالتطورات الاقتصادية-السياسية الحاصلة في البلاد، أكان لجهة الجمود في عملية تشكيل الحكومة أو الفراغ المرتقب في الانتخابات الرئاسية، أو لناحية غياب أي إصلاحات اقتصادية ومالية، وارتفاع سريع في سعر صرف الدولار، ومعه أسعار السلع الأساسية والنقل.
حين يقترب سعر صرف الدولار الأميركي من 40 ألف ليرة لبنانية، نُواجه سؤالاً مزدوجاً في الأمن: كيف يصمت الجوعى وأهالي المرضى عن موتهم البطيء، وأي رجل أمن مستعد للتضحية بنفسه لردعهم مقابل راتب لم يعد يكفي لأيام قليلة؟ ذاك أن الانهيار الأمني يحصل حين يلتقي الانفجار الاجتماعي مع تلاشي القدرة على حفظ النظام العام. وهذان مساران يبدو أنهما دخلا نفقاً سريعاً مع ترسيخ الفراغ الكامل على المستوى السياسي.