حكومة عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان؟
إلى جانب الحرب على لبنان وغزة وكيفية الخروج منها "منتصرة"، تحتدم في إسرائيل الآن نقاشات حادة، وتتفجر فضائح مدوية، تتقدمها فضيحة تسريب وثائق سرية من مكتب نتنياهو نفسه، والتي وصفتها هآرتس "ووترغيت إسرائيل". وتساءلت الصحيفة ما إن كانت ستطال الفضيحة نتنياهو نفسه، لا سيما وأن المتهم الرئيسي بها هو الناطق بإسمه. وأشارت إلى أن المتهم سبق أن كان الناطق بإسم بن غفير. وهآرتس نفسها تتعرض هذه الأيام لهجوم شرس من اليمين الإسرائيلي، بعد التصريحات التي أدلى بها ناشرها عاموس شوكن أثناء لقاء للقوى اليسارية في لندن، والتي وصف فيها الفلسطينيين "مناضلين من أجل الحرية". وقد نشر موقع Zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية نصاً للمدونة من أصول روسية Victoria Martynova رأت فيه أن "تبرير الإرهاب يأتي من إسرائيل"، ووصفت تصريحات شوكن بالمتوحشة.
فضيحة التسريب لم تكن الفضيحة الأخيرة التي خرجت للعلن في الأيام الأخيرة. فقد كشف موقع Mignews الإسرائيلي الناطق بالروسية في 4 الجاري عن فضيحة رفض عشرات آلاف الإسرائيليين من الاحتياط الالتحاق بالخدمة العسكرية. ونقل الموقع عن مكتب شؤون الأفراد في الجيش الإسرائيلي أن حوالى 18000 عسكري من احتياط الوحدات المقاتلة و20000 من احتياط وحدات المساندة لا يلبون دعوة الالتحاق بالخدمة. وقال الجنرال الذي يرأس المكتب أن الأمر يتخذ طابعاً منهجياً، وليس من وسيلة لإلزامهم بالالتحاق.
التهديد الإيراني بالرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير، والذي أعلنه خامنئي بعد أسبوع من التحقق من التدمير الفعلي الذي ألحقه الهجوم بالدفاعات الجوية والصناعات الدفاعية، يثير نقاشاً من نوع آخر في المجتمع الإسرائيلي. فشبه الإجماع الذي تحظى به الحرب مع إيران وحزب الله والأذرع الإيرانية الأخرى، تخرقه انتقادات لاذعة من قبل قوى سياسية مختلفة لضعف الرد الإسرائيلي وتأجيل الحرب الشاملة مع إيران وأذرعها، وعدم إغتنام الفرصة السانحة الآن والتي لن تتكرر، برأي قوى معارضة لحكومة نتنياهو.
لكن، وعلى الرغم من كل النقاشات الحادة التي تدور والفضائح التي تتكشف، وعلى الرغم من تفخيخ نتنياهو لمبادرات التوصل إلى هدنة ، تظهر في الإعلام الإسرائيلي نصوص وآراء تتعجل وقف إطلاق النار في الحرب على لبنان وغزة. فقد نقل موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية عن الكاتب في موقع قناة التلفزة الثانية عشرة أميت سيغال، قوله صباح الرابع من الجاري أن مصدراً حكومياً رفيع المستوى صرح بأن اتفاقية وقف الحرب في لبنان يمكن التوصل إليها خلال أسبوع ونصف أو أسبوعين. وإسرائيل تدرك أن الإدارة الأميركية المنتهية ولايتها والمرشحين للرئاسة المقبلة مهتمون بإنهاء القتال على الجبهة اللبنانية. والإسرائيليون لا يعلقون آمالهم على صياغة الاتفاق المستقبلي، بقدر ما يعلقونها على قدرة المجتمع الدولي على فرضه. فمضمون الاتفاق بحد ذاته بديهي، والغرض منه بالنسبة لهم، هو حماية سكان شمال إسرائيل. وما يبعث على التفاؤل، حسب المصدر، هو أن هناك شعوراً بأن المطالب الإسرائيلية اكتسبت شرعية على المستوى الدولي. وهذا سيضمن الالتزام بالاتفاق إذا قرر حزب الله استغلال وقف الأعمال العدائية لإعادة تسلحه ونشر قواته.
ويقول الموقع أن ثمة فكرة متداولة في الدوائر الحكومية، مفادها أن إيران خيبت آمال حزب الله، وهي مستعدة للتخلي عنه. علاوة على ذلك، فإن إنهاء الحرب في الشمال يصب في مصلحة كل من إدارة بايدن المنتهية ولايتها والمرشحين المتنافسين حالياً. وتفضل إسرائيل إنهاء الحرب بعد الإنجازات الكبيرة التي حققتها، مما سيسمح لها بتركيز كل اهتمامها على إيران.
الموقع الإسرائيلي Israeldefense نشر في 3 الجاري نصاً للمحلل الإسرائيلي Amir Rapaport تحدث فيه عن البدائل المتاحة لإسرائيل "لتحقيق النصر في لبنان". ورأى أن هذه البدائل تسمح لإسرائيل "ترسيخ إنجازاتها العسكرية في لبنان وضمان السلام على حدودها الشمالية خلال السنوات القليلة المقبلة".
البديل الأول يراه Rapaport في إقامة حكومة عسكرية إسرائيلية في جنوب لبنان، أي احتلال المنطقة بين الحدود ونهر الليطاني وإدارتها مباشرة من قبل الجيش الإسرائيلي. ومهمة الحكومة هذه: تفكيك البنية التحتية لحزب الله، منع الهجمات على المستوطنات الشمالية، تحييد التهديد الذي يشكله الحزب وإقامة منطقة عازلة. إلا أنه يرى أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى إدانة دولية وينظر إليه على أنه انتهاك للسيادة اللبنانية. كما لا بد من الخوف من المقاومة المحلية واسعة النطاق وحرب العصابات التي ستعرض قوات الجيش الإسرائيلي للخطر.
البديل الآخر هو التوصل إلى اتفاق سياسي على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 1701، والذي يتضمن مفاوضات بشأن الحدود البرية. ومن شأن مثل هذا الاتفاق أن يعزز الترتيبات القائمة، ويضمن انتشاراً فعالاً للجيش اللبناني في جنوب البلاد ويقلل من نفوذ حزب الله. الميزة الأبرز لهذا البديل، هي الدعم الدولي الذي قد تتلقاه إسرائيل، وإمكانية تحقيق استقرار طويل الأمد من دون صراع عسكري مستمر. لكن الأمر مرهون برغبة الحكومة اللبنانية وقدرتها على تنفيذ الاتفاق وكبح جماح حزب الله، الأمر الذي قد يشكل تحدياً كبيراً. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عملية التفاوض قد تكون طويلة وقد لا تسفر عن نتائج فورية على أرض الواقع.
والخيار الثالث، شريط أمني على عمق عدة كيلومترات داخل لبنان. سيكون هذا الشريط الأمني بمثابة منطقة عازلة تسمح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة على المنطقة القريبة من الحدود ومنع النشاط العدائي. وتظهر التجربة التاريخية أن المنطقة الأمنية يمكن أن تقلل من التهديد المباشر للمستوطنات الشمالية. لكن يجب أن نتذكر أن الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي اللبنانية أدى في الماضي إلى مقاومة شرسة وكلفة باهظة بالأرواح والموارد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الإجراء قد يثير انتقادات دولية ويُنظر إليه على أنه انتهاك للقانون الدولي.
والبديل الرابع هو استمرار القتال ضد حزب الله تحت تعريف "العملية العسكرية المؤقتة". وفي هذا الإطار، ستنفذ إسرائيل عمليات عسكرية موجهة لتدمير البنية التحتية للمنظمة وقدراتها، من دون الدخول في حرب شاملة. وميزة هذا البديل هي المرونة والقدرة على التعامل بسرعة مع التهديدات المباشرة. لكن من دون أهداف استراتيجية واضحة، يمكن أن تطول العملية وتتحول إلى روتين متواصل من المواجهات، مما قد يؤدي إلى تصعيد غير مقصود والإضرار بعلاقات إسرائيل الدولية.
وإلى جانب هذه البدائل الأربعة الرئيسية، هناك خيارات أخرى يمكن النظر فيها. أحدها إجراء مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع حزب الله من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو ترتيبات من شأنها تخفيف التوتر. ورغم أن فرصة التوصل إلى مثل هذا الاتفاق تبدو منخفضة، إلا أن فتح قنوات الاتصال قد يساعد في تقليل سوء التفاهم ويؤدي إلى تحسن الوضع الأمني. ومع ذلك، لا بد من النظر في الآثار الأخلاقية والسياسية للتفاوض مع منظمة إرهابية.
يشير المحلل إلى خيارات أخرى يراها، مثل زيادة الضغوط الدولية على حزب الله وحلفائه، وخصوصاً سوريا وإيران، وتعزيز الدفاع الداخلي الإسرائيلي والقدرة على الردع. ويقول بأن العمليات السرية والحرب السيبرانية هي أدوات أخرى في ترسانة إسرائيل. لكن يجب أن "نتذكر" أن هذا الأسلوب محدود في نتائجه فيما يتعلق بالمناورة، والكشف عن مثل هذه التصرفات قد يؤدي إلى ردود فعل مضادة وخطر نشوب صراع أوسع.
وينتهي المحلل الإسرائيلي إلى التأكيد بأن الوضع في شمال إسرائيل معقد، وليس هناك حل سحري واحد يضمن أمن إسرائيل. ومن الممكن أن يكون الجمع بين عدة بدائل، متكيفة مع التطورات على الأرض والتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، هو المفتاح لتحقيق الاستقرار المنشود.