بوتين وبشار:معاً حتى العام 2036
كان الإقتناع بجدية تلك النية الروسية، النبيلة، يتطلب الكثير من التنكر للمعطيات التي لا تكذب، ولا تدع مجالاً للشك في ان روسيا إنما جاءت الى سوريا لتغيير نظام الاسد، واقامة نظام ديموقراطي حر يحترم تعدد المجتمع السوري وتنوعه، ويرسي أسس تجربة روسية رائدة، تقوم على إعادة بناء الدولة السورية الكاسدة طوال نصف قرن والتي تشارف اليوم على الانهيار... وهو ما لم يفعله الاميركيون لا في افغانستان ولا طبعا في العراق ولا في أي بلد إجتاحوه في العقدين الماضيين.
كان الأمل وارداً بأن تصدق روسيا في دعواها، وأن تلتزم على الاقل حرصها المعلن على حفظ الدولة السورية وحماية وحدة الاراضي السورية، وأن تقدم نموذجاً مختلفاً عن التجربة الاميركية الرائدة في تهديم الاوطان وتخريب الدول وتفكيك المجتمعات، الاسلامية والعربية خاصة..وأن تتصل بإرثها السوفياتي الذي سيظل التاريخ يحفظ له مساعدته للكثير من بلدان العالم الثالث في التحرر من نير الاستعمار الغربي.
لكن هذا الأمل، الخادع أصلاً، ضاع نهائياً في اليومين الماضيين، عندما ظهرت نتائج الاستفتاء الشعبي في روسيا على التعديلات الدستورية، وعندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين (67 عاماً) أنه وقع على سريان مفعول تلك التعديلات، التي تجيز له البقاء رئيسا مدى الحياة، او بالتحديد حتى العام 2036، حيث يكون قد بلغ من العمر83 سنة بالتمام والكمال، ويكون قد شغل الرئاسة لولايتين جديدتين مدتهما 12 سنة، بعد إنتهاء ولايته الحالية في العام 2024.
بكل المعايير، الغربية منها والشرقية، ما جرى في روسيا كان بمثابة نكسة كبرى لمسار تحرير وتطوير نظام الحكم الروسي الذي لاحق الناخبين الروس بصناديق الاقتراع طوال الاسبوع الماضي، الى منازلهم ومزارعهم وسياراتهم ومخادعهم، لكي يحصل منهم على نسبة تأييد بلغت 77 بالمئة من الاصوات، على تعديلات دستورية، تتحدى العقل والمنطق.. عدا عن كونها ترفع معدلات تفشي وباء كورونا ونسب التضخم والفقر والفساد، وتخفض الرهان على أن روسيا على وشك أن تتصالح مع تاريخها العظيم، وأن تتخفف من عبء الطغيان القيصري ثم السوفياتي.
هكذا تبدد الوهم بأن روسيا التي كان يفترض أنها قوة إنقاذ وحيدة للدولة السورية، وخشبة خلاص أخيرة للمجتمع السوري، ما زالت عند وعدها، وستحترم العملية السياسية التي أحيلت حسب القرارات الدولية الى الشعب السوري لكي يديرها بنفسه، ولكي ينظم عمليات إنتخابية رئاسية حرة ونزيهة تؤدي الى إنتقال سياسي تدريجي هادىء من النظام الحالي المتهالك، الى نظام جديد يستوعب جميع المكونات السورية من دون إستثناء.
منذ البداية، كان ذلك الوعد الروسي مثيراً للريبة. الاستفتاء الأخير وبنود الدستور الجديد، الذي يتوج بوتين قيصراً على الروس، يفترض بالحد الأدنى التشكيك بالسياسة الروسية تجاه سوريا ونظامها، والتي تفيد بأن موسكو تعبت من بشار ومن كلفة المحافظة على حكمه ومن هدر الامكانات في إعادة بناء جيشه، وهي لذلك كانت تخطط أو تفكر في تحويل الانتخابات الرئاسية السورية العام المقبل الى فرصة للتغيير في سوريا. المنطق يقول ان بوتين الذي عاد بروسيا قرناً كاملاً الى الوراء، ولم يكن، حسب في الاستفتاء الاخير، ديموقراطياً مع شعبه، لن يكون ديموقراطياً مع الشعب السوري.
من الآن فصاعداً، ربما يجوز التكهن بان النظام السوري الحالي باقٍ في السلطة حتى العام 2036 بالتحديد ، سواء مع بشار (الذي سيكون قد بلغ السبعين) او من دونه..لأن بوتين، لن يضيع وقته في البحث عن شريك سوري آخر، يتولى تنظيم إنتخابات وإستفتاءات وتعديلات دستورية، تعيد سوريا قروناً الى الوراء..