تركيا..ذاكرة الثورة السورية
تدخل الحرب الأهلية الدموية في سوريا عامها العاشر بينما يبدو أن النظام يعزز قبضته على السلطة، لكنه لن يتمكن أبداً من تحقيق السلام. تستمر المعارضة في فقدان مكانتها، وفي نظر بعض الغربيين، شرعيتها. إنها ليست الثورة نفسها التي بدأتها قبل تسع سنوات، ولكنها صراع متعدد المستويات؛ المحلي والإقليمي والدولي.
ومع ذلك، هناك العديد من الأسئلة التي يجب الإجابة عليها، أحدها لم يتغير منذ البداية: ماذا تريد أنقرة، وما هي الأهداف السياسية لتركيا؟
في بداية الربيع العربي، أعلنت تركيا أنها ستعتمد خمسة مبادئ للعملية برمتها، بما في ذلك في سوريا. كان المبدأ الأول، تقديم الدعم الكامل، بغض النظر عن البلد، لحركات الشعوب العربية، ليس فقط لأسباب رومانسية، بل آملة أن تكون شعبية تركيا في ذلك الوقت في أعين الشعب العربي كنموذج يحتذى به، قابلة لأن تترجم إلى وضع مربح للجانبين. المبدأ الثاني كان ببذل قصارى جهدها لضمان فترة انتقال غير دموية. المبدأ الثالث هو الامتناع عن إشراك الجهات الفاعلة غير الإقليمية. والرابع هو الحفاظ على التعاطف مع الناس وأن يكونوا في قلب التطورات.
في ذلك الوقت كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يعتقد أن هذه المبادئ ضرورية لعدم تكرار ما اعتبروه خطأ الجمهورية منذ تأسيسها في عام 1923؛ أي أن يبذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على مسافة والابتعاد عن الشرق الأوسط والعالم العربي.
المبدأ الخامس كان الدفاع عن وحدة أراضي الدول.
بالنسبة للمعارضة التركية، كانت هذه المبادئ مغامرة. أما بالنسبة للمنافسين الإقليميين لتركيا، فكانت انعكاساً للعثمانية الجديدة. ولكن في ما خص الحكومة، وعندما تحولت هذه المبادئ إلى أسئلة عملية واستراتيجية، تغيرت الحقائق على الأرض، وكما نرى تحولت الثورة السورية إلى حرب دموية. كان على أنقرة أن تتوسل إلى الولايات المتحدة للتدخل، وأخيراً عندما فعلت ذلك، أزعجت تركيا فقط. لا يوجد وضع مربح للجانبين، ولكن الجميع يعانون.
ما الخطأ الذي حصل؟
أشياء كثيرة. أنقرة لم تكن قادرة على حساب نطاق قوتها، ولا ردود فعل الآخرين. على سبيل المثال، لم تعتقد أبداً أن الروس سيتدخلون وأن هذا التدخل سيكون دائماً. ولكن بصرف النظر عن هذه الحسابات الخاطئة، كانت هناك قضية هيكلية حقيقية يجب معالجتها: الهوس الكردي لأنقرة.
بالطبع، يدعي المسؤولون في أنقرة أنهم ليسوا ضد الأكراد وليس لديهم أي مشاكل مع حقوقهم الثقافية والسياسية، إنهم يقاتلون فقط ضد ما يسمونه منظمة إرهابية، وهي وحدات حماية الشعب الكردية.
ولكن عندما ننظر إلى الممارسات على أرض الواقع والتطبيق في تركيا، هناك تناقضات مع التصريحات الرسمية هذه. الكثير من التفاصيل يمكن أن نتحدث عنها، يمكن التساؤل ماذا لو لم تعالج أنقرة هذا الهوس، هل كان تدفق التاريخ في سوريا بأكملها سيكون مختلفاً؟. على سبيل المثال، لو كانت أنقرة تشجع أكثر المعارضة السورية في البداية على التعاون مع الأحزاب الكردية الأخرى غير تلك المرتبطة بحزب العمال الكردستاني؟ ماذا لو تمكنت أنقرة من التصرف في الوقت المحدد عندما هاجم داعش سنجار؟ لو لم يكن لدى أنقرة هذه القضية، فهل كانت ستتبع سياسة الموازنة بين روسيا والولايات المتحدة؟
حسناً، بعد عشر سنوات، لا يزال المستقبل وسياسة أنقرة يعتمدان على القضية الكردية. بعد هذه النقطة، إذا دخل النظام في اشتباكات مع المناطق الكردية، فماذا ستفعل تركيا مثلاً؟ بعد كل هذه المعارك بين النظام والمعارضة، كيف يمكن في المستقبل حماية المعارضة من النظام؟ هل ستتم حماية حقوقهم في إدارة مركزية أو لامركزية؟ إذا كانت تركيا ستطالب بالحكم الذاتي للمعارضة، فبماذا ستطالب للأكراد؟
بجانب كل ذلك، هناك مبدأ مهم مفقود، ماذا ستفعل مع اللاجئين؟ قللت أنقرة من شأن التحركات البشرية وسيكولوجيا اللجوء، وقد فات الأوان لتنفيذ سياسات الاندماج، ولا تزال تقوم بهذا الخطأ وتأمل في إنشاء نوع من المناطق الآمنة لهم.
لقد حان الوقت للتفكير مرة أخرى ووضع استراتيجية كبرى لسوريا، حتى لو أنها أصبحت متأخرة كثيراً.