كيماوي دوما إهانة للغرب
لا يمكن فهم هجوم الكيماوي الأخير في دوما، إلا على أنه تحدٍ ممزوج بالإهانة، لقوى الغرب. وإن كنا لسنا متأكدين بعد، من يقف وراء هذا التحدي، هل كان بقرار من الروس أنفسهم، أما كان تحركاً إيرانياً – أسدياً، بغاية قطع الطريق على اتفاق في الغوطة، إلا أن المؤشرات الأولية توحي بأن "الرد القاسي" الذي توعد به الروس، الأمريكيين، جراء حزمة العقوبات الأخيرة، كان في دوما، تحديداً.
فأن يقوم نظام الأسد بهجوم كيماوي ضخم، بعد أيام معدودة من الذكرى السنوية الأولى، لهجوم خان شيخون الكيماوي، الذي دفع إدارة ترامب إلى التحرك المحدود، في ضربة مطار الشعيرات، يعني ذلك، أن نظام الأسد، أو الروس والإيرانيين الذي يقفون خلفه، يريدون أن يقولوا للغرب، "أرونا أفضل ما عندكم".
هجوم الكيماوي في دوما، جاء في توقيت محرج وحساس بالنسبة لقيادات القوى الكبرى في الغرب. ففي واشنطن، التي يلح فيها الرئيس دونالد ترامب، على بدء الانسحاب من سوريا، بعد ستة أشهر، قبيل بدء الانتخابات التشريعية النصفية، يأتي الهجوم الكيماوي في دوما إحراجاً له، وهو الذي تحرك عاجلاً في سابقة خان شيخون، في العام الفائت. فـ ترامب اليوم، مشغول بصورة رئيسية في تحقيق إنجازات أمام الرأي العام الأمريكي، تثبت أنه يسير بجدية في تنفيذ وعوده الانتخابية، وفي مقدمتها، وعوده بالحد من التدخلات العسكرية الأمريكية خارج البلاد. ويشكل الهم الانتخابي، في خريف هذا العام، الشغل الشاغل، للجمهوريين، وللرئيس الأمريكي، وأيضاً، للديمقراطيين، بحيث تصبح أي خضة عسكرية، من قبيل المجازفات غير الحميدة.
وهكذا، يتم الهجوم الكيماوي في دوما، في مفصل زمني، يبدو فيه أن الأمريكيين أعجز من القيام بأي تحرك فعّال. وبالتالي، يمكن إحراجهم أمام حلفائهم، وأمام الرأي العام العالمي، والنيل أكثر من هيبتهم، بصورة تريح ساكن الكرملين، في موسكو، الذي يشعر دون شك، بامتعاض شديد جراء العقوبات التي طالت صهره والمقربين منه من رجال الأعمال الروس.
المستهدف الغربي الآخر، من هذا الهجوم، في ما يبدو، هم الفرنسيون، الذين بأدوا تحركاً نشطاً لملء فراغ أمريكي محتمل، شمال شرق سوريا، عبر تعزيز دعمهم للاتحاد الديمقراطي الكردي، وتوسيع مشاركتهم العسكرية في نشاطات "التحالف الدولي" الذي تقوده واشنطن، تحت عنوان "مكافحة داعش".
وفيما يبدو إيمانويل ماكرون، متحمساً لتوسيع نفوذ بلاده الخارجي، عبر المنفذ الذي أتاحه الأمريكيون له، في شمال شرق سوريا، يأتي الهجوم الكيماوي في دوما ليضع الرئيس الفرنسي، في حرج، وهو الذي تعهد بتوجيه ضربات عسكرية، إن حصل استخدام للكيماوي في سوريا.
بطبيعة الحال، فإن الإفلات من تبعات الهجوم الكيماوي في دوما، يسير على الطرفين الفرنسي والأمريكي، إن لم تتوفر الإرادة الغربية للمواجهة مع الروس، بغية لجمهم. وهو الامر المرجح، للأسف. فالفرنسيون، سبق أن اشترط رئيسهم دلائل مؤكدة، لأي استخدام للكيماوي، وهو شرط يمكن تمييعه بسهولة. أما الأمريكيون، فهم قادرون على حفظ ماء الوجه بضربة محدودة لقاعدة هامشية على أطراف البادية السورية، في أحسن الأحوال، أو اللجوء إلى مجلس الأمن، في مماطلة دبلوماسية، يعلمون تماماً أنها ستُجهض من روسيا، في أسوأ الأحوال.
لكن، على المدى البعيد، يمثل هجوم الكيماوي في دوما، تهشيماً جديداً لهيبة الغرب، ونفوذه، وثقة حلفائه الإقليميين والمحليين (السوريين) به. إلا إن تحرك هذا الغرب، الممثل بقواه الكبرى، في مقدمتها، الولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ عملية ردع نوعية ضد الروس، تكفل وقف كرة ثلج تماديهم، التي وصلت إلى حد تنفيذ هجمة كيماوية في عقر دار الغرب نفسه، في لندن (في محاولة اغتيال الجاسوس الروسي المزدوج).