التراكض لنهش سوريا
بين آخر الاخبار الواردة من كواليس نظام الأسد، ان الجهود تتواصل في دمشق نحو عقد مؤتمر حول إعادة اعمار سوريا، وان المؤتمر يمكن ان ينعقد في أيلول، سبتمبر، الحالي، وسيحضره ممثلون عن دول ومؤسسات استثمارية وشخصيات اقتصادية وسياسية، ولايحتاج الى تأكيد ان اغلب هؤلاء من حلفاء وأصدقاء نظام الأسد، والبقية ممن يسعون الى الانخراط معه في علاقات جديدة، وهذا يعني ان روسيا وايران والصين والعراق ولبنان وشركات وشخصيات منها ومقربين غيرهم من النظام مدرجون في أعلى قائمة المدعوين.
الفكرة ذاتها تبدو غريبة، وغرابتها مستمدة من واقع ان تدمير سوريا مازال مستمراً، فيما يسعى النظام وحلفاؤه الى إعادة الاعمار، حيث من الصعب السير في اتجاه وضده في آن معاً. وهذا إلتباس أول، والثاني أساسه تناقض في فكرة قيام من دمر سوريا بإعادة اعمارها من دون حصول أي تغيير في تركيبتها السياسية او الاقتصادية والأمنية، بل انه لاتبديل في سياسته وممارساته في القتل والتهجير والتدمير، انما إمعان فيها، واحساس باقتراب النصر او الدخول فيه. اما ثالث الالتباسات، فأساسه، ان غالبية السوريين لاجئون ومهجرون منهم أكثر من خمسة ملايين ونحو ضعف هؤلاء مشردون خارج بيوتهم في سوريا، وقسم كبير من السوريين وممتلكاتهم تحت نار النظام وحلفائه وتحت نيران الجماعات الإرهابية المسلحة ونيران من هب ودب وبينهم التحالف الدولي عدا العصابات المسلحة التي يقودها امراء ومرتزقة الحرب.
ورغم الإشكالات الحقيقية، التي تحيط بفكرة إعادة اعمار سوريا بمعناها وبظروفها الراهنة، فان العملية محاطة بحيثيات، لايمكن ان توفر فرصة لاعادة الاعمار. ذلك ان النظام اعطى ميزات ومزايا مسبقة لبعض الدول الحليفة، وقد تسربت في السنوات الماضية تفاصيل عن اتفاقات تم توقيعها بين النظام وكل من روسيا وايران ومنها اتفاق استثمار النفط والغاز لروسيا، واتفاق آخر يخص شبكات الخليوي للحرس الثوري الإيراني، وهو ما يترافق مع سعي النظام الى تقديم عقود إعادة الاعمار باعتبارها رشاوى لدول وجماعات وشخصيات، وقد تواترت في الفترة الأخيرة معلومات عن مداولات سورية – لبنانية لتلزيم مؤسسات وشخصيات لبنانية مشاريع اعمارية سورية مثل مشاريع البنى التحتية بهدف دفع لبنان للعودة الى الحضن السوري، وعودة النفوذ السوري الى دائرة القرار اللبناني السياسي والأمني، بما يتجاوز واقع العلاقات السورية- اللبنانية، التي اهتزت وتغيرت بعض ملامحها في السنوات السبع الماضية، كما ترددت اخبار عن سعي النظام لجلب مستثمرين سوريين في الخارج لرشوتهم وشراء ولائهم للنظام بمن فيهم شخصيات أبدت اعتراضها او معارضتها لسياسات نظام الأسد، وتقدر أموال السوريين في الخارج بما يزيد عن مائتي مليار دولار.
ولايمكن تجاوز نقطة مهمة في موضوع إعادة الاعمار، كما هي مطروحة، وهي المتصلة بأركان النظام ومايملكونه من رأس مال، يمكن ان يستثمرونه كلياً او جزئياً في تلك العملية بظروفها ومواصفاتها، ويقدر ما تملكه عائلة الأسد وحدها بمبلغ يزيد عن مائتي مليار دولار، يديرها رامي مخلوف الوجه الاقتصادي للعائلة، مستغلاً تأثيره المباشر داخل السلطة من جهة ومعرفته العميقة بكل التفاصيل والمعطيات المحيطة بالواقع السوري، وهي مزايا يتمتع بها اركان من عائلات النظام، كونت رأسمالاً كبيراً ولاسيما في السنوات الأخيرة من الاقتصاد الأسود السائد في سوريا.
ان عملية إعادة اعمار سوريا بالشروط القائمة، وبالاهداف السياسية، التي يطرحها النظام وحلفائه، لايمكن ان تكون إعادة اعمار بالمعنى الحقيقي. خاصة اذا غابت عنها المؤسسات الدولية المعنية بهذا الملف وما لديها من خبرات وتجارب، وكذلك دول ذات وزن في مثل هذه العملية مثل الولايات المتحدة والدول الاوروبية الرئيسية ودول الخليج العربية، التي لايمكن ان تدخل عملية إعادة اعمار مفصلة على قياس نظام الأسد بطبيعته وسياساته المعروفة، والتي لاتتجاوز التراكض لنهش ماتبقى من قدرات سوريا والسوريين.