سورية..هل تنقذها العاصفة؟

فواز حداد
السبت   2015/04/18

لا تكف الاخبار عن التوارد عن معارك حلب، حي اليرموك، دراما الانهيار المتدرج لليرة السورية، بدء تدريب متطوعين سوريين في تركيا تحت اشراف خبراء امريكان... هذه النوعية من الأخبار لم تخرج عن الطابع الذي حظيت به سورية منذ بداية الثورة تقريبا. أضاف إليها مفتي الجمهورية فتوى جهنمية أفتى فيها بتدمير كامل مناطق المعارضة في حلب، اعقبها شن مئة غارة أسفرت عن مقتل مئة شخص. عدا ذلك لا جديد في الحرب القائمة، أو التدهور الاقتصادي، ومماطلات مساعدة الثورة بالسلاح، أو عملية التدريب في طبعتها الأخيرة التي تأخرت كثيراُ، وحددت بمنع المتطوعين ـ هذا إذا حصل التدريب ـ عن الدخول في معارك مع جيش النظام، فقط مقاتلة تنظيم الدولة، وهكذا يبقى احتمال حماية المدنيين من قصف النظام غير وارد على الاطلاق، فالمهمة محدودة.  

في معرض الأخبار التي لا تنشر، والتي باتت معروفة ولا خلاف عليها، أن إيران وروسيا تحاولان ابقاء النظام يقاتل إلى حد عدم السقوط، حتى الرمق ما قبل الأخير، أي إلى ما قبل الرحيل، فالقتال للقتال ولا آفاق له، بين مد وجزر، ما يكسبه اليوم في منطقة يخسر مثله في منطقة أخرى. يتجاهل النظام أمراً أساسياً هو أنه حل الوقت أكثر من مرة، ومنذ سنوات لإنهاء حرب، الخاسر الوحيد فيها هو الشعب السوري، وإذا كان هناك من سيربح في النهاية فهو الشعب السوري، وبدلا من إيقاف امتداد الخراب، يستمر في المكابرة والعجرفة، ولا تكف أبواقه عن اعلان الانتصارات وكيل الاتهامات. ولقد أثبت منتدى موسكو 2 لتبادل الآراء أنه لا مجال لتبادل الآراء الا على النمط المخابراتي، وما يصر عليه النظام هو الرضوخ الكامل حتى من المعارضة اللطيفة، بدلاً من ابداء بعض المرونة الكاذبة ذرا للرماد في العيون. عسى الذين يعولون عليه أدركوا ألا جدوى من الحوار معه، الحوار المجدي الوحيد هو مع الإيرانيين والروس الذين يعرفون أنها حرب لن تنتهي بانتصاره، لكنهما مقيدان بمصالحهما.

المعركة الدائرة لم تتغير على الرغم من "داعش" و"النصرة"، مازالت تدور في جوهرها بين الحرية والطغيان. النظام يرفض إيقاف الحرب لسبب بسيط، فهو يقاتل بجنود سيقوا الى الحرب رغما عنهم، ومعهم الذين استقدموا من العراق ولبنان وإيران وأفغانستان تحت شعارات مذهبية تحث على الموت طمعاً بالجنة.

في ظل هذه الأجواء، أو ما يشابهها، هبت "عاصفة الحزم"، وأحرزت تقدماً حربيا وسياسياً في اليمن، يبدو نجاحه ملموساً على صعيد الهذيان الإيراني الإنساني الذي يخشى على مصير اليمنيين، لكنه مصاب بتبلد الإحساس تجاه قصف المدنيين في حلب وتجويع أهالي المخيم، وقتل مئات آلاف السوريين. السياسة عديمة القلب والوجدان، وما تذرفه من دموع، تفوق دموع التماسيح. ولنتذكر أن إيران شجعت، إن لم يكن ابتكرت ميليشيات طائفية للقتل والتدمير، كانت أحد عوامل شرخ المجتمع السوري على أساس الأديان والمذاهب.

تتجه الأنظار نحو "عاصفة الحزم"، فالعرب تحت الخطر المحدق بهم، تحركوا وإن متأخرين، فاذا استطاعوا انقاذ اليمن بوضعها على سكة الحوار العادل، ويحسنون صنعاً بعدم ربط قراراتهم بالصديق الأمريكي، لئلا يلدغوا من الجحر نفسه، كما حدث عشرات المرات، حليف لا يوثق به، كل ما يهمه من العرب أن يكونوا تحت التهديد، ضعفاء ومتلاعباً بهم.

هل نأمل بأن يكون خط سير العاصفة نحو سورية، الضغط سياسيا او على الأرض، أو بزيادة كمية السلاح، ما يشكل عاملا مؤثرا، مضاداً للاعبين الوحيدين إيران وروسيا، بهدف اجبار النظام على وقف إطلاق النار والجلوس على طاولة المفاوضات، بغية إنقاذ ما تبقى من سورية؟

يتاجر الموالون بتخوين من يطلب التدخل الأجنبي، لكن "عاصفة الحزم" تدخل عربي، هذا لمن يؤمن بالتضامن العربي. أليس ما يجوز في اليمن، يجوز في سورية؟ لا ينكر الموالون الوجود المقيت لإيران المتدثرة بالدين والممانعة وروسيا البراغماتية، ويحبذون تدخلهم الذي عاد بالكوارث على السوريين. ومهما يكن، هذا الكثير أو القليل جدا من التدخل العربي، يبدو في السنة الخامسة ضرورياً للحفاظ على النوع السوري من الانقراض؛ فالكيماوي يطل برأسه من يوم لآخر.  

لم يعد للقضية السورية سوى مناشدة العرب لا العالم للتدخل، العالم خذلهم. طلبات السوريين أمست متواضعة جداً، ليس اسقاط النظام، ولا محاكمة القتلة، ولا احقاق الحق. بات طلب العيش وعودة النازحين إلى أراضيهم وبيوتهم ودفن موتاهم، وقدر معقول من الحرية، أي ألا ينتزع المواطن من فراشه بموجب تقرير كيدي لأنه شتم الرئيس، حتى لو كان صحيحا، هذا أقصى ما يأملونه. مأساتهم أن الخونة للقيم الإنسانية تحالفوا ضدهم.