لا حلول... الكوابيس مستمرة
بعبارة واحدة: العالم عاجز. ليس لأنه لا يستطيع إجبار النظام على الجلوس على مائدة المفاوضات أو العودة إلى جنيف، بل لأنه لا يريد توريط نفسه في أي حلّ، يرغب في أن تأتي الحلول هبة من الأمر الواقع. أما الآن فالأمر الواقع يحقق للدول المعنية سواء التي مع النظام أو ضده، أهدافاً تتجاوز المتقاتلين أنفسهم إلى استنزاف الذين يساندون النظام، على حساب الشعب السوري. وفي حال جرت تحولات على الأرض، فلا بأس من تعديل مواقفه بإخراج ملائم. فالتحرّكات الدولية عبارة عن تمثيليات تتجاوز الفصول الثلاثة المعتادة للمسرحيات النموذجية. الحقيقة ليست غائبة، المشكلة في ظهورها الفاقع والجارح، مع أن العمل على تشويهها لم يتوقف، وحرف الأنظار عنها بات الشغل الشاغل للأطراف الدولية الوالغة فيها، لكنها تزعم الحياد والتمسك بالحلول السياسية، ما يمنح التماهل واللامبالاة أسباباً إنسانية لا تساعد على إيقاف الاقتتال، أما التذرّع بالإرهاب فذريعة للتعامي عن القتل.
لم يختلف ما حدث في الانتخابات عما كان متوقعاً، ولم تفاجئ النتائج أحداً، وإن تحجّج الكثيرون بأن الاحتفالات الديمقراطية كانت مفاجأة. فجّر الفوز فرحة عارمة واحتفالات صاخبة على سوية الحرب الدائرة، سقط فيها نحو عشرين قتيلاً وعشرات الجرحى، سقطوا بنيران المبتهجين... الأفراح مكلفة أيضاً.
صوّت المؤيدون في الانتخابات مع المجبرين والمضطرين، وكان معهم الكثير من الأهالي الذين أصابتهم الحرب بموت أفراد من عائلاتهم، أو هدمت بيوتهم، ربما أعفتهم المشاركة من قتلى جدد ودمار أكبر. باركت الصحافة الانتخابات، وأثنت على جرأتها الديمقراطية، فقد جرت تحت رقابة دول على رأسها روسيا وايران وكوريا الشمالية، وما منحها المصداقية، إشراف الأجهزة الأمنية، ما أسبغ عليها الأمان، إضافة إلى طلعات الطيران فوق المراكز الانتخابية حماية للمقترعين من الهاونات.
هنك من يزعم أن دمشق تؤيد النظام، لا حاجة إلى برهان، أن لا أحد مقيم في العاصمة مُخيّر، كل شيء يتم بموجب الأوامر، دهن أغلاق المحلات بالعلم السورى، حملات تأييد الرئيس، المشاركة في الانتخابات والتصويت. لا تلوموا الناس، إنهم في معسكر اعتقال كبير، تشطره الحواجز، ويهيمن عليه الشبيحة وأشباههم. كما لا جدوى من النقد والسخرية، أو الشكوى وصبّ اللعنات على الدول الصديقة والعدوة، أو التلويح بالضحايا، والتذكير بما لا ينسى. كل هذا عود على بدء.
بالنسبة إلى الدول التي انتقدت الانتخابات، أشارت الصحافة الغربية إلى الشعبية التي يتمتع بها الرئيس الفائز، فالشعب خرج على الرغم من دعوات المعارضة وتهديدات المسلحين بعدم المشاركة، المعنى أن الغرب لم يخطئ في عدم التدخل لإيجاد حلّ للأزمة السورية، الأزمة عدا أنها معقدة، هي مستنقع، ثم أن نصف الشعب يؤيد رئيسه، والآقليات إلى جانبه، والجيش في صفّه، ويمكن الوثوق به في محاربة الإرهاب. السنوات الثلاث والنصف غير كافية لحل سحري. أما مسألة الضحايا المدنيين، فالحرب لا تستثني أحداً، وبالنسبة للنزوح، فالمساعدات الإنسانية كفيلة بهم.
مهزلة الانتخابات، والنظر إليها على هذا المستوى من رجاحة العقل، فاجعة أخرى تضاف إلى مآسي السوريين، لا تفيد إلا في إضاعة الوقت الثمين. فالنظام يمارس تمثيلياته التي لا تقنع أحداً، لا القريبين ولا البعيدين، ولا حتى المحتفلين، الذين لا يتورّعون عن شيء في سبيل إنقاذ النظام، كأنها لعبة شطارة، وسرقة وقت إضافي لإتمام المهمّة، وهاهم يربحون. دون النظر إلى الخسارة الكبرى: الوطن والبشر، وهذا المجتمع المسحوق بنكبة طائفية.
لو فكر النظام بعدم المراهنة على روسيا وإيران وحزب الله والميليشيات العراقية، كذلك المعارضة بعدم المراهنة على المواقف الأوروبية والأمريكية والعربية المتردّدة. وحاول كلاهما المراهنة على الشعب السوري، الذي هو ليس مادة للتوريث ولا قابلاً للتملك. وفكروا في أنهم مجرد وكلاء متواضعون في التعبير عن إرادته في العيش بسلام، فالحلّ ليس مستحيلاً، بل أقرب مما نتصوّر، لكن هل تتجرأ الأطراف على التفكير على هذا النحو؟ يبدو أننا في مجال الأحلام، الأكثر تبدّداً، إذ بمجرّد ما نصحو منها تتلاشى، غير أن الأحلام العظيمة لم تتحقق إلا لأنها مستحيلة.
الأمل بحياة كريمة مستحيل، لكن ربما ذلل الخراب السوري هذا الاستعصاء.عادة نحلم عند انسداد الحلول... وها نحن نواجهها.
غير أن ما زلنا في طور الكوابيس.