نحن الجيل العالق
عندما كنّا أطفالًا، كانت أحلامنا بسيطة. كنا نتطلع إلى اليوم الذي نصبح فيه كباراً، نحلم بالاستقلالية وتحقيق كل ما نرغب فيه. تخيلنا أن الحياة ستكون أسهل عندما نحصل على المال، نشتري ما نريده، ونصبح ما تخيلناه. لكننا كبرنا لنكتشف الواقع.
نحن جيل لبناني يعيش في وطن تكالبت عليه الأزمات، وكأن الحياة قررت أن تختبرنا بلا هوادة. منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي دمرت كل ما كان يمكن أن يقف في طريقها، مروراً بانفجار 4 آب الذي هزّ بيروت وأحلام شبابها، وصولاً إلى الخوف المستمر من اندلاع حرب جديدة، نجد أنفسنا عالقين في دوامة. هذه الأزمات جعلت التقدم في العمر وتحمل مسؤوليات الرشد، مهمة مرهقة للغاية، تفوق في صعوبتها كل ما كنا نتوقعه، حتى وجدنا أنفسنا نتمنى لو كان بإمكاننا العودة إلى تلك الأيام البريئة، حين كانت الدراسة أكبر همومنا.
أتساءل دوماً: "هل هذا الشعور بالقلق والخوف والإحباط، هو مجرد شعور فردي، أم أنه مشترك بين الشباب اللبناني؟ هل نحن وحدنا الذين نعيش هذا الصراع، أم أن شباب العالم كله يعانون الأزمات نفسها؟".
عندما بدأنا السعي إلى تحقيق أهدافنا وإثبات أننا جيل قادر على التغيير، صُدمنا بواقع لا يرحم: الدولار يرتفع بشكل جنوني حتى أصبح بمئة ألف ليرة، لا قروض إسكانية، لا أموال متاحة، ولا فرص عمل تضمن لنا رواتب تليق بجهودنا وطموحاتنا. حتى فكرة الاغتراب التي كانت تعتبر ملاذاً لكثير من الشباب، لم تعد حلاً. فرواتب اللبنانيين في الخارج أصبحت أشبه بالصَّدَقة.
نحن جيل وُلد في مستنقع من الوحل. كلما حاولنا الخروج منه، وجدنا أنفسنا مجبرين على مواجهة عقبات جديدة تسحبنا إلى أعماق أبعد. رغم ذلك، ما زلنا نحاول الصمود والتمسك بأمل صغير، لنستمر. نعيش في واقع قاسٍ، مليء بالتحديات والمصاعب التي تحاول بكل قوتها القضاء على طموحاتنا وآمالنا.
كان يفترض بهذه السنوات أن تشكل أجمل مراحل حياتنا، تلك المرحلة التي نمتلئ فيها بالطاقة والحيوية، نندفع نحو تحقيق أحلامنا وبناء مستقبلنا. في بلد "مثالي"، كنا لنبدو الآن في أوج عطائنا، نستمتع بلحظات مليئة بالفرح، نكتشف العالم، نحب، نخطط، ونعمل من أجل مستقبل مشرق.
لكننا، اليوم، بدلاً من التركيز على تطوير أنفسنا وبناء حياتنا، نكافح يومياً لمجرد البقاء على قيد الحياة. سرقت منا الأزمات تلك اللحظات التي انتظرناها بشغف، وجعلتنا نعيش في حالة دائمة من الاضطهاد النفسي. نتساءل كل يوم: ماذا يخبئ لنا الغد؟
رغم كل شيء، نحاول كشباب أن نعيش حياتنا بما يناسب سنّنا، ولو فرضت علينا الظروف عكس ذلك. نحاول أن نتجاهل ما يعكر صفو حياتنا، أن نتمسك بلحظات قليلة من الفرح والسعادة، ولو كانت عابرة. لماذا نُهاجَم إذا خرجنا لننسى همومنا، أو رقصنا لنُسقط عن كاهلنا ثقل الأزمات المتلاحقة، أو سهرنا لنشعر ولو للحظات أننا ما زلنا أحياء؟
نعم، نسهر وسط الأزمات، ليس لأننا جيل يبحث عن المتعة الفارغة، بل لأننا نحاول بكل السبل المتاحة ألّا نستسلم لهذا الواقع الذي يسعى إلى كسرنا. الخروج بالنسبة إلينا ليس مجرد ترفيه، بل هو وسيلة للبقاء، للصمود. إنه طريقتنا في التمسك بالحياة، في مقاومة اليأس والإحباط. نحاول بكل الطرق الممكنة أن نخلق لحظات من الفرح، لنثبت لأنفسنا أن الحياة ما زالت تستحق أن نعيشها، وإن كانت قاسية.
الأصعب أننا عالقون في بحر من المجهول، ولا نعرف ما علينا فعله. نقف على حافة هاوية، أي خطوة قد تؤدي إلى السقوط. لا نعرف حلاً، يحيطنا الغموض، وكل شيء يبدو ضائعاً ومبهماً.
نحن الشباب لسنا بخير، ولا حاجة لنا أن ندّعي أننا بخير. نعيش أسوأ مرحلة في حياتنا، جعلتنا لا نعرف من أين نبدأ الكلام وأين ننهيه. ولا حاجة لنا أن نقول بصوت خافت إننا أقوياء ولا شيء يكسرنا، بينما نحن بالكاد نقف على أقدامنا. لا حاجة للتظاهر بالمثالية ونحن نتألم بكل قوة. كلنا في القارب نفسه، ننزلق إلى حتمية جماعية، ولا أحد منا سينجو بسهولة.
نحن جيل لبناني يعيش في وطن تكالبت عليه الأزمات، وكأن الحياة قررت أن تختبرنا بلا هوادة. منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي دمرت كل ما كان يمكن أن يقف في طريقها، مروراً بانفجار 4 آب الذي هزّ بيروت وأحلام شبابها، وصولاً إلى الخوف المستمر من اندلاع حرب جديدة، نجد أنفسنا عالقين في دوامة. هذه الأزمات جعلت التقدم في العمر وتحمل مسؤوليات الرشد، مهمة مرهقة للغاية، تفوق في صعوبتها كل ما كنا نتوقعه، حتى وجدنا أنفسنا نتمنى لو كان بإمكاننا العودة إلى تلك الأيام البريئة، حين كانت الدراسة أكبر همومنا.
أتساءل دوماً: "هل هذا الشعور بالقلق والخوف والإحباط، هو مجرد شعور فردي، أم أنه مشترك بين الشباب اللبناني؟ هل نحن وحدنا الذين نعيش هذا الصراع، أم أن شباب العالم كله يعانون الأزمات نفسها؟".
عندما بدأنا السعي إلى تحقيق أهدافنا وإثبات أننا جيل قادر على التغيير، صُدمنا بواقع لا يرحم: الدولار يرتفع بشكل جنوني حتى أصبح بمئة ألف ليرة، لا قروض إسكانية، لا أموال متاحة، ولا فرص عمل تضمن لنا رواتب تليق بجهودنا وطموحاتنا. حتى فكرة الاغتراب التي كانت تعتبر ملاذاً لكثير من الشباب، لم تعد حلاً. فرواتب اللبنانيين في الخارج أصبحت أشبه بالصَّدَقة.
نحن جيل وُلد في مستنقع من الوحل. كلما حاولنا الخروج منه، وجدنا أنفسنا مجبرين على مواجهة عقبات جديدة تسحبنا إلى أعماق أبعد. رغم ذلك، ما زلنا نحاول الصمود والتمسك بأمل صغير، لنستمر. نعيش في واقع قاسٍ، مليء بالتحديات والمصاعب التي تحاول بكل قوتها القضاء على طموحاتنا وآمالنا.
كان يفترض بهذه السنوات أن تشكل أجمل مراحل حياتنا، تلك المرحلة التي نمتلئ فيها بالطاقة والحيوية، نندفع نحو تحقيق أحلامنا وبناء مستقبلنا. في بلد "مثالي"، كنا لنبدو الآن في أوج عطائنا، نستمتع بلحظات مليئة بالفرح، نكتشف العالم، نحب، نخطط، ونعمل من أجل مستقبل مشرق.
لكننا، اليوم، بدلاً من التركيز على تطوير أنفسنا وبناء حياتنا، نكافح يومياً لمجرد البقاء على قيد الحياة. سرقت منا الأزمات تلك اللحظات التي انتظرناها بشغف، وجعلتنا نعيش في حالة دائمة من الاضطهاد النفسي. نتساءل كل يوم: ماذا يخبئ لنا الغد؟
رغم كل شيء، نحاول كشباب أن نعيش حياتنا بما يناسب سنّنا، ولو فرضت علينا الظروف عكس ذلك. نحاول أن نتجاهل ما يعكر صفو حياتنا، أن نتمسك بلحظات قليلة من الفرح والسعادة، ولو كانت عابرة. لماذا نُهاجَم إذا خرجنا لننسى همومنا، أو رقصنا لنُسقط عن كاهلنا ثقل الأزمات المتلاحقة، أو سهرنا لنشعر ولو للحظات أننا ما زلنا أحياء؟
نعم، نسهر وسط الأزمات، ليس لأننا جيل يبحث عن المتعة الفارغة، بل لأننا نحاول بكل السبل المتاحة ألّا نستسلم لهذا الواقع الذي يسعى إلى كسرنا. الخروج بالنسبة إلينا ليس مجرد ترفيه، بل هو وسيلة للبقاء، للصمود. إنه طريقتنا في التمسك بالحياة، في مقاومة اليأس والإحباط. نحاول بكل الطرق الممكنة أن نخلق لحظات من الفرح، لنثبت لأنفسنا أن الحياة ما زالت تستحق أن نعيشها، وإن كانت قاسية.
الأصعب أننا عالقون في بحر من المجهول، ولا نعرف ما علينا فعله. نقف على حافة هاوية، أي خطوة قد تؤدي إلى السقوط. لا نعرف حلاً، يحيطنا الغموض، وكل شيء يبدو ضائعاً ومبهماً.
نحن الشباب لسنا بخير، ولا حاجة لنا أن ندّعي أننا بخير. نعيش أسوأ مرحلة في حياتنا، جعلتنا لا نعرف من أين نبدأ الكلام وأين ننهيه. ولا حاجة لنا أن نقول بصوت خافت إننا أقوياء ولا شيء يكسرنا، بينما نحن بالكاد نقف على أقدامنا. لا حاجة للتظاهر بالمثالية ونحن نتألم بكل قوة. كلنا في القارب نفسه، ننزلق إلى حتمية جماعية، ولا أحد منا سينجو بسهولة.