خالد العبود خارج مجلس الشعب...حجم التغيير في سوريا الأسد

وليد بركسية
الجمعة   2024/07/12
خالد العبود وبشار الأسد في مجلس الشعب
يظهر استبعاد النائب في مجلس الشعب السوري خالد العبود من لوائح "الوحدة الوطنية" التي يشرف عليها حزب "البعث" الحاكم، أن التصفيق وحده لا يكفي من أجل نيل الرضا في بلد تشكل فيه كافة الوجوه الناشطة في المجال السياسي والإعلامي، مجرد ديكورات قابلة للاستبدال عند انتهاء الدور المطلوب منها، بشكل يوفر للنظام مدخلاً للحديث عن التجديد والتنوع والشفافية وغيرها من الأكاذيب التي تسند الدعاية الرسمية المروجة لفكرة وجود الديموقراطية في سوريا.

وشهدت "لائحة الوحدة الوطنية" في محافظة درعا التي أعلنها حزب "البعث" الحاكم، ونقلتها وسائل إعلام محلية، تكراراً بنسبة 62% مقارنة بالعام 2020، مع تغييرات قليلة أبرزها التخلي عن العبود، أحد أبرز المدافعين عن النظام السوري عبر الشاشات المحلية والعربية في السنوات الأخيرة. علماً أن بقية اللوائح التي يشرف عليها "البعث" في مختلف المحافظات شهدت تغييرات بسيطة جداً، هنا أو هناك، ركز عليها الإعلام الموالي، الرسمي وشبه الرسمي، للقول بوجود تغيير حقيقي وجذري يحصل في البلاد التي تواجه، كما هو الحال في كل موسم انتخابي، "لحظة مصيرية" تستدعي الاستنفار!

والعبود (61 عاماً) هو أفضل مثال عن معنى التغيير السياسي في سوريا الأسد الذي لا يمس نواة النظام الأساسية بل يطاول فقط شخصيات هامشية معدومة الوزن السياسي. فهو عضو مجلس الشعب منذ العام 2008 عن "حزب الوحدويين الاشتراكيين" المنضوي تحت أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" التي شكلها الرئيس السابق حافظ الأسد العام 1972 كطريقة لقتل الحياة السياسية والحزبية نهائياً في سوريا، عبر عقد تحالف مع الأحزاب الموجودة والسيطرة عليها، وهو ما يبرز في بيان نشره العبود شخصياً في "فايسبوك" لإعلان انسحابه من السياق الانتخابي.



وتم تعيين العبود في منصب أمين سر مجلس الشعب، علماً انه مشروع مهندس ترك دراسته الجامعية و"تفرغ للعمل الفكري". واشتهر بعد الثورة السورية بنظرية المربعات والمثلثات، وكلامه الشعبوي غير المترابط وغير المفهوم عند حديثه عن الجيش السوري والقيادة السياسية، إضافة إلى رسالته الشهيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام 2020 حذره فيها من غضب نظيره السوري بشار الأسد، في فترة كانت تشهد تحليلات إعلامية حول استياء في موسكو من الأسد شخصياً بوصفه عقبة في طريق أي حل سياسي للأزمة المتجمدة في البلاد.

ويفترض في مجلس الشعب أن يكون الجهاز التشريعي في البلاد الذي يحاسب الحكومة. لكن الانتخابات التشريعية في البلاد تبقى صورية حيث يتم تعيين أفراد المجلس تعييناً، وامتلأت قبة البرلمان في الانتخابات الأخيرة بقادة الميليشيات التي قاتلت إلى جانب النظام السوري، إلى حد إطلاق لقب "مجلس الحرب" على البرلمان. وشهد المجلس في الأشهر الأخيرة، قليلاً من الدراما مع رفع الحصانة عن نواب وملاحقة آخرين، فيما فرض "حزب البعث" عقوبات غير مسبوقة مجموعة من نوابه منعهم بموجبها من الترشح للانتخابات الجديدة، من بينهم نقيب الفنانين محسن غازي، بتهمة "عدم القدرة على رفع وعيهم العقائدي، التنظيمي، والسياسي".

ومنذ العام 2011 اكتسبت الانتخابات التشريعية أهمية كبيرة لدى النظام السوري إعلامياً، مع تشجيع السوريين على الانتخاب وربط  الانتماء الوطني بالانتخابات: "إن لم تشارك في الانتخابات فأنت خائن وتحقق رغبات أعداء سوريا"، لتصبح "المشاركة هي الغاية، أما النتيجة فثانوية"، لأن الانتخابات مهما كانت ظروفها "هي تأكيد على هيكلية مؤسساتية ما زالت قائمة في النظام"، وكلها كلمات تتكرر في الإعلام السوري اليوم.

وعليه، دعت صحيفة "الثورة" الحكومية السوريين للتصويت بكثافة في 15 تموز/يوليو الجاري "لأن صوتك أمانة" وقالت في مقال آخر أن الانتخابات هذه المرة "استثنائية" وتشكل "بداية لقفزة نوعية" و"الجواب النهائي على عزم السوريين في المضي نحو الاستقرار، وتحقيق الانتصار على الرغم من الظروف الاقتصادية القاسية، والتطلع نحو إعادة البريق إلى مختلف مرافق الحياة".

وكتبت صحيفة "تشرين" افتتاحية عن أهمية مجلس الشعب والعضوية فيه، وكأن الحديث يجري عن الانتخابات الفرنسية المفاجئة التي شهدت أكبر نسبة تصويت في البلاد منذ أكثر من 40 عاماً، مع تشكيل جبهة جمهورية من أجل التصدي لليمين المتطرف الذي يشكل خطراً على الديموقراطية. ومن يقرأ تهويل الإعلام السوري الرسمي لانتخابات مجلس الشعب قد يعتقد أن حدثاً مماثلاً يجري من مقدار التهويل عند الحديث عن أهمية ومعنى المشاركة في الانتخابات، بالتصويت والترشيح، على حد سواء، رغم أن الواقع مختلف جذرياً لأن البلاد فاقدة لمعنى تداول السلطة منذ ستينيات القرن الماضي، ولا توجد فيها أي أسس للديموقراطية والشفافية أصلاً.

هذا التعاطي الإعلامي الجدي لا يعبّر عن استهزاء بعقول السوريين فقط، بل قد يعبّر عن معنى العزلة التي تعيشها البلاد على كافة المستويات منذ عقود بما في ذلك الجانب السياسي. ويصبح مقدمو الدعاية والعاملون في الإعلام الرسمي ضمن هذا الإطار مصدقين لمعنى الديموقراطية التي يتحدثون عن وجودها في البلاد، ويعتقدون أن إيصالهم للصورة الشعبية التي تحتفي بالانتخابات كحدث وطني، جزء من عملهم في نقل الحقيقة والواقع، من دون أن يكونوا قادرين على ملامسة التفاهة التي يتحدثون عنها، على اعتبار أن الديموقراطية نفسها لا يمكن أن تتوافر في دولة شمولية مثل سوريا الأسد.

لكن الديموقراطية تجذرت بعد الثورة السورية ضمن أدبيات النظام، وتحولت إلى علامة تجارية يلوح بها في وجه العالم ووجه شعبه، ولم يكن النظام يبالي بالحديث عنها أصلاً قبل ذلك، مقابل الحديث عن الاستقرار والأمن والأمان مع تصدير صورة للمحبة الشعبية الجارفة للنظام ورموزه، لا أكثر. لكن ذلك نُسف كلياً بعد الثورة التي طالبت بالإصلاح السياسي وبالديموقراطية ومزيد من الحريات والتغيير الحقيقي، ما خلق حاجة لدى النظام، إعلامياً ودبلوماسياً، للحديث عن "الديموقراطية الحقيقية" في وجه "الديموقراطية المزيفة"، إلى درجة قال معها وزير الخارجية فيصل المقداد العام 2021 تزامناً مع الانتخابات الرئاسية حينها، إن الانتخابات السورية أفضل من نظيرتها "المهزلة" في الولايات المتحدة حسب تعبيره.

طبعاً، يبدو المشهد ككل أشبه بسيرك خارج عن السيطرة، لكن تلك الفوضوية تبقى مألوفة لكل سوري، عاش في ظل حكم "البعث" للبلاد منذ ستينيات القرن الماضي، مع تحول الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى مواسم قسرية من أجل تجديد البيعة والولاء عبر "إظهار الصورة الحضارية لسوريا" التي تمتلك "الديموقراطية الحقيقية" لا "الديموقراطية المزيفة التي تخدع بها الدول الغربية مواطنيها" حسبما كتبت صحيفة "البعث"، علماً أن هذا الضخ الإعلامي قد يكون مضللاً لمن لا يعرف عن سوريا شيئاً، وهو المطلوب ربما من هذه النوعية من الدعاية التي لا ينحصر بثها باللغة العربية بل تنقل مترجمة للانجليزية في مواقع التواصل أيضاً.

وإن كانت بعض الدول الغربية التي عانت مشاكل تخص العزوف عن المشاركة في الانتخابات بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة، تشهد نقاشات حول معنى التصويت بين كونه حقاً يكفله السيستم الديموقراطي للأفراد أم واجباً يجب على الأفراد القيام به لحماية ذلك السيستم، فإن ذلك كله يختفي في سوريا الأسد بطبيعة الحال، وتنصب الدعوات على السوريين من كل اتجاه من أجل إظهار مشاركتهم علناً في "العرس الوطني الكبير" كطريقة لخلق الوهم وتصديقه وتكراره مرة بعد مرة.

ولا يعتبر ذلك عبثياً كما أنه لا يقتصر على سوريا بل يمتد إلى العديد من الدول الشمولية الأخرى التي تحرص على تقديم نفسها بصورة ديموقراطية، مثل إيران. ويعبّر ذلك عن ازدواجية تخص مسألة الشرعية لا تعترف بها الأنظمة الشمولية علناً رغم إدراكها لها: فمن جهة هنالك إدراك بلا شك إلى أن النظام السوري بحد نفسه هو نظام شمولي، ومن جهة ثانية هنالك إدراك إلى أن الديموقراطية حاجة ملحة يتطلع إليها جميع سكان الأرض على اعتبار عدم وجود إطار سياسي أكثر كفاءة حتى الآن. ووفر الإنترنت حيزاً يقارن فيه الأفراد حياتهم بحياة نظرائهم في الدول الديموقراطية، ما شكل مزيداً من الخطر على الأنظمة الشمولية المعاصرة، التي باتت تخشى الانتفاضات الشعبية ضدها، وضمن هذه الحلقة المفرغة تصبح الانتخابات الصورية أكثر أهمية وأكثر ضجيجاً وحضوراً.