"الحزب" ومكاري يدينان الإعلام الأجنبي بالسياسة...لا بالقانون

راغب ملي
الأربعاء   2024/10/16
جندي إسرائيلي في جنوب لبنان (إعلام إسرائيلي)
بيان هادئ وجهه وزير الإعلام زياد مكاري، إلى وسائل إعلام أجنبية شاركت في جولة ميدانية نظمتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي المحتلة جنوبي لبنان، تدخل ضمن إطار "لفت النظر"، بما يتخطى التجريم. 

فالانتهاكات التي ارتُكبت، تندرج ضمن إطار الانتهاكات السياسية والأخلاقية، وليست انتهاكات للقانون الدولي لجهة الدخول الى أراضٍ لبنانية من دون إذن، وهي النقطة الفاصلة التي يدركها الوزير، فتجنّبها، وشدد على "عدم جواز مرافقة الصحافيين المعتمدين، قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال توغله في أراضٍ لبنانية، لأن في ذلك انتهاكاً للقوانين وإضفاءً للشرعية على الأعمال العدائية لجيش الاحتلال، وتعدياً على سيادتنا الوطنية".


إضراب طاقم BBC
واثارت الجولة الاعلامية الاسرائيلية في داخل الأراضي اللبنانية، عاصفة في لبنان، دفعت سبعة موظفين في "بي بي سي" (النسخة العربية) في بيروت الى تعليق عملهم، الإثنين، وذلك اعتراضاً على تقريرٍ نشرته "بي بي سي" (النسخة الإنجليزية).

والموظفون الذين أعلنوا الإضراب هم سناء خوري، محمد همدر، ماري جوزيه القزي، جوي سليم، وثلاثة آخرون من فريق برنامج "بي بي سي إكسترا". وأوضحوا أنهم لن يستأنفوا العمل إلا في حال تقديم المؤسسة اعتذاراً عن التقرير، أو محاسبة الفريق الذي رافق جيش الاحتلال  الإسرائيلي.

وجاء البيان بعد بيان لـ"حزب الله" دان مشاركة "بي بي سي" في الجولة (راجع المدن)، قبل أن يلحقه ببيان آخر شمل وسائل إعلام أجنبية أخرى شاركت في الجولة، معتبراً أنها "انتهاك للسيادة اللبنانية والقوانين اللبنانية". 

التزام بالأصول الاعلامية
وأثارت الجولة، والردود عليها، مجموعة التباسات خلطت بين "انتهاك القانون الدولي"، والانتهاك الاخلاقي. وأوضحت المتخصصة في القانون الدولي، الدكتورة أحلام بيضون، أن تناول هذا الموضوع من الناحية القانونية "يمكن أن يكون على مستوى الجهة التي قامت بإنجاز التقرير، وعلى الطريقة التي تمّ بها دخول الأرض اللبنانية، وعلى مستوى مضمون ذلك التقرير". 

وأكدت أن "القانون الدولي يحمي حرية الصحافة، وتغطية أماكن النزاعات والحروب، لمعرفة حقيقة ما يحصل، وجعل الجهات المتحاربة تحت عين القانون والرأي العام، كي لا يتم انتهاك القواعد الإنسانية والقواعد التي ترعى سير العمليات الحربية. كذلك الأمر بالنسبة إلى القوانين الوطنية، التي يجب أن تلتزم بتلك القواعد لجهة حرية الصحافة، فتمنحها الرخص اللازمة لتقوم بمهمتها لأجل تلك الغاية. وينطبق ذلك على القانون اللبناني". 

وتشدد بيضون، في حديث لـ"المدن"، على وجوب "التزام الفرق الإعلامية والصحافية بالأصول القانونية، أي أن تحصل أولاً على تصريح يسمح لها بدخول أرض الدولة المعنية، وهي في الحالة التي نتناولها، لبنان. ثانياً، يجب أن تلتزم بأصول المهنة وواجباتها، وتسلط الضوء على الممارسات المتبعة من  قبل المتحاربين".
 
وتؤكد بيضون أنه وفق القانون الدولي "لا يحق لها أن تقوم بأي عمل من شأنه أن يمس بسيادة البلد الذي دخلت أراضيه، أو أن تكتب أو تصور أو تصرح بأي معلومة من شأنها أن تعرض المقاتلين أو مواطني تلك الدولة أو سيادتها للخطر. أي أنه يجب على الوسيلة الإعلامية أن تلتزم جانب الحياد والموضوعية والصدق في ما تنقل".

مبدأ حماية الصحافيين
المبدأ نفسه تؤكده الخبيرة في القانون الدولي، ديالا شحادة، وتوضح في تصريح لـ"المدن" أن "القانون الدولي ينص على حماية الصحافيين في زمن الحرب بالطريقة نفسها التي تتم بها حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، بغض النظر عن كيفية دخولهم إلى مناطق النزاع أو الجهة التي يرافقونها". وأضافت أن الصحافي "يظل محمياً أثناء قيامه بعمله الصحافي طالما أنه لا يحمل السلاح ولا يشارك في الأعمال القتالية، حتى وإن كانت تغطيته تخدم أجندة عسكرية معينة".

وتشير شحادة إلى مسألة تغطية الصحافيين للأحداث مع الجيش الإسرائيلي، الذي يوصف لبنانياً الآن بجيش احتلال. وأكدت أن "مجرد دخول الصحافي مع القوات الإسرائيلية لتغطية العمليات العسكرية لا يشكل جريمة بموجب القانون الدولي أو معايير الصحافة الدولية. وأوضحت أن الجُرم لا يتعلق بالتغطية نفسها، بل بمحتواها وما إذا كانت تحتوي على تحريض على الجرائم أو انتهاكات حقوق الإنسان". 

مقاضاة الإنتاج الإعلامي
وتقول شحادة أن القضاء المختص "يمكنه فتح تحقيق في الإنتاج الإعلامي المقدم من الصحافيين، إن أراد ذلك، أو بناءً على إخبار، في حال توافرت أدلة على التحريض أو ارتكاب جرائم وفقاً للقانون اللبناني، لا سيما في حال الاشتباه في التحريض على القتل أو الجرائم التي تهدد أمن الدولة". 

وتضيف شحادة أن نظرة الجمهور إلى الصحافيين الذين يرافقون جيشاً يحتل الأراضي ويشارك في عمليات عسكرية "هي بطبيعتها سلبية، حين يكون هذا الجمهور من شعب الدولة التي تتعرّض للإجتياح أو الانتهاكات، حيث يمكن أن يُنظر إليهم على أنهم منحازون أو شهود صامتون على الجرائم". 

ومع ذلك، شددت على أن الصحافي المستقل "يجب أن يلتزم بتغطية النزاع بحياد وبموضوعية، خصوصاً حينما تتضمن تغطيته جرائم تقع في إطار النزاع، بحيث يجب أن يوثّقها ويكشف عنها تكريساً للموضوعية ونقل الحقيقة".

وأكدت شحادة أهمية إدراج سياق حقوقي وأمني وسياسي في التقارير الإعلامية المتعلقة بالنزاعات المسلحة. وأشارت إلى أن أي تقرير يجب أن يتناول سياق القانوني الدولي لهذا النزاع وما يمكن أن يرقى من الأعمال العسكرية فيه إلى إنتهاكات للقانون الدولي، وإلا فإنه يُعتبر تقريراً غير مكتمل. 

مسؤولية العلام تجاه الدولة
ويتبين مما تم الاطلاع عليه من التقارير المنجزة، أن الوكالات المعنية، أو على الأقل بعضها، دخل الأراضي اللبنانية من دون إذن السلطات اللبنانية، حيث رافقت جيش العدو الاسرائيلي، ثم نشرت تقريراً يوصف المقاتلين اللبنانيين بالإرهاب.

بناء عليه، تقول بيضون: "يمكن أن تُبنى مسؤولية تلك الوسائل المذكورة، تجاه الدولة اللبنانية، على النقاط التالية:
1 - انتهاك السيادة اللبنانية كون تلك الجهات الإعلامية، دخلت الأرض اللبنانية برفقة العدو، ومن دون إذن من السلطات اللبنانية.
2 - على مستوى المضمون، يتبين أن الفريق الصحافي الذي دخل الأرض اللبنانية، كان منحازاً للعدو، وغير محايد ووصف المقاتلين اللبنانيين الذين يدافعون عن وطنهم بالإرهاب. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قام بتصوير مواقع داخل الأرض اللبنانية، وأورد معلومات من شأنها أن تعرض المقاتلين اللبنانيين والمواطنين اللبنانيين للخطر".
 
وتقول بيضون: "يمكن هنا أن تتم مقاضاة الوكالات المعنية والصحافيين التابعيين لها بتهمة انتهاك السيادة اللبنانية، وتعريض أمن المقاتلين والمواطنين اللبنانيين للخطر، وذلك بتهمة تسريب معلومات حول مواقع امنية سرية في جنوب لبنان، في حال كان التسلل إلى الأرض اللبنانية قد تم من قبل الفرق الصحافية من تلقاء ذاتها، من دون مساعدة العدو، وهذا الأمر محتمل، إذ لم نسمع في وقت التقرير أن جنود العدو تمكنوا من دخول الأرض اللبنانية".
 
أما إذا كان الفريق الصحافي قد دخل برفقة الجيش الإسرائيلي، "فهذا يعني أن التقرير الصحافي أُجري تحت إشراف ذلك الجيش، وحينها تصبح الفرق الصحافية شريكة في العمل العدائي ضد لبنان". 

وترى بيضون أن "المسؤولية تتعلق بانتهاك السيادة اللبنانية، وبارتكاب عمل عدائي ضد لبنان، من حيث عدم الحيادية، وعدم الالتزام بالقواعد المهنية التي تفرض الحيادية في العمل الصحافي، واقتصار عملها على نقل ما يتعلق باحترام قوانين الحرب والقوانين الإنسانية، من دون الانحياز لفريق من الفرقاء المتحاربين".