خرق في إنزال البترون: خصوصية أمهز مكشوفة
احتلت قضية اختطاف المواطن اللبناني عماد أمهز على يد قوة إسرائيلية في منطقة البترون، مساحة كبيرة في وسائل الإعلام اللبنانية ووسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار جدلاً واسعاً متصلاً بالتغطية الاخبارية التي استعجلت نشر البيانات الشخصية لأمهز، ومن ضمنها جواز سفره وبطاقات هاتفه، في واحدة من أكبر الخروق التي تنتهك خصوصية المعتقل، حسبما يقول حقوقيون.
وبرزت اشكالية تعاطي بعض وسائل الإعلام مع حادثة اختطاف أمهز، في اندفاعها نحو نشر تفاصيل حساسة ومعلومات شخصية عنه. هذه الاندفاعة الإعلامية، لم تتوقف عند حدود المعلومات الشخصية، بل تصاعد الأمر ليشمل تداول صور تم التقاطها من داخل غرفة أمهز، كاشفة عن مقتنيات خاصة به.
ويثير نشر الصور فرضيات عديدة، لا سيما أن دخول هذه الغرفة، كان مقتصراً على الأجهزة الأمنية المتخصصة، ما يجعل تسريب هذه الصور إلى الإعلام أمراً مقلقاً، ويفتح باب التساؤلات عن كيفية وصولها إلى المنصات الإعلامية والجهة التي تقف وراء هذا التسريب.
وتعكس هذه القضية تحديات كبيرة في الالتزام بمسؤوليات الإعلام تجاه حماية خصوصية الأفراد واحترام سرية المعلومات، خصوصاً في قضايا ذات طابع حساس تتعلق بسلامة وأمن المواطنين.
قوانين نشر البيانات الخاصة
وفي هذا السياق، تقول المحامية والباحثة القانونية رنا صاغية إن "دور الإعلام في نقل المعلومات والتوعية يبرز بشكل خاص خلال الأزمات، وتتعاظم مسؤوليته الأخلاقية والمهنية في حماية خصوصية الأفراد المتأثرين". وتضيف أن "حق التعبير يُعد حقاً أساسياً، وفقاً للقانون الدولي وقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكن أي تقييد لهذا الحق يجب أن يلتزم بشروط واضحة: أولاً، أن يكون التقييد منصوصاً عليه في القانون؛ وثانياً، أن يكون الهدف حماية مصلحة اجتماعية واضحة؛ وثالثاً، أن يكون ضرورياً لتحقيق تلك الحماية".
وتوضح صاغية أن "حادثة الاختطاف الأخيرة شهدت نشر معلومات شخصية من دون موافقة الشخص المعني، مما قد يهدد أمنه وسلامة عائلته ويشكل خرقاً للخصوصية، وهو ما يتنافى مع القوانين المحلية والدولية، مثل المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 17 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية".
وترى أن نشر هذه المعلومات "لم يحقق مصلحة عامة واضحة تبرر التضحية بحق الخصوصية، مما يجعله غير مبرر من الناحية الأخلاقية أو القانونية". وتشرح: "التسريب لم يتم من الإعلام بشكل مباشر، بل من جهة أخرى قامت بتسريب المعلومات، مما يلقي بالمسؤولية الأساسية على هذه الجهة، من دون إعفاء الإعلام من مسؤوليته عن تداول بيانات تتعارض مع مبدأ الخصوصية".
لا نشر إلا بما يخدم المصلحة العامة
من جانبها، تؤكد الباحثة في مؤسسة "سكايز" وداد جربوع، "أهمية التعامل بحذر شديد مع المعلومات المتعلقة بحوادث دقيقة مثل حادثة الخطف في البترون". وتقول جربوع إن "التعامل مع هذا النوع من القضايا، يتطلب فهماً عميقاً للقوانين وأخلاقيات المهنة، وتقديراً دقيقاً لمصلحة الشخص الذي تعرض للخطف ومصلحة العامة، مع مراعاة المخاطر المحتملة الناتجة عن نشر هذه المعلومات".
وتضيف أنه "قد يكون من الضروري أحياناً نشر بعض التفاصيل للكشف عن تجاوزات أو انتهاكات، لكن يجب أن يتم ذلك بأسلوب يحمي حقوق الأفراد ويجنبهم المخاطر".
وترى جربوع أن "وسائل الإعلام هنا مدعوة للالتزام بمعايير أخلاقية تراعي أولاً حقوق الأفراد، ومنها عدم نشر بيانات خاصة، إلا إذا كانت تخدم المصلحة العامة بشكل واضح، وهو ما لا ينطبق في حالة خطف المواطن في البترون". وتشدد على ضرورة أن "يحقق الإعلام توازناً دقيقاً بين حرية التعبير، وحق الجمهور في المعرفة من جهة، وحماية الخصوصية الفردية من جهة أخرى".