إعلاميون على خط النار.. بلا اتصالات وإنترنت
أثبتت خطة طوارىء وزارة الاتصالات فشلها على صعيد لبنان. فلم تتدارك الوزارة لمدة عام العمل على إصلاح الثغرات التي طاولت شبكة الاتصالات والإنترنت منذ عام في مناطق الجنوب، بل امتدّ تردي الخدمة إلى المناطق التي تُعد آمنة، ولم تستوعب شبكات الإنترنت الضغط التي تشهده العاصمة بيروت، والمدن المجاورة التي تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين.
محطات الخلوي خارج الخدمة
فالعدوان الإسرائيلي، ألحق اضراراً كبيراً في قطاع الاتصالات، حيث أخرجت 113 محطة لشركة "تاتش" عن الخدمة: 61 منها لأسباب أمنية و15 من جراء السّرقات، بينما خرجت 114 محطة تابعة لشركة "ألفا" عن الخدمة.
ومع توسع العدوان فَقَدَ الكثيرون الاتصالات والإنترنت لوقت طويل. ويتأثر الصحافيون بشكل كبير بإنقطاع الخدمات، مما يؤثر على عملهم.
عزلة إعلامية
في جولة مقابلات مع عدة صحافيين ومراسلين وعاملين في قنوات فضائية على خط النار والمواجهة، أجمع الجميع بأنهم يتعرضون لعزلة تامة، مما يؤثر على نقل الخبر والمعلومة، وغيابهم عن الحدث، واضطر العديد من الصحافيين والمراسلين، للنزوح من منازلهم، ويعيشون في ظروف صعبة، تحولُ دون القيام بواجبهم المهني.
تتحدث مندوبة "الوكالة الوطنية للإعلام" في مرجعيون ألين سمعان لـ"المدن"، عن معاناتها في غياب خدمات الإنترنت والإتصالات. قائلة: "في عالم الصحافة تعد الثانية مهمة لنقل الخبر، وغياب شبكات الإنترنت والإتصالات تُعرضنا للتأخر بنقل المعلومة والحدث".
سمعان التي تملك خطاً هاتفياً تابعاً شركة "تاتش"، عمدت إلى شراء خط هاتف ثانٍ من شركة "ألفا"، لكي تبقى قادرة على التواصل في حال تردي أي خدمة بينهما. وتضيف سمعان: "هذه تكلفة إقتصادية مرهقة، ناهيك عن فاتورة الانترنت التابعة لأوجيرو، ولكايبل الشركات الخاصة".
آخر مراسلات مرجعيون
وألين، هي المراسلة الوحيدة المتبقية في قضاء مرجعيون، وتعتبر أنها مسؤولة عن نقل الخبر في لحظاته الأولى. تقول: "أشعر بسبب انقطاع الإنترنت في أحيان كثيرة بأني معزولة عن العالم، وأواجه صعوبة في ممارسة عملي، وعدم تمكني من ارسال المعلومات الأولية والصور اللازمة للخبر، وفي العديد من المرات أتوجه إلى القرى مجاورة لعمل من منازل الأقارب والأصدقاء".
حُزم انترنت
في حين أغفلت خطة طوارىء قطاع الإتصالات العاملين في وقت الحروب، الذين يحتاجون إلى اتصالات وإنترنت بشكل دائم لتأمين استمرارية العمل، لم يُعمل على تأمين حُزم إنترنت وتخفيضات للصحافيين. إذ يتكبد الصحافيون فواتير باهظة الثمن. كذلك، لا تخصص الوسائل الإعلامية تغطية مالية مخصصة للإتصالات والإنترنت.
تأخير في نقل المعلومة
لا تقتصر أزمة انقطاع الإنترنت والاتصالات على عمل الصحافيين، بل تنسحب على القنوات الإخبارية التي تحتاج إلى جودة عالية لتغطية الشبكات للنقل المباشر. من هنا، يقول مراسل قناة الـLBCI أحمد عبدالله في حديثه لـ"المدن"، إن "المشكلة الأساسية التي نواجهها هي في فترات التغطية المباشرة من الأرض، حيث ينقطع الإتصال المباشر مع المحطة مرراً خلال البث. فهناك صعوبة في ممارسة عملنا، وبتنا نتأخر في تقديم المعلومة أو التأكد منها بسبب بطء الإنترنت".
ويطالب عبدالله "بتأمين حزم إنترنت خاصة للصحافيين، أو بدائل اتصالات وتقنيات تُمكنهم من القيام بعملهم تحت اي ظرف طارىء، كأجهزة الثريا أو ستارلينك". ويلفت عبدالله الى أن "بعض المؤسسات إعلامية لا تقدم بدلات مالية مخصصة لخدمات الاتصالات والإنترنت، التي لا تقل تكلفتها عن 60 دولاراً أميركياً، فيجب دعم الصحافيين بكل الطرق المعنوية والمادية لممارسة عملهم". ويعبر عبدالله أن الصحافيين يعيشون تحت ضغط كبير تجاه عملهم الإعلامي وسلامة أهاليهم، الذين اضطروا إلى النزوح من مكان إلى آخر.
عزلة
من جهته، عاش الصحافي في موقع "النشرة" أيمن شحادة ساعات عدة من العزلة بسبب إنقطاع الاتصالات والإنترنت. ويقول شحادة لـ"المدن": "في المكان الذي نزحت إليه، كانت خطوط شركة "تاتش" متوقفة عن العمل، في حين إنترنت الشركات الخاصة يشهد بطئاً كبيراً، فلم استطع مواكبة عملي بالشكل المعتاد، مما يشكل ضغطاً مضاعفاً عليّ، عدا عن الظروف الصعبة التي نعيشها مع عائلتنا". ولضمان استمرارية عدم انقطاعه عن العمل والإنترنت في الحرب، يتكبد شحادة مصاريف مالية للإتصالات مختلفة عن أيام السلم".
احتياجات الصحافيين
يشير أحد العاملين في قناة عربية فضائية فضل عدم ذكر اسمه لـ"المدن"، إلى صعوبة عملهم في ظل إنقطاع الإنترنت والإتصالات. يقول: "في معظم الأوقات نصل الى انقطاع تام عن الانترنت، وتبدأ المعاناة لضعف الشبكة التي لا تؤمن التغطية لاستخدام التطبيقات التواصل مثل البريد الالكتروني، وموقع الـWeTransfer لإرسال المقاطع المصورة للتقارير التي تم تصويرها وانجازها، وعليه تتأخر المواد في الوصول الى المراكز لبثها تباعاً وإطلاع المشاهدين عن آخر التطورات" .
ويُكمل الموظف: "عدة مرات فقدنا الاتصال بشكل كامل بشبكة الإنترنت والاتصالات الهاتفية، وهذا يبعث فينا حالة من القلق جراء انقطاع الاتصالات بين الافراد أو المجموعات الصحافية، مما يعيق اتخاذ أي قرار أو متابعة مجريات الأمور". وينقل العامل في المحطة، أنه "خلال لقاءات مع عدد من المنظمات الداعمة للصحافيين وجهت نداءات بضرورة التواصل مع المعنيين لتوفير باقات خاصة للاتصالات والإنترنت للصحافيين من حيث الجودة والكمية ونطاق التغطية".
همّ الفرد.. والعائلة
كما يواجه الصحافيون تحديات جمّة، لاسيما مع تسارع التطورات وزخم الأحداث على الساحة، لجهة الاهتمام باحتياجات الصحافيين، بالتوازي مع حملة النزوح التى طاولتهم وعائلاتهم، مما يضع الصحافيين في حيرة بين الاهتمام بالعائلة وحمايتهم وتوفير احتياجاتهم، أم متابعة عمله الصحافي.
ينقل الصحافي نبيل مملوك الذي يعمل كصحافي مستقل مع عدة وسائل إعلامية، لـ"المدن"، ما عاشه في الأيام الأخيرة في ظل بقائه في مدينة صور، "إذ انقطعت الإتصالات والكهرباء لمدة إثني عشر ساعة، ومرت هذه الساعات بقلق وتوتر مضاعف، أولها لعدم تمكننا من نقل الأخبار والمعلومة، وثانياً لعدم قدرتنا على طمأنة عائلتنا عن سلامتنا".
ويضيف مملوك: "ضعف شبكة الإنترنت والإتصالات لكل القطاعات المشغلة للقطاع، تصيبنا بإضطراب الكتروني، ويُأخرنا عن ارسال المواد اللازمة في الوقت المحدد. وننتكبد تكلفة اقتصادية عالية، إذ قمنا بالإشتراك بكافة أنواع الإتصالات وشبكات الإنترنت، وكل هذه التكلفة لا تقوم المؤسسات الإعلامية بتغطيتها". ويختم مملوك، "يجب أن يكون هناك خدمات خاصة بالصحافيين في مثل هذه الظروف الاستثنائية".