البقاع محروم من تغطية مكثفة: إعلام لبنان مركزي
أعاد الإنذار الإسرائيلي بإخلاء مدينة بعلبك اليوم، الأضواء إلى المدينة التي يعتبرها كثيرون مظلومة في التغطية الإعلامية. ففي المنطقة المعروفة تاريخياً بالحرمان، دأب المواطنون ورواد مواقع التواصل الإجتماعي، طوال الأسابيع الماضية، على نشر مناشدات لرفع الأنقاض بعد كل غارة، وذلك تعويضاً عن غياب التغطية الإعلامية للمجازر بحق أهلها، فيما تتهافت المحطات الإعلامية على توثيق كل أحداث العدوان في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان لحظة بلحظة.
|
ويقول رواد الشبكات الإجتماعية، "إن أخبار البقاع، من البقاع الشمالي إلى الأوسط وصولاً إلى البقاع الغربي، تمر مرور الكرام وبخبر عاجل على الشاشات من دون توسع فعلي على الأرض".
|
فهل الإعلام متقاعس عن التغطية، فيكرّس فكرة أن البقاع منسيّ في السِّلم والحرب ومتروك لقدره؟ أم أن ظروف التغطية وطبيعة المنطقة الجغرافية، تحول دون قيام الفرق الصحافية بمهامها على أكمل وجه؟
|
لملمة أخبار عبر الهاتف
يصف الصحافي وأستاذ الصحافة في الجامعة اللبنانية، راغب جابر، في حديثه لـ"المدن"، الإعلام اللبناني بالمقصر في تغطيته العدوان الإسرائيلي الوحشي على البقاع، قائلاً: "البقاع يتعرض للإستهداف يومياً وتحولت القرى إلى ركام، تماماً كما يحصل في قرى الشريط الحدودي الجنوبي، إذ يسقط يومياً عشرات الشهداء المدنيين، وهم تحت الركام ولم نرَ صورة حيّة لكل هذا القتل إلا نادراً".
ويضيف: "تعتمد المحطات التلفزيونية على مراسلين يمكن القول إنهم غير ميدانيين، يكتفون بلملمة الأخبار عبر الهاتف، ويرسلونها ويتلونها على الهواء، وغير معروف من أين يبثون رسائلهم".
ويشير جابر إلى أن المحطات التلفزيونية "لا تملك فرقاً تستطيع أن تغطي كل المناطق المعرضة للقصف. فضلاً عن أن منطقة البقاع واسعة، وذات مساحة كبيرة، ناهيك عن النظرة التاريخية إلى بعلبك والهرمل التي تعتبر مناطق خارجة عن نطاق الدولة".
وفي ما يخص الخوف على استهداف الصحافيين الذي يحول دون التغطية الإعلامية المستحقة، يعلق جابر: "الخوف على الصحافيين مشروع ومبرر. لكن يمكن للفرق الإعلامية أن تتحرك كما تفعل في مناطق أخرى ولا تعرض نفسها للخطر. فمجازر البقاع، حدث كبير في الحرب، وتغطيتها واجب مهني قبل كل شيء، وأي حدث لا يغطيه الإعلام كأنه لم يحدث".
صحافيون بحاجة لتدريب
ولعل مركزية الإعلام في التغطية، والغياب عن قرى الأطراف، هي موضوع بحث وتداول بين المؤسسات الصحافية، وأهالي البقاع خصوصاً. ويقول جابر: "من المعروف تاريخياً أن الإعلام اللبناني هو إعلام مركزي متموضع في العاصمة وضواحيها، ويطلّ مناسباتياً على المناطق، أو يعين مراسلين من أبناء هذه المناطق. ويبدو لي أن الإعلام التلفزيوني في هذه الحرب استنفد كثيراً من قواه في المراكز، وكُثر من الإعلاميين يغادرون إلى محطات خارجية، وبالتالي يُعتمد على صحافيين جُدد هم بحاجة إلى تأهيل وتدريب". ويشير الى وجوب "عدم تجاهل الكلفة المادية لتغطية الحروب، وهو ما يؤثر في نوعية هذه التغطية وشموليتها".
صعوبات الجغرافيا
مراسل تلفزيون لبنان وقناة INEWS العراقية هادي شكر، هو ابن بلدة النبي شيت البقاعية، ويقول لـ"المدن": "لا نقص في أعداد الصحافيين في البقاع"، مضيفاً أن "التغطية مستمرة". لكنه يشير الى "صعوبات تعيق عملنا، نظراً لجغرافية المنطقة في البقاع، والمسافات بين البقاع الغربي والبقاع الأوسط والشمالي، ونحن نقوم بواجبنا المهني بأقصى حد".
ويكمل شكر: "جغرافية البقاع لا تمكّن الصحافيين من التمركز في منطقة معينة، مثلما يفعلون في جنوب لبنان، لنقل المجريات والغارات مباشرة على الهواء. فيضطر الصحافي إلى نقل رسائله من مناطق قريبة. إضافة إلى الخطورة التي تواجهنا عند القيام بالجولات خلال النهار لرصد الأضرار ومعرفة أعداد الضحايا، لا سيما أن الطيران المسير والحربي لا يغادر المنطقة، وقد نكون عرضة للإستهداف المباشر في أي وقت".
ويرد شكر على الرسائل التي تتهم الإعلام بأنه يستثني البقاع ويغيب عنه، قائلاً: "الناس لا تعيش ما نعيشه، وليس لديها فكرة عن طبيعة عملنا في هذه الظروف، لا تقصير إعلامياً، ونعمل بكل القدرات المتاحة".
20 بلدة في يوم واحد
من جهتها، تقول مراسلة قناة "الجديد" ريبيكا سمعان، في حديثها لـ"المدن"، إن التغطية الحربية سواء في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، مستمرة وخطرة جداً، "نعرّض أنفسنا للخطر ونكون في مواقع مستهدفة، خصوصاً وأنّ العدو لا يفوّت فرصة لإستهداف الصحافيين، ومدنيي الخطوط الأمامية، كالصليب الأحمر وفرق الدفاع المدني، وخصوصاً الهيئة الصحية". وتتابع: "لا يقتصر عملي على النقل المباشر بل أقوم أيضاً بجولات ميدانية وأعدّ تقارير مصورة لنشرات الأخبار".
تضيف سمعان: "البقاع يشكل 40% من مساحة لبنان، وهناك مسافات طويلة لدى تنقلنا من موقع إلى آخر، مثلاً من البقاع الأوسط إلى الغربي تستغرق الطريق ما يقارب الساعة ونصف الساعة، وثمة مناطق تحتاج لأكثر من ساعتين مثل الهرمل وبعلبك، فمشكلة المسافات تحول دون التغطية بشكل كبير".
|
وعن التحديات التي تواجه الصحافيين في التغطية في البقاع، تقول سمعان: "نتنقل في البقاع على وقع الغارات المستمرة ولا نستطيع تحديد أماكنها، إذ يستهدف العدو مناطق جديدة كل مرة، ومباني سكنية قرب الطرق العامة أيضاً، وهذا يشكل خطورة علينا"، في إشارة الى تضرر 20 طريقاً في المناطق البقاعية، ما يحول دون اجتيازها بسهولة، "وهذا يمنعنا من الوصول إلى أماكن إستهدافات أخرى".
وعن المجازر التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في بلدات البقاع، الإثنين، والتي أسفرت عن أكثر من 60 شهيداً و58 جريحاً، تشير سمعان الى أن "العدو استهدف الاثنين أكثر من 20 بلدة، لم نتمكن من القيام بجولات عليها، بسبب كثرتها والمسافات الكبيرة، لذلك نذهب إلى الأماكن القريبة والتي فيها مجازر أيضاً".
وتعلق سمعان على اللوم الذي يوجَّه للإعلام عن تغطيته في البقاع، قائلة: "التعليقات ليست من قبل مواطنين، بل من مسؤولين ينظّرون من خلف مكاتبهم وأماكنهم الآمنة، ونحن كصحافيين تحت القصف وأمام الناس". وتختم: "نقول للجميع إننا على الأرض ولم نقصّر، ولقد قدمنا شهداء من الجسم الصحافي وآخرهم في حاصبيا، وعبرنا تصل صرخات الناس".