"القرض الحسن"...لماذا يُمنع النقاش فيه؟
لم تمضِ دقائق على إصدار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إنذارات بإخلاء مبانٍ تابعة لجمعية مؤسسة القرض الحسن، حتى أعاد ناشطون لبنانيون نشر تقرير كانت قد بثته قناة "أم تي في" ضمن برنامج "صار الوقت"، وشنوا حملات على مارسيل غانم والقناة، اعتبروها تروّج لاستهداف المؤسسة.
جاء الرد المباشر من خصوم الحزب، بالتأكيد أن "العدو لا يحتاج الى معلومات"، وأن ما يُقال اليوم من اتهامات للإعلام "يندرج ضمن إطار الاستهداف على خلفيات سياسية".. ليأتي الرد في المقابل، ويعيد التذكير بتغريدات تحدثت عن "الهيئة الصحية"، وعن منشآت أخرى، فتعرضت للإستهداف.
والحال أن آراء الطرفين، تنطوي على صحة، في جزء منها، لكنها ليست حقيقة مطلقة يُبنى عليها لتخوين وسائل الاعلام من جهة، أو لاعتبار المحتوى الاعلامي طبيعياً، لا يستدعي أي انتقاد أو ردّ. ذلك أن النقاش عبر وسائل الإعلام، هو حق مشروع، ضمن الضوابط السياسية، والمسؤولية الاجتماعية التي يفترض أن ترعاها القوانين اللبنانية ومواثيق الشرف الاعلامية، وما أكثرها في لبنان.
ولا تحظر تلك القوانين أو مواثيق الشرف، بتاتاً، النقاش حول أي مسألة متصلة بأي طرف لبناني، ضمن سياق المعالجة الإعلامية الموضوعية والمهنية، طالما أنها وسائل إعلام خاصة، وليست إعلاماً عاماً. المعالجة الموضوعية، وليس الحيادية طبعاً، بالنظر الى أن وسائل الإعلام، المنقسمة عمودياً على مساحة الانقسام السياسي، الطائفي منه والمحكوم بتمويل سياسي وحزبي، لا يمكن أن تكون محايدة، وتندرج نقاشاتها ضمن إطار مساحة النقاش العام، خارج اي قيود قانونية.
من هنا، يصبح تناول أي ملف متصل بالداخل اللبناني، سواء أكان مرتبطاً باستجابة الحكومة، أو بـ"حزب الله"، جزءاً من النقاش العام، وينسحب ذلك، افتراضاً، على مؤسسة "القرض الحسن" التي أجريت منذ خمس سنوات وحتى الآن، عشرات التقارير التلفزيونية عنها، تلك التي سألت عن دورها، وتمويلها، ووظيفتها، وما إذا كانت تراعي القوانين اللبنانية أم لا. وكان التعاطي في السابق مع ذلك المحتوى، ضمن اطار حرية الرأي والتعبير، ولم يكن ضمن إطار التحريض، قبل أن تتحول المؤسسة الى هدف للاعتداء.
إزاء هذا التحول، في ظل الحرب، لا حظر قانونياً أو أخلاقياً، في السؤال عن مصير الودائع، والإجابة على أسئلة الناس وهواجسهم، طالما أن المؤسسة ليست كياناً سرياً، ولها عشرات آلاف الزبائن، شأنها شأن المصارف اللبنانية التي فتحت ملفاتها على مصراعيها بعد الأزمة المالية. في المنطق القانوني، وحرية العمل الإعلامي، يمكن تناولها.. لكن الفارق أن المصارف، لم تكن مهددة بالقصف من عدو خارجي، ولا بالتدمير الذي من شأنه أن يؤثر في منازل وممتلكات مئات المدنيين الذين يقطنون في المباني نفسها، وهو ما أنتج موجة من النازحين تجددت، ودفعت التحذيرات آلاف السكان المدنيين الى الشواطئ والشوارع، هرباً من الاعتداءات الجوية.
بحكم العلاقة الترابطية بين المؤسسة والسكان، تصبح تداعيات استهدافها، مرتبطة بمصالح السكان المدنيين، وبحيواتهم. لذلك، فإن المحتوى الذي يتخطى مصلحة هؤلاء الآن، ويتضمن الرأي والرأي المقابل، سيثير حساسية الناس ومخاوفهم، ليعتقدوا بأن الإضاءة على هذا الجانب، سيدفع العدو للالتفات إليه، وسيتغذى هذا الشعور عندما تصبح تلك المؤسسات هدفاً للعدو، فينتشر التضليل الذي سيتغذى من الاصطفافات السياسية، ويقوم بمهمة التعبئة العامة ضد إعلام يترصد "حزب الله"، وتحديداً "أم تي في" التي لا تخفي هويتها السياسية، وقدمت نفسها للرئيس الأميركي السابق والمرشح الحالي دونالد ترامب، بانها قناة تواجه "حزب الله" في لبنان.
من هذا المنطلق السياسي، تتعاظم اعتقادات السكان المؤيدين لـ"حزب الله"، أو القاطنين في مناطق انتشار مؤسساته، بأنهم مستهدفون، ويجد الإعلام منطقاً تمهيدياً للهجمات، يساعد العدو على تبرير استهدافاته.. وقد يذهب الاعتقاد، (وهو حصل أيضاً حسبما رُصد في نقاشات السوشيال ميديا) الى أن هناك "أجندة" تتناغم مع العدو، تمهد له ليوظف ذلك المحتوى في اعتداءاته!
بمعزل عن مبررات الطرفين، بالمبدأ، لا تخوين القناة على خلفية تقرير، مقبول... ولا تجاهلها لتلك العلاقة الارتباطية بين أمن السكان واستهداف المؤسسات في هذه الظروف الاستثنائية والحرب الهمجية، أيضاً مقبول. ومثلما يُنظر الى الردود التخوينية على أنها تتناقض مع حرية الرأي والتعبير، يُنظر في المقابل الى المحتوى المتجرد من أمن الناس وسلامتهم أيضاً، على أنه يتناقض مع العمل الإعلامي في أزمات وطنية كالتي يعيشها لبنان اليوم، حيث دفعت الإنذارات بالاخلاء ربع سكان لبنان الى نزوح قسري، وعرّضت الآلاف للموت.
ويوجب التأكيد هنا أن الدعوة للمسؤولية الاجتماعية، لا تتناقض مع حرية العمل الإعلامي، كما لا تؤيد تفعيل حالات إعلان الطوارئ، إطلاقاً، وذلك حفاظاً على خصوصية لبنان وحماية لحرياته المقدسة.