إسرائيل "تطحن" ذاكرة النبطية: من انتفاضة عاشوراء إلى 17تشرين

نور الهاشم
الأحد   2024/10/13
مربع كامل من الابنية التراثية قضت عليها الغارات (Getty)
لا يعكس الحزن الذي تفجر منذ ليل السبت على تدمير اسرائيل لسوق النبطية، حجم الفاجعة التي تطاول ذاكرة شعبية وسياسية، تبدأ من انتفاضة المدينة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي في عاشوراء 1982، ولا تنتهي بفعاليات 17 تشرين التي استضافها ناشطو المدينة أيضاً في الساحة التاريخية الواقعة بوسط المدينة، وتحتضن حولها معالم تجارية وثقافية ودينية.


خريطة المربع
تظهر الصور المتداولة ومقاطع الفيديو لألسنة اللهب المنبعثة من الساحة، جزءاً يسيراً من هول المشهد. لم يكن بعد قد اكتمل بالصورة. استعاض عنه الناشطون الميدانيون برسم خريطة الاستهداف التي طحنت مربعاً كاملاً يبدأ من حلويات الديماسي شمالاً، إلى المتاجر المقابلة للمسجد والمستشفى الحكومي القديم غرباً، ويمتد جنوباً الى حلويات السلطان، وشرقاً إلى الساحة. 
مربع كامل من عشرات المباني التراثية التي يمتد عمر بعضها إلى أكثر من مئة عام، تم استهدافها بعدة غارات، يقول سكان النبطية إنهم لم يختبروا مثيلاً لها منذ الحرب، وتشبه غارات الضاحية الجنوبية لبيروت العنيفة. "طحن الانتقام الاسرائيلي" المربع بأكمله، ومن ضمنه أول فندق أقيم في المدينة مطلع القرن، وهو أوتيل "زهرة الجنوب"، ومسح من الذاكرة حيوات أشخاص وفعاليات، فيما تضررت المباني المحيطة. 


ذاكرة العائلات
تعيد الكاتبة والناشطة السياسية بادية فحص، رسم معالم الذاكرة في هذا المربع. تحت عنوان "النبطية احترق قلبها"، تسرد بعضاً من ذاكرة المدينة، وحيوات الاشخاص فيها، وتجاربهم واصولهم وانتقالهم. قصة "محل حلويات الديماسي"، ومتجر "كامل جلول للأحدثة"، و"مكتبة حجازي"، و"استديو الأمل"، و"صيدلية بعلبكي"، و"حلويات السلطان"، و"مكتبة فارول"، و"فلافل الارناؤوط"، و"المختار حسن جابر"، و"ديسكو الشعار".. وتقول في منشور أعيد نشره عشرات المرات: "هيدا قلبنا لي احترق مش مجرد مربع باطون". 


تتراكم السرديتات في "فايسبوك"، يذكر الصحافي محمد غندور حكايته مع محل "رشا مودا"، وتعيد الناشطة ضحى صباغ التذكير بفعاليات وأمسيات ثورة 17 تشرين التي كانت تُقام في الساحة. وعلى الرغم من أن مركز خيمة ثوار 17 تشرين 2019 كان على بُعد 400 متر من الساحة، إلا أن الفعاليات كانت تُقام فيها، كذلك المسيرات التي كان لزاماً عليها المرور فيها، تماماً كما مسيرات الفرق الكشفية في مناسبات عديدة، ومسيرات ممثلي واقعة عاشوراء التقليدية في النبطية، الذين كانوا ينظمونها في اليوم التاسع من عاشوراء في كل عام. 


بين الانتفاضة والاستقرار 
للساحة، ذكريات وتاريخ. شهدت في العام 1982 عمليات الكر والفر بين المشاركين في إحياء عاشوراء، وقوات الاحتلال الاسرائيلية التي هبطت من حي البياض باتجاه البيدر، لتلاقي حشود الجيش الذي كان يقيم في المستشفى الحكومي الواقع غرب الساحة قرب المسجد. عُرفت آنذاك باسم انتفاضة النبطية، ولا تزال صورها ماثلة إلى اليوم. 
أما في أوقات السلم، فقد كانت الساحة موقعاً دائماً لسوق الاثنين الاسبوعي في النبطية، وفعاليات مهرجان التسوق.. "كانت ساحة للجميع"، كما يقول سكان النبطية، تعرضت لاستهداف في العام 2006، أدى الى تدمير مكتب المرجع الشيعي الراحل السيد محمد حسين فضل الله، وتضرر أبنية بينها حلويات الديماسي ومحيطه. لكنها نجت، والذاكرة أيضاً، خلافاً لما يجري اليوم حيث "تطحن اسرائيل ذاكرة النبطية"، و"تنتقم منها".


قصر شاهين
يسأل أبناءها اليوم: "ماذا يوجد في مربع تراثي وسط المدينة وفي سوقها؟"، كما يتردد سؤال آخر: "ماذا يوجد في قصر شاهين؟" في إشارة الى قصر وزير التربية الاسبق الراحل غالب شاهين واقع في حي الميدان قرب كنيسة النبطية والذي تم تدميره يوم الخميس، ولم يبقَ منه أي أثر. 


والقصر الواقع في "حي مسيحي"، يعود بنائه الى أوائل القرن الماضي، وتم ترميمه أخيراً. بات معلماً تراثياً من معالم المدينة. مكان لالتقاط الصور والاحتفالات. يتصور فيه العرائس في حفلات الزفاف، ويتفرج عليه الباحثون في ذاكرة المدينة. القصر اليوم "بات ممسوحاً بالكامل"، إذ "طحنته الغارات الاسرائايلية وبات موقعه أشبه بساحة كان يستحيل أن تُقام حتى بالجرافات". 
اسرائيل اليوم، "تنتقم من الجمال والذكريات"، والنبطية شاهدة على ذلك!