حرب الصورة بين "حزب الله" وإسرائيل... وعقيدة الانتقام

أدهم مناصرة
الجمعة   2024/10/11
جندي اسرائيلي في جنوب لبنان (إعلام اسرائيلي)
تحتدم حرب الصورة بين حزب الله وإسرائيل على نحو أكبر، مع مرور نحو أسبوعين على عملية توغل الاحتلال في جنوب لبنان.
وفي خضم ذلك، يكاد الإعلام الإسرائيلي يكون محروماً من المعلومات الكاملة بشأن التوغل البري. فلا ذكر لأسماء بلدات ومناطق لبنانية ادعى الجيش الإسرائيلي أنه قد وصل إليها، ولا المواقع التي يُقتل أو يصاب فيها جنوده خلال الاشتباكات مع مقاتلي "حزب الله"، ولا ظروف مقتلهم، ولا طبيعة التكتيك المتبع في التقدم البري. 

وقد برر مراسلون عسكريون هذا الغموض بالقول إنه يأتي من منطلق حرص قيادة جيش الاحتلال على عدم إعطاء حزب الله بيانات وإحداثيات عبر الإعلام، تمكنه من استهداف الجنود المتوغلين براً.

واكتفى جيش الاحتلال بنشر فيديوهات وصور ثابتة بزوايا ضيقة جداً لجنود يتسللون في الجانب الآخر للحدود تارة، وتارة أخرى لأسلحة ومنصات صواريخ، وبعض الأنفاق المزعومة، وذلك في سبيل خدمة الحرب النفسية والإعلامية الموازية للميدان.

الصورة الإسرائيلية.. فقيرة وانتقامية
حتى الفيديو الذي خرج به المتحدث العسكري الإسرائيلي دانيال هاغاري، بزعم أنه من داخل قرية لبنانية حدودية، فإن الصورة كانت مُركزة عليه وعلى المنزل الذي ادعى ضبط وسائل قتالية للحزب داخله، لكن الصورة بدت فقيرة فنياً ومضموناً، بمعنى أنها لم تكن من زاوية واسعة ولا شاملة، ولم تُظهر محيط المنزل بوضوح، ولم يتم ذكر اسم القرية اللبنانية التي اكتفى بوصفها "قرية شيعية قريبة من الحدود". 

وبالترافق مع فيديو هاغاري، نشر الاحتلال صورة ثابتة لما وصفها "جلسة تقييم" للعملية البرية، عقدها رئيسا الأركان والشاباك وقائد القيادة الشمالية بالجيش الإسرائيلي، في جنوب لبنان، "للمرة الأولى"، على حد تعبيره الإعلام العبري. وهي صورة أخرى أريد بها إلحاق ضرر نفسي بمقاتلي حزب الله، وبمعنويات عموم اللبنانيين، عبر القول إن الاجتياح البري مكن قيادة الجيش والأمن من عقد اجتماعات في العمق اللبناني!

هي صور تذكر بتلك التي عكف جيش الاحتلال على إخراجها من غزة منذ اللحظة الأولى للتوغل البري، وهي مليئة بعقيدة الانتقام والحقد. لكن المعركة تتجلى في مشهدية "حرب الصورة". صورة مقابل صورة. إذ قابلها حزب الله خلال الساعات الماضية، ببث أول فيديو منذ بدء الاجتياح البري، للحظة نصبه كميناً لقوة من الجنود الإسرائيليين، بعد ساعات على صور "الهدهد" التي عادت بمشاهد من حيفا والكرمل.

كما حرص الحزب على مجابهة رواية جيش الاحتلال، بإصدار سلسلة من البيانات حول التصدي للقوات المتوغلة، وإحباط تقدمها في أكثر من محور، عبر تدمير آليات إسرائيلية، وقتل وإصابة جنود، فيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن تقدم الجيش يسير بشكل "بطيء وحذر"، وأنه ما زال في طور "العملية المحدودة حتى اللحظة"، رغم إنذارات الجيش الإسرائيلي بإخلاء مزيد من سكان البلدات اللبنانية، توطئة لتوسيعها.

جندي عاد ينتقم لأخيه.. بعد 18 سنة!
في غضون ذلك، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريراً عن جندي إسرائيلي توغل في أراضٍ بالجنوب اللبناني، عكف على نشر صور له (دون إظهار معالم وجهه) داخل أراض ومنازل لبنانية، وأيضاً من زوايا ضيقة ومسموح بها عسكرياً. وتتجلى في صوره روح الانتقام، وذلك بمفاخرته بتوثيق لحظة تفجير وتدمير منازل لبنانية، مرفقة بتعبير "لحظة مميزة وتاريخية" وهو يقف أمام أنقاض مبنى لبناني.

ويُدعى هذا الجندي تال جولا (25 عاماً)، ويخدم في الفرقة 98، واعتبرت "يديعوت أحرونوت" أنه ليس مسلحاً فقط بالمعدات القتالية، بل بالكاميرا أيضاً. وكان الجندي نفسه نشر صوراً مماثلة أثناء اجتياح مناطق بقطاع غزة، لا تخلو من الحقد والانتقام والمرض النفسي، بقوله "أقوم بالتقاط صور؛ لأنني أشعر أن كل لحظة هنا (لبنان) أو غزة هي لحظة خاصة وتاريخية".

ووفق "يديعوت أحرونوت"، هذا الجندي يعلم "ما يجوز تصويره وما لا يجوز"، وهو ما يشير إلى أن ما يقوم به مدعوم من قيادة الجيش، طالما يؤدي دوره تحت غطاء الدعاية الحربية الرسمية. ولفهم البعد النفسي والانتقامي لهذا الجندي، فإن شقيقه كان قد قتل في الأيام الأخيرة لحرب تموز 2006، وكأنه عاد لينتقم من اللبنانيين بعد 18 سنة، و"يتلذذ" بتدمير قرى وبلدات لبنانية، ويكتب لحظة تفجير منزل "صورتي المفضلة"! 

ويُعرّف الجندي تال نفسه بالـ"علماني"، بينما نشر صوراً لجنود آخرين وهم يؤدون صلوات تلمودية، ما يدل على أن عقيدة الانتقام والحقد يتوحد خلفها علمانيون ومتدينون في إسرائيل.

صور حزب الله.. لوقف الحرب
في المقابل، يواجه الخطاب الحربي لحزب الله رواية إسرائيل وفيديوهات جيشها من العمق اللبناني، بأكثر من وسيلة، ومن بينها أحدث خطاب لنائب أمينه العام نعيم قاسم، حيث قال فيه إن الحزب في موقف دفاعي، لا هجومي، وأن الحزب يريد تقدم القوات الإسرائيلية للوصول إلى مرحلة "الالتحام المباشر"، باعتباره "مفتاحاً لإنهاء الحرب". وهذا يعني ضمناً أن الحزب يريد أن يجعل من التوغل الإسرائيلي أداة ضغط على تل أبيب لوقف الحرب، عبر تكبيد قواتها خسائر كبيرة.

كما واصل الحزب البعث برسائل عبر تحويل حيفا إلى منطقة استراتيجية للقصف، وهو أمر دفع مراسل تلفزيون "مكان" العبري بالجبهة الشمالية، إلى القول إن حزب الله يبحث عن وسيلة ردع لمنع التقدم البري الإسرائيلي أكثر في جنوب لبنان. وربما بدت رسالة الحزب واضحة أيضاً، عبر نشره فيديو جديد التقطته مسيّرة "الهدهد"، موثقا مواقع إسرائيلية حساسة، في سياق تهديده بضربها إذا مضت إسرائيل في عمليتها بلبنان.. والدليل أنه لم يبادر إلى ضربها، وإنما التهديد بفعل ذلك، ما يؤشر إلى أن الحزب ما زال يريد الإبقاء على مساحات لوقف الحرب، عبر التسوية السياسية، ولا يريدها حرباً مفتوحة، رغم الضربات الشديدة التي تلقاها.

في المقابل، طرح مذيعون إسرائيليون في نشرات تلفزيونية، تساؤلات تدل على حالة عدم يقين من كل العملية، أبرزها: هل تحقق العملية البرية تقدماً أم ما زال "الإنجاز" محدوداً، وهل قصف الضاحية وبيروت يحقق إنجازاً أم مجرد الضرب فقط؟

ولعلّه سؤال تمرره بعض محطات التلفزة العبرية، بالرغم من الرقابة العسكرية التي تحدد سير المعالجات للحرب، ويقوم هذا السؤال على محاولة فهم بعض الأطياف الإسرائيلية سياق العدوان على لبنان، فهل هو مجرد انتقام من أجل الانتقام؟.. وبلا فائدة استراتيجية؟

ويبرز هذا السؤال لدى بعض الإسرائيليين؛ لأن الضربات الإسرائيلية لم توقف صواريخ حزب الله حتى الآن، ولم تقلل وتيرتها ومدياتها، ولم تمكن "سكان الشمال" من العودة إلى مناطقهم.