شقيق شيرين أبو عاقلة ببيروت محاطاً بالدعم:التحقيق لم يمُت
لم ينتظر ممثلو وسائل الإعلام اللبنانية أن يكشف أنطون ابو عاقلة، شقيق الشهيدة شيرين ابو عاقلة، مستجدات دراماتيكية حول قضية اغتيالها. يدقّق المتحلّقون حول الطاولة في غرفة اجتماعات "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، في ملامح أنطون. نبرة صوته. خيبته من تبدل اللهجة الأميركية حيال التحقيق. صلابته في مواجهة "التعنت الاسرائيلي". عزمه على المواجهة.
لم يكن لقاءً بين ممثلي وسائل الاعلام للسؤال عن مستجدات تابعوها بدقة، طوال عام، ولا عن مستقبل سيعبر بلا الصحافية الفلسطينية التي اغتالها الاحتلال الإسرائيلي، ولا عن اقتحامات لمخيم جنين طوال 13 شهراً، جرت من دون توثيق إعلامي، بعد اغتيال الشهيدة "بدم بارد".
اللقاء هنا، في بيروت، هو لقاء معنيين بالدم "انسانياً وأخلاقياً ومهنياً ووطنياً"، كما قال الاعلامي رامي الريّس في تقديمه. ولقاء عائلة شيرين الاعلامية في بيروت التي تربطها بها "صلة الحبر"، كما قالت الاعلامية مريم البسام. لقاء للأسرة الاعلامية اللبنانية التي حشدت أكثر من 40 صحافياً، لتوثيق التوق الإعلامي اللبناني للمحاسبة. وليس لمشاركة العائلة أحزانها، بقدر ما هو لمشاركتها نضالها لـ"وقف سياسية الاغتيالات الاسرائيلية، ومحاسبة المسؤولين عنها". بذلك، يكون قد تحقق "أهمّ إنجاز لتحقيق العدالة لشيرين"، كما قال شقيقها.
يعيد أنطون، التذكير بمسار القضية التي دحض الصحافيون فيها المزاعم الاسرائيلية، وأثبتوا اغتيالها عن قصد، قنصاً، وإطلاق 16 رصاصة قاتلة في اتجاه رأس شيرين وصدرها، رغم أنها كانت ترتدي سترة موسومة بشعار الصحافة. "اغتيالها لم يكن صدفة"، يقول انطون، وهو ما أثبته تحقيق علمي يقيس مسافة القناصة التي تناهز الـ200 متر. توحدت الصحافة العربية والدولية لإثبات الحقيقة، في مقابل "صحافة صفراء اسرائيلية"، لتثبت أن لدى الاحتلال "جيشاً"، أما المؤسسات المزعومة الأخرى من شرطة وقضاء وصحافة، "فهي فروع للجيش الذي يمارس سلطته بعنجهية".
عوّلت العائلة منذ اليوم الاول على المسعى مع الولايات المتحدة، كون شيرين تحمل الجنسية الأميركية أيضاً. استقبل وزير الخارجية، انطوني بلينكن، عائلة شيرين، واستمع الى ابن شقيقها الذي قال له: "السلاح الذي قُتلت به أميركي. كيف ستبرر للمجتمع الأميركي أنها قُتلت بسلاح أنتم تزودون اسرائيل به؟". وعد بلينكن بالمحاسبة، وصدر في 4 تموز/يوليو 2022 بيان عن السفارة في تل ابيب، يقول إن الرصاصة التي فُحصت، تضررت، ما يصعب حسم الجهة التي أطلقت النار، وأن القتل غير متعمّد.
يقول أنطون إن واشنطن تبنت الرواية الاسرائيلية، وأصدرت بيانها في العيد الوطني، مما حال دون أن يحقق الصدى المطلوب. وإثر مطالبة الخارجية بإعادة النظر في البيان، "وعدنا ببيان آخر بناء على تحقيق كان يُفترض أن تصدر نتيجته في شباط الماضي، لكن ذلك لم يحصل". ووصل الى البيت الابيض مع عبارة "سري جداً"، لمنع نشره.
اتجهت العائلة الى أوروبا والولايات المتحدة، "لأننا لا نثق في التحقيقات الاسرائيلية، ولم نرَ شفافية في اي ملف متصل بارتكابات الاحتلال". يأسف لـ"المعايير المزدوجة" حين تصل الأمور الى الاحتلال، لكن العائلة لن تتوقف عن الضغط. "نقوم بجهد للضغط، رغم الألم، لتعرف اسرائيل إن هناك من يحاسبها على ارتكاباتها، ولن تمر جريمة بلا محاسبة". هذا الهدف، لن يعوض خسارة شيرين، لكن تحقيق العدالة لها "سيكون بوقف سياسية الاغتيالات ومحاسبة المسؤولين عنها".
تسير كل الملفات دفعة واحدة، من دعويَين أمام "الجنائية الدولية" التي "لا تقوم بدورها كما يجب"، إثر "تأخير في التحرك" ومماطلة. ويقول أنطون رداً على سؤال "المدن" عن خيارات العائلة والجهات التي تتحرك في اتجاهها، "أنجزنا أموراً سنكشف عنها بوقتها".
يوضح أنطون: "إننا كعائلة نمضي من اليوم الاول في اتجاه تحقيق المحاسبة. الامور ليست سهلة بالطبع، لأننا في مواجهة حكومة احتلال جبارة تسيطر على الصحافة والقضاء، لكن بمساعدة حقوقيين يتحركون معنا في اتجاهات متعددة، بتنا قادرين على الكلام بأمور أوسع لن نكشف عنها لحساسيتها".
ويؤكد "اننا لم نتوقف عن التحرك، وهناك دعم كبير للعائلة يشمل عدداً كبيراً من السيناتور الأميركيين"، معرباً عن اعتقاده أن هذا الدعم الاميركي "هو سبب رئيس ليُفتح التحقيق مرة أخرى من قبل وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو ما أدى الى تقدمّ كبير"، لافتاً الى إن فتح تحقيق "يعني أن هناك شخصاً مهتماً بالموضوع، بمعزل عن النتائج"، لكنه مرتاح للمسار القضائي، واعداً بأنه "في وقت قريب جداً ستكون هناك نتائج".
أحاط أنطون مُستقبليه بالتفاصيل والمستجدات، وأُحِيط في المقابل، بالدعم والأمل. يتشارك الجسم الصحافي الهواجس من غياب المحاسبة التي تزداد تعقيداً في حالة الصحافيين الفلسطينيين. استشهادها "بعملية مدبرة"، يحول اغتيالها الى "قضية كل العرب"، كما قال المحامي الدكتور سعيد مالك، ويضيف: "بإسقاط شيرين ذهبنا الى محاولة إسكات الصحافة والرأي وأهل القلم". يسير النضال الإعلامي على هذا الجانب، على أمل التوحد لمواجهة التحدي، وتبقى "الجريمة ضد الانسانية" موثّقة في كتاب وزعته "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، يتضمن سجلاً توثيقياً لاستشهاد شيرين أبو عاقلة.