العالم يريدنا أن نبتسم فيما يقتلنا بتحضُّر
العالم يريد تهذيبنا. العالم يريد تشذيب انفعالاتنا وتلميع أحاسيسنا. يريدنا نسخة مكررة عن بعضنا البعض، ويريدنا أن نبتسم ونمارس التأمل على مدار الساعة كتقنية دفاعية عن وحشية هذا العالم. العالم صمم خوارزمياته بحيث تطرد منه أي خلل ولو حتى على شكل عبسةٍ.
اجتمع مصممو خوارزميات العالم ورسموا، ثم صدّروا وعمّموا تصميماتهم لهذا العالم والصفات التي يجب أن نتبناها لتجعل منّا أشخاصاً متمدنين نليق بمجتمعاته التي لا نعرفها.
الغضب والكراهية ليستا من صفات الكائن المتحضر الذي يفترض أن ينتمي لهذا العالم. التعبير عن الغضب والكراهية ليس من أفعال الكائن المتمدن.
سيكسرنا هذا العالم كل يوم ليجلِّسنا على ذائقته: كائنات عالمية، لنا ضحكات متشابهة، نخاف على القطط والكلاب من بيئتها، نرتدي الأزياء نفسها، ونحمل أكواب قهوتنا في طريقنا إلى العمل، ننقطع عن أكل اللحوم، نمارس اليوغا، وندعو لأن يحل السلام في العالم كما تفعل المرشحات في مسابقات ملكات الجمال.
قرر لنا العالم أن الكراهية لم تعد تليق بإنسانياتنا. نحن كائنات اصطفانا هذا العالم وقبِل باستمرارنا فيه، واشترط علينا في المقابل أن نُسقط عنّا هذا النوع من المشاعر. الكراهية، glitch، في matrix العالم حيث نعيش.
وعلينا، لنبقى جزءًا من هذا العالم ولكي يرضى عنا، أن نتقبل هزائمنا كمصير. ونكتفي بما يعطينا إياه، وإن نقص يوماً بعد يوم.
علينا أن نضلّ الطريق نحو مشاعرنا الأصلية، ونستعمل لوصفها مفردات أخرى لا تسيء إلى أحد ولا تعبّر عن شيء. لقد تم رسم وهندسة وترويج نسخٍ مخفّفة من المشاعر، لا يجب على مَن يريد الالتحاق بسفينة هذا العالم تجاوزها.
والمشاعر الإنسانية التي يروّج لها هذا العالم صارت تُختزل في الهدوء والاتّزان وفي خطاب يدعو للتسامح والغفران وتقبل الآخر، إلا ذاك الآخر الغاضب. فالإنسانية التي يسعى العالم لتعميم قيمها لا مكان فيها للغضب، فقط القبول والرضى. يطلب منّا أن نرتقي، ويذكرنا برحلة الإنسان الطويلة نحو التمدن والتي لا يفترض بنا تلويثها بردود أفعالنا على أفعاله فينا.
يحولنا هذا العالم إلى ممارسة خطاب خالٍ من ردود أفعال متطرفة أمام أفعال أكثر تطرفًا. ويطلب من الضحايا أن "يكبّروا عقولهم" وأن "يتمدنوا"، أثناء محاولة استعادة حيواتهم أو حتى أمام محاولة الانتقام لحيواتهم التي سلبت وتسلب منهم كل يوم، وقبلها يُسقط عنهم صفة الضحية والمُعتدى عليهم، فينكر عليهم الحق في الغضب... أو فليقتصر الغضب على حلقات نقاش لا يسمع عنها العالم شيئاً، ولا تحقق للضحايا شيئاً إلا تعميق حصارهم.
العالم يطلب من الضحايا أن يكونوا إنسانيين أمام الوحشية التي أسقط العالم عنها صفة الوحشية لمجرد أنها أصبحت واقعاً.
هذا العالم لم يقف أمام حصار غزة، ولا أمام إلغاء كل احتمالات الفلسطينيين، ولا أمام المعابر، ولا أمام هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ولا أمام التعقيدات اليومية للغزاويين، ولا أمام الحد الأدنى من مقومات حياتهم وموادها الأولية... بل أن هذا العالم يطالب المُحاصَرين أن يتعاملوا مع لا-إنسانية واقعهم، بإنسانية، ومع وحشية عدوهم بتمدّن.
يتجاهل هذا العالم، السياق التاريخي لرد الفعل، ويطالب الفلسطيني باتّباع لائحة مشاعر وسلوكيات العالم التي حددها له في التعامل مع هذه اللا-إنسانية.
ويقول لنا معتنقو قواعد العالم الجديد أن علينا أن نخنق فرحنا بالخسائر التي يتكبدها مَن يزيد خسائرنا على مدار الساعة، لأن فرحنا لا ينسجم مع خطاب التمدن والتسامح، وأن علينا تقبّل هذه الخسائر كي نلتصق بالإنسانية النظيفة، كي نلتصق بالعالم الذي يخلق مفردات جديدة ومشاعر جديدة ويلزمنا باستخدامها بصوابية كي نبقى جزءاً منه.
متى أُسقطت الكراهية من المشاعر الإنسانية؟ ومتى وصلت رحلتنا إلى عالم خالٍ من الظلم لنعتبر أن الكراهية غير مبررة في مسيرتنا الإنسانية، وأنها أصبحت صفة فائضة؟
نسبة التمدن التي وصلت إليها البشرية، لم تخلُ يوماً من الظلم، بل كان الظلم دائماً جسرَ عبور نحو التمدن. فاقتران الإنسانية الخالية من الكراهية وتوابعها، بالتمدن، بدعة اخترعها هذا العالم الذي يكرهنا ويصعّب شروط انضمامنا إليه.
بإمكان الكراهية التي بتنا نخاف من التعبير عنها، أن تحقق ما لم تحققه الإنسانية المزعومة. الكراهية أصيلة في الإنسانية، فلماذا يجب أن نختنق بكراهيتنا، وأن نبلعها؟ لماذا لا نبصقها في وجه هذا العالم؟
هذا العالم الداعي إلى الحب والتسامح ونبذ الدفاع عن النفس، لن يكون للفلسطيني مكان فيه، ولن يتمكن من التعرف عليه. ليس لأن الفلسطيني لا يريد، لكن لأن أمامه معابر لن ينجح في عبورها. معابر، لا مشكلة لدى هذا العالم بوجودها طالما أنها بعيدة عنه. معابر، يجب على الفلسطيني التعامل معها بتمدّن، وأن يحاول يوماً بعد يومٍ بعد آخر، عله ينجح في عبوره، وإن لم ينجح فهذا قدره ومصيره. ولقاء تمدّنه، سيطبع هذا العالم نجمة وسط جبينه على شكل رصاصة.
اجتمع مصممو خوارزميات العالم ورسموا، ثم صدّروا وعمّموا تصميماتهم لهذا العالم والصفات التي يجب أن نتبناها لتجعل منّا أشخاصاً متمدنين نليق بمجتمعاته التي لا نعرفها.
الغضب والكراهية ليستا من صفات الكائن المتحضر الذي يفترض أن ينتمي لهذا العالم. التعبير عن الغضب والكراهية ليس من أفعال الكائن المتمدن.
سيكسرنا هذا العالم كل يوم ليجلِّسنا على ذائقته: كائنات عالمية، لنا ضحكات متشابهة، نخاف على القطط والكلاب من بيئتها، نرتدي الأزياء نفسها، ونحمل أكواب قهوتنا في طريقنا إلى العمل، ننقطع عن أكل اللحوم، نمارس اليوغا، وندعو لأن يحل السلام في العالم كما تفعل المرشحات في مسابقات ملكات الجمال.
قرر لنا العالم أن الكراهية لم تعد تليق بإنسانياتنا. نحن كائنات اصطفانا هذا العالم وقبِل باستمرارنا فيه، واشترط علينا في المقابل أن نُسقط عنّا هذا النوع من المشاعر. الكراهية، glitch، في matrix العالم حيث نعيش.
وعلينا، لنبقى جزءًا من هذا العالم ولكي يرضى عنا، أن نتقبل هزائمنا كمصير. ونكتفي بما يعطينا إياه، وإن نقص يوماً بعد يوم.
علينا أن نضلّ الطريق نحو مشاعرنا الأصلية، ونستعمل لوصفها مفردات أخرى لا تسيء إلى أحد ولا تعبّر عن شيء. لقد تم رسم وهندسة وترويج نسخٍ مخفّفة من المشاعر، لا يجب على مَن يريد الالتحاق بسفينة هذا العالم تجاوزها.
والمشاعر الإنسانية التي يروّج لها هذا العالم صارت تُختزل في الهدوء والاتّزان وفي خطاب يدعو للتسامح والغفران وتقبل الآخر، إلا ذاك الآخر الغاضب. فالإنسانية التي يسعى العالم لتعميم قيمها لا مكان فيها للغضب، فقط القبول والرضى. يطلب منّا أن نرتقي، ويذكرنا برحلة الإنسان الطويلة نحو التمدن والتي لا يفترض بنا تلويثها بردود أفعالنا على أفعاله فينا.
يحولنا هذا العالم إلى ممارسة خطاب خالٍ من ردود أفعال متطرفة أمام أفعال أكثر تطرفًا. ويطلب من الضحايا أن "يكبّروا عقولهم" وأن "يتمدنوا"، أثناء محاولة استعادة حيواتهم أو حتى أمام محاولة الانتقام لحيواتهم التي سلبت وتسلب منهم كل يوم، وقبلها يُسقط عنهم صفة الضحية والمُعتدى عليهم، فينكر عليهم الحق في الغضب... أو فليقتصر الغضب على حلقات نقاش لا يسمع عنها العالم شيئاً، ولا تحقق للضحايا شيئاً إلا تعميق حصارهم.
العالم يطلب من الضحايا أن يكونوا إنسانيين أمام الوحشية التي أسقط العالم عنها صفة الوحشية لمجرد أنها أصبحت واقعاً.
هذا العالم لم يقف أمام حصار غزة، ولا أمام إلغاء كل احتمالات الفلسطينيين، ولا أمام المعابر، ولا أمام هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها، ولا أمام التعقيدات اليومية للغزاويين، ولا أمام الحد الأدنى من مقومات حياتهم وموادها الأولية... بل أن هذا العالم يطالب المُحاصَرين أن يتعاملوا مع لا-إنسانية واقعهم، بإنسانية، ومع وحشية عدوهم بتمدّن.
يتجاهل هذا العالم، السياق التاريخي لرد الفعل، ويطالب الفلسطيني باتّباع لائحة مشاعر وسلوكيات العالم التي حددها له في التعامل مع هذه اللا-إنسانية.
ويقول لنا معتنقو قواعد العالم الجديد أن علينا أن نخنق فرحنا بالخسائر التي يتكبدها مَن يزيد خسائرنا على مدار الساعة، لأن فرحنا لا ينسجم مع خطاب التمدن والتسامح، وأن علينا تقبّل هذه الخسائر كي نلتصق بالإنسانية النظيفة، كي نلتصق بالعالم الذي يخلق مفردات جديدة ومشاعر جديدة ويلزمنا باستخدامها بصوابية كي نبقى جزءاً منه.
متى أُسقطت الكراهية من المشاعر الإنسانية؟ ومتى وصلت رحلتنا إلى عالم خالٍ من الظلم لنعتبر أن الكراهية غير مبررة في مسيرتنا الإنسانية، وأنها أصبحت صفة فائضة؟
نسبة التمدن التي وصلت إليها البشرية، لم تخلُ يوماً من الظلم، بل كان الظلم دائماً جسرَ عبور نحو التمدن. فاقتران الإنسانية الخالية من الكراهية وتوابعها، بالتمدن، بدعة اخترعها هذا العالم الذي يكرهنا ويصعّب شروط انضمامنا إليه.
بإمكان الكراهية التي بتنا نخاف من التعبير عنها، أن تحقق ما لم تحققه الإنسانية المزعومة. الكراهية أصيلة في الإنسانية، فلماذا يجب أن نختنق بكراهيتنا، وأن نبلعها؟ لماذا لا نبصقها في وجه هذا العالم؟
هذا العالم الداعي إلى الحب والتسامح ونبذ الدفاع عن النفس، لن يكون للفلسطيني مكان فيه، ولن يتمكن من التعرف عليه. ليس لأن الفلسطيني لا يريد، لكن لأن أمامه معابر لن ينجح في عبورها. معابر، لا مشكلة لدى هذا العالم بوجودها طالما أنها بعيدة عنه. معابر، يجب على الفلسطيني التعامل معها بتمدّن، وأن يحاول يوماً بعد يومٍ بعد آخر، عله ينجح في عبوره، وإن لم ينجح فهذا قدره ومصيره. ولقاء تمدّنه، سيطبع هذا العالم نجمة وسط جبينه على شكل رصاصة.