وفاة ريّان لا تحجب تخبّط الإعلام وأزماته
غرق سكان العالم في الخيبة، إثر الإعلان الرسمي عن وفاة الطفل المغربي ريان الذي استغرقت عملية انتشاله من البئر خمسة أيام، عاش العالم خلالها تفاصيل آلام الطفل وعائلته، فابتهلوا وحبسوا أنفاسهم على نية انقاذه، قبل أن يَخيب أملهم بإعلان وفاته.
أتمت السلطات المغربية ما عليها من واجب، استنفاراً ومواكبة لحدث إنساني بات الاول عالمياً خلال اليومين الاخيرين، وبثت أملاً ضئيلاً كان يتراجع مع كل تقدير حول حركته، من غير أن تنزلق الى التراخي وإشاعة الأوهام أو قطع الأمل، في إدارة متماسكة للأزمة.
غير أن هذا الحزن الذي لفّ العالم، بسبب النهاية المأساوية، لا يحجب الضوء عن التخبّط الاعلامي الذي اعترى تغطية الحدث، فحوّلها الى مادة للأخبار الزائفة، وفرصة لتحقيق سبق صحافي على أنفاس الطفل وجسده المتجمّد في صقيع قاربت حرارته الأربع درجات مئوية ليلاً.
على مدار يومين، سابق بعض وسائل الاعلام، أمنيات الناس وعجلتهم لمعرفة نهاية الحدث. روّجت وسائل إعلام لأوهام إنقاذه، ثم نفيها وتصويبها، والانزلاق مرة أخرى الى شائعات وأخبار زائفة، تحت ضغط الإلحاح الشعبي، ونفيه مرة أخرى... ضمن دائرة مقفلة من الشائعات، لعبت وسائل الاعلام على مشاعر المشاهدين، بالدعوة الى انتظار ساعة أو ساعتين، أو بالقول إن الحفر يحتاج الى بضعة أمتار، وصولاً الى ضبابية لفت حالته الصحية لحظة إنقاذه، لم يكن لأي متحدث أن يعلن حقيقتها، قبل الإعلان الرسمي.
والحال ان ترويج الأوهام، ناتج عن تقديرات وأخبار غير موثوقة تُستقى من مواقع التواصل وحسابات إلكترونية مجهولة. تحت هاشتاغ "أنقذوا ريان"، مئات آلاف التغريدات التي تختلط فيها الأمنيات مع الوقائع والأخبار المضللة. صور مجهولة المصدر، ومقاطع فيديو لأحداث مماثلة حول العالم، دفعت لترويج أخبار مثل منحه جرعة أوكسيجين أو ماء، أو استنباط دَقّات قلبه ورصد أنفاسه.. وهي معلومات غير صحيحة، سرعان ما كانت تُنفى، أو تبقى محل شكوك على الاقل.
الضغط الهائل في ترويج الأخبار المضللة، دفع كبرى وسائل الاعلام لتصويب أدائها عبر حصر مصادرها بالنقل عن الاعلام الرسمي أو متحدثين رسميين. مثّل هذا التحوّل تصويباً لأداء متخبّط، فأعيد ضبط المعلومات الإعلامية عبر النقل من البث المباشر في مواقع الكترونية مغربية وصفحات مواقع التواصل. وحدة المصدر، أنهت حالة الفوضى التي سرت الى حد كبير، فتغيّر خطاب مستخدمي مواقع التواصل من نقل المعلومات الى حصر المشاركة بالأمنيات، والاعلان عن انتظار النهاية.
اللافت في حملة التضامن، أنها ألغت التناقضات السياسية ووحدت مستخدمي "السوشيال ميديا" تحت عنوان انساني. أسقط البعض خيبة النهاية المأساوية على خيبات بلاده، من معاناة ضحايا انفجار مرفأ بيروت، الى معاناة أطفال سوريا وفلسطين وغيرهم.. كل العرب وقعوا في بئر مشابهة لحفرة ريان. كل حفرة على قياس شعب ومآسيه، ولم يجد نهاية سعيدة لها حتى الآن.