ألمان يتضامنون سراً مع مصروفي "دويتشه فيله"..خوفاً من الطرد
دخل الإعلام الألماني مرحلة أكثر حدّة اتجاه الآراء المناهضة للإحتلال الإسرائيلي، وكأنها تندرج في سياق "التطهير على أساس الرأي"، وذلك حينما ذهبت مؤسسة "دويتشه فيله" إلى "حملة لطرد كل من يُنكر الإحتلال وممارساته بحق الشعب الفلسطيني"، ولو على صفحته الفايسبوكية.
تمثل "التطهير" بفصل سبعة من صحافييها، بينهم عرب وفلسطينيون، والتحقيق مع أحد عشر آخرين، الآن، بحجة "معاداة السامية" و"إنكار حق إسرائيل بالوجود". ناهيك عن وقف تعاون وشراكات مع وسائل إعلام عربية وفلسطينية، مثل تلفزيون "فلسطين"، وشبكة "معاً" الإخبارية، للأسباب ذاتها.
الخطورة بالأمر، أن الصحافيين العاملين بمؤسسة "دويتشه فيله" بدوا وكأنهم يمارسون على أنفسهم "رقابة ذاتية" على نحو غير مسبوق، وهو ما تؤكده الإعلامية الفلسطينية مرام سالم، والتي تُعدّ أحد المفصولين، عبر منشور كتبته في "فايسبوك": "بتعرفوا كم صحفي/ة ألماني أو غير ألماني اتصلوا بي للإطمئنان ع صحتي وع وضعي.. وبنهاية المكالمة، طلبوا مني ألا أذكر بأنهم تواصلوا معي!". وأضافت مرام أنّ "هذه الجملة من المعتاد أن نسمعها فقط في دولة قمعية. وليس بسبب وسيلة إعلام دولية تنادي بالحريات!".
وأكد موظف في مؤسسة "دويتشه فيله" لـ"المدن" ما أشارت إليه مرام سالم حول الظروف الصعبة التي تعايشه المؤسسة الإعلامية الألمانية، لدرجة أنه يتخوف أن يلقى المصير نفسه. ولذلك، فإنه هجر فايسبوك قبل أشهر، لإعتباره مساحة لـ"التجسّس" على آراء ومنشورات الصحافيين على مدار سنوات، حتى تلك التي كتبوها قبل العمل في "DW".
وقالت مرام سالم لـ"المدن"، إنها تعرضت لتحقيق داخلي (من المؤسسة)، وآخر خارجي أجرته وزيرة العدل الألمانية السابقة، وطبيب نفسي يُدعى أحمد منصور (يحمل جنسية إسرائيلية وألمانية، ومعروف بمواقفه المتشددة ضد الفلسطينيين والمسلمين في ألمانيا)، حسب مرام.. فضلاً عن أن زوجة الأخير، هي التي كتبت بروتوكول التحقيق. وهو ما دفع مرام سالم إلى اعتبار اللجنة غير حيادية وغير مهنية، ويشوبها "تضارب مصالح".
ووقعت وسائل الإعلام الألمانية في سقطة مهنية، عندما قامت بنشر أسماء الصحافيين والتشهير بهم، من دون أي سند مهني أو قانوني، علاوة على أخذها برأي لجنة التحقيق الخارجية، فقط، وإنكار وجهة نظر الصحفيين المفصولين.
وأوضحت مرام سالم أنه تم التحقيق معها بشأن منشور كتبته في صفحتها في فايسبوك، وقد انتقدت فيه واقع حرية الرأي والتعبير في أوروبا باعتباره "وهماً"، على حد تعبيرها، حينما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو مواضيع معينة. وشددت على أنها في المنشور المذكور، لم تدعُ إلى الكراهية ولم تنتقد إسرائيل.
الواقع، أن الإشكالية تكمن الآن، بمنظور نشطاء ومراقبين للإعلام الألماني، بأن معالجاته للموضوع الفلسطيني يشوبها الإنحياز المكشوف لإسرائيل، لدرجة أن أحد المعلقين على خبر فصل الصحافيين في فايسبوك، رأى أن "ألمانيا تُهدئ ضميرها تجاه حقبة (المحرقة النازية) والضحايا اليهود الأوّلين، عبر خلق ضحايا جدد، ألا وهم الفلسطينيون". وتجسد الإنحياز بقيام صحافيين من "DW" بوضع "شارة الإعجاب" بمنشورات دعائية على صفحة "إسرائيل بالعربية" في فايسبوك، وكذلك للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. وهنا يتعاظم السؤال: "هل يريد الإعلام الألماني الإبقاء على صحافيين إما يحملون توجهاً بلون انحيازي واحد؟، أو أن يؤدوا مهمتهم بصمت؟".
ثمةّ أمر غامض في هذه القضية، ألا وهو: ما هي خلفية تحريك المياه الراكدة في ملف الرأي الشخصي ضد ممارسات الإحتلال الإسرائيلي في ألمانيا؟ وهل جاء التحرك بفصل الصحافيين، بعد تقرير لصحافي ألماني، يتهم فيه مؤسسة "دويتشه فيله" بتوظيف صحافيين "معادين لإسرائيل وللسامية"؟! أم، يندرج في إطار توجه ألماني وربما غربي "أكثر حسماً" لكبح الإنتقادات الموجهة لممارسات إسرائيل؟
والحال إن المفارقة المؤلمة، أن يكون صحافيون إسرائيليون أكثر جرأة من إعلام ألمانيا وغيرها، في إدانة ممارسات الإحتلال، ثم لا يتم فصلهم من وسائل الإعلام العبرية التي يعملون بها، كما تفعل "دويتشه فيله". ويُشار هنا، إلى منشور كتبه المراسل العسكري الإسرائيلي لإذاعة "مكان" إيال عاليما، في صفحته الفايسبوكية، قبل شهرين، حيث طالب إسرائيل، في منشوره، بالإعتراف بنكبتها تجاه الشعب الفلسطيني الذي لا يزال تحت الاحتلال". والنتيجة، أن عاليما لم يُفصل من عمله، ولم يُعتبر "مُعادياً للسامية".
كما ولم تُصنف صحيفة "هآرتس"، بـ"معادية للسامية"، عندما طالبت، مؤخراً، برفع الرقابة العسكرية عن كافة التفاصيل الخاصة بالجرائم والمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في القرى الفلسطينية عام 1948، بعد كشف النقاب على معلومات جديدة بهذا الخصوص.
ثم، ألا تدرك "دويتشه فيله" بأن الفلسطينيين والعرب هم أيضاً ساميون كما اليهود، أي من جذر واحد؟ فلماذا تساهم في الإستيلاء على هذا التعبير وتخصّه بالإحتلال الإسرائيلي؟ ألا تُعدّ هذه فوقية ألمانية على أساس سياسي، لا تاريخي وحضري؟
ذهب صحافيون ووسائل إعلام فلسطينية للردّ على خطوة الشبكة الألمانية، بإيقاف التعامل معها، وبث برامجها، تضامناً مع الصحافيين المفصلومين، واحتجاجا على تقويض حرية الرأي والتعبير الذي تمارسه.