الجريمة المعلوماتية السورية تتطور: "التعامل" مع صفحات مشبوهة!
لم يعد النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وحده، جريمة تستوجب الاعتقال في سوريا الأسد، بل بات التعامل مع "الصفحات المشبوهة" جريمة مشابهة تستوجب "المسؤولية القانونية والجزائية" وتعرض السوريين لأخطار أمنية، لكن تلك التهمة تتمتع بميوعة ومرونة كبيرة يمكن للسلطات السورية بفضلهما من ملاحقة كل من تريد لعدم وجود محددات واضحة أصلاً لمعنى تلك الصفحات.
وقال رئيس فرع الجريمة الإلكترونية في الأمن الجنائي بوزارة الداخلية التابعة للنظام السوري، العقيد لؤي شاليش، في تصريحات لوسائل إعلام موالية أن "مسؤولية التمييز بين الصفحات المشبوهة وغير المشبوهة هي مسؤولية فردية"، مضيفاً أن الصفحة التي تسأل عن طبيعة عمل الشخص مثلاً توجّه طلباً مشبوهاً، إضافة إلى أن الصفحات غير معروفة العائدية والتي تطلب معلومات وتتحدث بالشأن العام هي صفحات مشبوهة على حد وصفه.
وبحسب تصريحات شاليش الجديدة فإن "الصفحات المشبوهة" تعود لأشخاص مقيمين في الخارج ولديهم أجندات معروفة ومن المعروف من يحركهم ويطلبون التواصل مع المستخدمين، مشيراً إلى أن المسؤولية الكبيرة تقع على عاتق من يستخدم الشبكة لمعرفة المواقع المشبوهة. وقال أن تحديد الصفحات المشبوهة بالاسم شبه مستحيل نظراً لسهولة إنشاء موقع أو صفحة جديدة، مشيراً إلى أن إفشاء أسرار حكومية أو معلومات تخص الوظيفة العامة يعد جرماً، وحتى إعطاء معلومات شخصية لصفحات مشبوهة يعرّض الشخص للخطر!
وكان شاليش قال في شباط/فبراير الماضي بعد اعتقال مجموعة من المواطنين السوريين من بينهم صحافيون ومذيعة في التلفزيون الرسمي، ما معناه أن النشر في مواقع التواصل الاجتماعي، من دون الاستناد إلى مصدر رسمي، جريمة تستوجب الاعتقال، ولم يكن ذلك التعريف جديداً تماماً لكنه كان مرتبطاً بحالات محددة مثل النشر عن سعر صرف الليرة السورية أو المعلومات الخاصة بفيروس كورونا.
وحتى عند تعرض السوريين للابتزاز الإلكتروني أو الاختراق، فإن تلك الجريمة يتحملها المستخدم لا المقرصن بحسب شاليش، بسبب إهمال إجراءات الحفاظ على الخصوصية! علماً أنه تم تنظيم 600 ضبط خاص بالجريمة الإلكترونية هذا العام في دمشق عدا الأقسام الموزعة في المحافظات، وأن 60% من الضبوط تتعلق بالسب والشتم والتشهير عبر الشبكة.
وفي بلد تختنق فيه الحريات أكثر من أي وقت مضى، فإن الانتقادات والشكوى في مواقع التواصل من الحياة السيئة نفسها، وليس من النظام المتسبب بها، بات جريمة أيضاً، حيث اعتقل العشرات في الأعوام الأخيرة لمجرد كتابات منشورات يشتكون فيها من طوابير الخبز أو غلاء الأسعار. ويعزو النظام تلك الاعتقالات في تصريحات نادرة بشأنها إلى كونها تشهيراً بمسؤولين رسميين بشكل يتخطى النقد الإيجابي.
وقال شاليش هنا أن "النقد حين يكون إيجابياً وبنّاءً فهو ليس جرماً بل حاجةً وأنه أحد مبادئ حزب البعث" مضيفاً أنه "يجب التفريق بين النقد وبين التشهير الذي لا يستند إلى مصداقية أو معلومات وإن كان كذلك فهو يتضمن قدحاً أو إساءةً لأشخاص معينين".
وأثارت تصريحات شاليش استياء في مواقع التواصل الموالية التي تشهد تضييقاً على الناشطين الموالين الذين يريدون الحديث عن الفساد ويتم اعتقالهم. وكتب يونس سليمان مؤسس مجموعة "مواطنون مع وقف التنفيذ": "رئيس فرع الجرائم المعلوماتية أشهد بمهنيتك وانسانيتك لكن القانون غلط وغير دستوري وغير انساني. لا توجد جريمة لمن ينقد الفساد ولا لمن يسمي وزير او مدير. هذه بدعة ابتدعها الفاسدين". وأضاف سليمان الذي اعتقل مرات عديدة في السابق: "لا حياة خاصة لمسؤول بعيداً عن منصبه بما انه ارتضى المسؤولية فلا حق له بالخصوصية لا هو ولا أفراد أسرته. إذا أراد الخصوصية فليخرج من المسؤولية. لأن نهب المال بصير عندو خصوصية وحرية شخصية والتقصير أيضاً".