النظام السوري يُعادي إيلون ماسك أيضاً؟!
انضم المياردير الأميركي وأحد أباطرة التكنولوجيا، إيلون ماسك، إلى لائحة أعداء النظام السوري، على ما يبدو، ليس بسبب المواقف الأيديولوجية من الرأسمالية والنيوبرالية التي يهوى محللو النظام الحديث عنها في الشاشات الرسمية، بل بسبب مشروع "سبيس إكس" الذي يهدف في أحد جوانبه لتوفير الإنترنت المجاني للعالم عبر الأقمار الاصطناعية.
وفيما يعتبر ذلك الموقف متوقعاً من قبل نظام ديكتاتوري يفرض رقابة واسعة على الإنترنت ويقيد حرية الأفراد عموماً، فإن التبرير لذلك العداء كان كوميدياً رغم أخذه شكلاً رسمياً عبر توقيع "الدولة السورية" على عريضة للأمم المتحدة ضد مشروع "سبيس اكس" الذي أطلق عدداً كبيراً من الأقمار الصناعية منذ العام 2015، بحجة أن تلك الأقمار "تسبب تشوهاً في منظر السماء وتعيق حركة رصد النجوم والأقمار".
التبرير السابق جزء من تصريحات رئيس الجمعية الفلكية السورية محمد العصيري، نقلتها وسائل إعلام موالية، أكمل فيها أن تلك الأقمار الاصطناعية "تشكل تهديداً وخطراً على أي مهمة لقمر صناعي في الفضاء أي أصبح لدينا تهديد إضافي وخطراً على مهمات الفضاء حتى وكالة الفضاء الدولية"، مؤكداً أن الانترنت المجاني يحمل كماً هائلاً من الإعلانات والأمور التي لا يرغبها الناس حسب تعبيره.
وبالطبع فإن الاستياء السوري الرسمي لا علاقة له بالطبيعة ولا الرصد الفلكي وغيرها من الترهات التي يكررها النظام على المستوى الإعلامي، بل يرتبط حتماً بعداء النظام السوري للإنترنت وحرية التعبير في البلاد، وخوفه مما قد يفرزه الإنترنت المجاني من خرق للمنظومة التي يحجب فيها النظام المعلومات في البلاد، عبر سلسلة من الإجراءات التي تبدأ بنظام الباقات المكلف وصولاً للعقوبات التي تطال المدنيين بسبب نشاطهم الإلكتروني وفق قانون مكافحة جرائم المعلوماتية.
وفي العموم، أثارت تصريحات العصيري سخرية واسعة بين السوريين في مواقع التواصل، وأعادت إحياء الحديث عن نوعية الإنترنت الموجودة في سوريا مقارنة بدول العالم. وعليه حاول النظام امتصاص مشاعر الاستياء بتصريحات لنائب رئيس الجمعية الفلكية السورية عبد العزيز سنوبر، اعتبر فيها أن تصريحات مديره "غير دقيقة"، ملقياً كالعادة باللوم على الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في نقل الشائعات، وهو أسلوب بات يعتمده النظام منذ نحو عامين عند نفي أي معلومة تشوه صورة الحياة المستقرة في البلاد.
وقال سنوبر أن سوريا لم تتقدم بشكوى ضد الشركة بل أن الاتحاد الدولي للفلك، والجمعية الفلكية السورية عضو فيه، هو الذي رفع دعوى على "سبيس إكس"، رغم أن تصريحات العصيري السابقة كانت شديدة الوضوح بهذا الصدد، ما استتبع مزيداً من السخرية والاستياء من هذا الأسلوب في استغباء الجمهور السوري.
وإلى جانب الاستياء من الخدمة المتردية وسرعة الإنترنت المنخفضة، فرض نظام الباقات العام 2020 رقابة غير مباشرة على الإنترنت، لأن المستخدم يتمكن من الحصول على إنترنت يكفيه لتصفح بعض المواقع الأساسية والسوشيال ميديا، لكنه بات في خوف دائم من تجاوز حد الاستهلاك بسبب العامل الاقتصادي والفاتورة التي ستنتظره. وبالتالي بات يفرض رقابة ذاتية على نفسه عن مشاهدة مقاطع الفيديو مثلاً، أو تصفح مواقع "غير مرغوبة من قبل النظام"، والتي تُفرض عليها بعض القيود التقنية التي تجعل تصفحها ثقيلاً وبطيئاً ما يزيد في الاستهلاك بالضرورة، من دون أن تضطر سلطات النظام لاستعمال الحجب بمعناه التقليدي المعروف قبل العام 2011.
ويعزو مسؤولو النظام سوء الخدمة في البلاد، أحياناً لقصص خيالية، كأسماك القرش في البحر المتوسط، التي تتسبب بالانقطاعات المستمرة في الخدمة. ويعود ضعف الانترنت فعلياً لأسباب تقنية متعلقة بسوء البنية التحتية الخاصة بالشبكة، وأخرى سياسية عندما يرى النظام حاجة في خنق المساحة الضئيلة للتعبير التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي.
وتبدأ سرعة خطوط الإنترنت في سوريا من رقم محرج، هو 512 ك بت/ثا، وصولاً إلى 24 ميغا بت/ثا. لكن أقصى سرعة فعلية متوفرة حالياً في سوريا تقف عند حاجز 18 ميغا بت/ثا، حسب مواقع متخصصة في مراقبة الإنترنت. لكن متوسط سرعة الإنترنت في المجمل يبلغ 768 ك بت/ثا وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 4.6 ميغا بت/ثا، كما لا تتوافر خدمات الإنترنت في كافة المناطق السورية، وهو أمر لا علاقة بالثورة والحرب في البلاد به، بل هي خاصية قديمة، وبحسب تصريحات عضو مجلس إدارة "الشركة السورية للاتصالات" زياد عربش، لوسائل إعلام رسمية العام 2019، يتقاسم كل 5 مشتركين بالإنترنت بوابة "ADSL" واحدة.
وتشير معطيات وزارة الاتصالات إلى أن تطبيق "واتس اب" وموقع "فايسبوك" هما الأكثر استخداماً لتبادل المعلومات في سوريا، مقارنة مع التطبيقات الأخرى كـ"يوتيوب" و"تويتر"، كما يكشف تحليل الحزمة الدولية لمستخدمي الإنترنت أن 70 في المائة من المستخدمين يعتمدون على تطبيقات التواصل الاجتماعي، علماً أن النظام حجب المواقع الإباحية في البلاد العام 2018 بحجة "حماية المجتمع".