هل يدعم ماهر الأسد طموح أسماء للرئاسة؟
خصصت مجلة "إيكونوميست" البريطانية ملفاً مطولاً عن أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد، مع اقتراب الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية التي غيرت المصرفية السابقة في بنك "جي بي مورغان" إلى شريكة في سفك دماء الشعب السوري مع تعطش واضح للسلطة.
وحمل الملف الذي تجاوز 7 آلاف كلمة، عنوان: "المصرفية، الأميرة، أميرة الحرب: الحياة المختلفة لأسماء الأسد"، حاملاً تساؤلات عن الطريقة التي أصبحت فيها فتاة نشأت في الغرب، الرابحة غير المتوقعة للحرب في سوريا.
وأشارت المجلة إلى صورة انتشرت الصيف الماضي لأسماء وزوجها وأولادهما الثلاثة وهم يقفون على تلة يحيط بهم الجنود بالزي العسكري. وبدا الأسد في خلفية الصورة حيث كانت أسماء في مركزها بنظارتها الشمسية التي يفضلها حكام الشرق الأوسط الأقوياء، لكن الفضاء الهادئ خلف أسماء كان خادعاً. فبعد عشرة أعوام على الربيع العربي، الذي انتفض فيها عشرات الملايين من العرب ضد حكامهم المستبدين، مازالت عائلة الأسد متربعة على الحكم في سوريا ولكن بثمن باهظ. حيث قتل مئات الآلاف وتشرد الملايين وسجن عشرات الآلاف، وعذب نظام الأسد أكثر من 14 ألف معتقل حتى الموت، وصارت سوريا مركزاً لحروب الوكالة التي شاركت فيها إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة.
وكانت أسماء في كل هذه الملحمة الدموية، الرابح الأكبر، ولم تكن رحلتها إلى العظمة في بلدها المدمر سهلة، بل ظهرت في طريقها صورتها القديمة كموظفة سابقة في مصرف "جي بي مورغان" حيث كانت تعقد الصفقات في اللحظات الأخيرة من الليل، كما أنها السيدة الأولى الجميلة التي شعرت أن الإصلاح الاجتماعي والتحديث قد يخرج البلد من حالة العزلة التي يعيشها، ثم تحولت إلى ماري أنطوانيت دمشق التي كانت تتسوق في وقت كان بلدها يحترق، وأم الشعب التي تعاني من مرض السرطان في وقت سحق زوجها المتمردين ضد نظامه.
وتساءلت المجلة "أين ستنتهي هذه الرحلة؟"، فصعود أسماء في بلاط الأسد لم يعد مجرد شائعات. وفي العام الماضي وصفت الحكومة الأميركية أسماء بأنها "الرابحة الأكبر من الحرب" في سوريا. وهناك شائعات تتحدث عن إمكانية توليها السلطة في سوريا بعد زوجها، علماً أن أسماء سارت في طريق طويل من بيت شبه منفصل في لندن حيث نشأت فيه لتصبح مؤثرة في سوريا. فقد ولدت ونشأت في عائلة سنية سورية العام 1975 حيث وصل والداها إلى لندن في بداية سبعينيات القرن الماضي، بعد سيطرة مجموعة هامشية على الحكم في سوريا، ونشأت في غرب لندن بحي قريب من المناطق الراقية.
وكان والدها يصلي الجمعة وخلعت والدتها الحجاب بعد زواج أسماء. ووُصفت العائلة بالمحافظة، ولكن الحريصة على اندماج أولادها في الحياة الانجليزية. وكانت تُعرف في المدرسة التابعة لكنيسة إنجلترا باسم "إيما". وقال جار للعائلة: "كان من الصعب معرفة أنها سورية". ويبدو أن قدر أسماء هو العيش بين أصحاب المال في لندن، فقد درست في مدرسة راقية للبنات وهي "كوينز كوليج" التي لا تبعد إلا قليلاً عن عيادة والدها في هارلي ستريت. ثم درست في "كينغز كوليج" حيث تخرجت بشهادة في علوم الكومبيوتر.
وبحسب المجلة، يرى أعداء أسماء وأصدقاؤها أنها ذكية ومجتهدة. ولم تكن مهتمة بالشرق الأوسط، ففي رحلة إلى دمشق مع عائلتها، قضت وقتها قرب المسبح في فندق شيراتون، و"لم تكن راغبة بأن تكون لها علاقة مع سوريا بأي شكل"، كما تقول صديقة لها. ولم يستغرب أحد حصولها على وظيفة في بنك "جي بي مورغان" حيث كان يُتوقع من الموظفين العمل 48 ساعة متتالية والنوم في مكتبهم. وتذكرها عاملون معها بأنها "رزينة ومهذبة ومطيعة" وكانت ترتدي بذلة سوداء، وعملت في مجال الإندماج والتملك، وهي وظيفة أفادتها كثيراً في سوريا. وخرجت في مواعيد مع موظف وتلقت عروضاً بالزواج، وظلت تعيش مع عائلتها رغم راتبها الكبير.
وكان لدى والدتها سحر، خطة طموحة، فقد ساعد عمها حافظ الأسد للوصول إلى السلطة، واستخدمت العلاقة للحصول على وظيفة في السفارة السورية في لندن. وكانت راغبة بتعريف ابنتها على بشار.
وبحسب سام داغر مؤلف كتاب "الأسد أو نحرق البلد"، التقى بشار وأسماء مرات عديدة عندما كان الأول طالباً في مجال طب العيون في تسعينيات القرن الماضي. وكان بشار الوحيد من بين أشقائه الستة يدرس في الخارج. ونظراً لعدم حبه للدم، قرر التخصص في مجال العيون، وهو تخصص لا يُقبل عليه طلاب الطب كثيراً، لكنه كان ماهراً في تجفيف الخراجات في العيون. وعلى خلاف شقيقه الأكبر باسل الذي كان يحب السيارات السريعة ودخل الجيش، كان بشار طالباً مجداً في دراسته، وواظب على حضور محاضراته في الجامعة، ولم يتأخر عنها وتجنب حياة اللهو كما يقول وفيق سعيد، الثري السوري الذي يعيش في بريطانيا.
وعلى خلاف والده الذي كان يتحدث بلهجة بلدته الفلاحية، كان بشار يتحدث بلهجة أبناء النخبة في دمشق. وواعد الفتيات، لكن قرار الزواج لم يكن بيده. وعندما توفي باسل في حادث سيارة العام 1994، أصبح مصير عائلة الأسد في يد بشار. ولم يكن بشار متزوجاً عندما توفي والده العام 2000، وأصبح رئيساً لسوريا بعد شهرين. وفي هذه الفترة كانت أسماء أسيرة مكتبها في "جي بي مورغان". وغابت فجأة لمدة أسبوعين من دون إذن، وعندما عادت استقالت من منصبها، وقررت عدم الذهاب لجامعة لمدرسة الأعمال في جامعة "هارفرد" التي حصلت فيها على مقعد للدراسة. وفي مقابلة لاحقة سألتها صحافية إن كانت تشعر بالندم لتخليها عن مقعدها فقالت: "من يفضل هارفرد على الحب".
وخارج فندق "شيراتون" تصبح سوريا أكثر تعقيداً، فهي عبارة عن جبال وطوائف وأديان، سيطرت عليها فرنسا من العثمانيين وظلت تواجه انقلابات بعد الاستقلال حتى 1970، حيث توقفت الانقلابات بوصول حافظ الأسد الذي حكم بالقوة وعبر شبكة من المخبرين الذين تنصتوا على الهواتف واضطهدوا المعارضين بلا رحمة. فعندما انتفض الإسلاميون في مدينة حماة العام 1982 قام النظام بتدمير أجزاء كاملة من المدينة. وعندما وصلت أسماء إلى سوريا العام 2000، كان حافظ الأسد قد مات، لكن إرثه كان واضحاً من المعمار على الطريقة السوفييتية وصوره التي تنتشر في كل مكان.
والحال أنه كانت هناك فرصة لإعادة ضبط العلاقة من جديد مع الغرب. وفي خطاب توليه الحكم، تعهد بشار بالإصلاح ومكافحة الفساد والسماح بالتعددية الحزبية. وبدأ الناس يناقشون وإن بحذر السياسة في دمشق. وكانت أسماء وجهاً جديداً لسوريا، مثل الملكة رانيا والأميرة ديانا. حيث ظهرت النساء الجميلات والباهرات كقوة للإصلاح.
وفي سوريا كان ظهورها مقبولاً أكثر من أي دولة عربية. وقال وفيق سعيد: "كنت أعتقد أن الجمع بين الإثنين سيجعل سوريا جنة". لكن كان على أسماء التعامل مع عائلة زوجها، وبالتحديد والدة بشار، أنيسة، التي كانت راغبة بزواجه في داخل العائلة لتقويتها مثل العائلة السعودية. واقترح البعض زواجه من سنية لتقوية رئاسته. وعندما فشلت بمنع الزواج، حاولت أنيسة إخفاءه، ولم يتم الإعلان في الجريدة الرسمية، وكانت حفلة الزواج متواضعة من دون صور في الأخبار، وتمسكت والدته بلقب السيدة الأولى وأصرت على وصف أسماء بـ"عقيلة الرئيس: وطلب منها التركيز على إنجاب الأطفال وعدم الظهور.
وكانت السنوات الأولى بائسة في حياة أسماء، حيث ظلت في البيت، ولأن لغتها العربية لم تكن جيدة، كانت عائلة زوجها تتحدث بلهجة العلويين الصعبة عليها. ونقلت المجلة عن مستشار سابق للأسد قوله: "لقد كرهوها". ولم يكن أحد من النخبة يرحب بها، في وقت تعثرت فيه وعود بشار الإصلاحية، وتحديداً من حلفاء والده السابقين.
إلى ذلك، قال رجل أعمال يعمل مع النظام: "كان حافظ الأسد مثل الأخطبوط يسيطر على كل المخالب"، لكن "بشار بدأ مثل الأخطبوط وتمت السيطرة على مخالبه". وبدا من الواضح أن كل وعود بشار الإصلاحية كانت واهية من أجل تعزيز الدعم لرئاسته.
وأكمل سعيد بأن "بشار كان يقول لك ما تريد سماعه لكنه لا يفعل شيئاً". وتراجع عن وعوده الإصلاحية، وسجن الأكاديميين ومنع التجمع، وعُلقت صوره في كل مكان، وأصبحت أكبر من صور والده. وتعاون الأسد بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر مع الولايات المتحدة، وفتح المجال أمامها لكي ترسل المشتبه بهم للتحقيق في السجون السورية. لكن إدارة جورج دبليو بوش شعرت أنها قادرة على "نشر الديموقراطية" وأن سوريا قد تكون التالية بعد العراق. ورد الأسد بإرسال الجهاديين لدعم المقاومة ضد الغزو الأميركي.
وفي الوقت الذي عزز فيه بشار سلطته، لعبت أسماء دور الزوجة المطيعة وأنجبت ثلاثة أولاد، وأشارت المجلة إلى اغتيال رفيق الحريري العام 2005 وانسحاب القوات السورية من لبنان، واستبدل الأسد حلفاءه في لبنان بدور في المسرح الدولي، وهنا جاء دور الزوجة الجميلة أسماء التي وعدها بأن تصبح السيدة الأولى، رغم أن الإعلام السوري لم يستخدم اللقب إلا بعد وفاة أنيسة والدة بشار العام 2016.
وبعد شهرين من مقتل الحريري، شاركت أسماء وزوجها في جنازة البابا جون بول الثاني. وتبع ذلك زيارات واهتمام إعلامي بالسيدة الأولى. وفي الداخل ساهمت أسماء في تقديم صورة لطيفة عنها وعن بشار. فقد حاولا الظهور بمظهر العائلة المتواضعة، وتركا القصر الذي بناه السعوديون لعائلة الأسد بمليار دولار، وعاشا في بيت من ثلاث طبقات. وبمساعدة من مصففة شعرها الجديدة، غيرت أسماء شكلها وبدأت بارتداء أحدث الأزياء، ويتذكر العاملون في الخطوط الجوية السورية صناديق الملابس الراقبة من محلات الأزياء في لندن. وبدأ الدبلوماسيون السوريون يتحدثون عنها كأنها "إيميلدا ماركوس" سوريا. ونجحت الجهود بتحسين صورة النظام، فبعد أشهر تساءلت صحيفة "نيويورك تايمز" إن كانا يمثّلان "مزيجا من العلمانية الغربية - العربية".
وقال سوري يعيش في المنفى: "لقد سُحرت" بها "كانت محبوبة ومن اللحظة الأولى التي التقينا بها، وكان مختلفاً عن بقية الديكتاتوريين في الشرق الأوسط، وكان مقنعاً وهو ما جعله خطيراً". وبعد تأكيد صورة النظام وقبوله في المسرح الدولي، أعمت أسماء زوجَها بلغتها التجارية. وكانت تريد أن تنعش سوريا والسماح بفتح شركات أجنبية وبنوك. وقال اقتصادي سوري له صلات قوية أن "أسماء كانت تريد تحويل دمشق إلى دبي وإلى ملجأ ضريبي متحرر من القيود المالية". إلا أن الإصلاح الإقتصادي هدد النخبة التجارية والطريقة التي تدار فيها الأمور. وكان هذا يعني مواجهة أسماء لرامي مخلوف الذي كان حسب التقديرات يسيطر على نصف اقتصاد سوريا. وحاولت أسماء تحدي مخلوف عندما أنشأت شركتها القابضة، لكنها لم تجذب إليها رجال الأعمال الأقوياء الذين ظلوا مع مخلوف. وكان على خططها لاقتصاد سوريا الانتظار.
في السياق، حاولت أسماء البحث عن طرق لتوسيع تأثيرها، وجاء هذا عبر العمل الخيري. وبدأت محاولات توحيد عملها الذي فكرت به منذ زواجها في مؤسسة واحدة وهي "الأمانة السورية للتنمية". وحاولت جعلها الوسيلة لمواجهة سوريا العالم، واستعانت بالسوريين من أصحاب الثقافة الغربية ومسؤولين سابقين في الأمم المتحدة وشركة علاقات عامة في بوسطن، واستراتيجيين من مجموعة "مونيتور"، بل وابنة دبلوماسي ألماني. وقال دبلوماسي في دمشق: "كانت رخصتها للتواصل مع الأجانب في وقت لم يسمح فيه للآخرين" بعمل هذا.
وكانت أسماء راغبة بتحويل سوريا إلى وجهة سياحية، واستعانت بخبراء من متحف اللوفر والمتحف البريطاني لإعادة تصميم دمشق. وجرى التخطيط لتحويل مصنع سابق للإسمنت إلى دار عرض فني على غرار "تيت مودرن" في لندن. وتحويل الضفاف القذرة للنهر الذي يمر عبر دمشق إلى متنزهات ثقافية. وخطط لبناء سكة حديد جديدة تربط دمشق مع المدن الآشورية في شمال- شرق البلاد. ودعم الدبلوماسيون بفرح رؤية أسماء، واستطاعت الحصول على دعم الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وقطر، ما أدى لوصول ملايين الدولارات لدعم ما قالت عنه "النهضة الثقافية"، ووصفها بشار: "بهذه الطريقة نقاتل التطرف عبر الفن".
وكشف التغير في صورتها عن تناقض لاحظته صديقاتها السابقات، ففي أحيان تبدو ودية ومتفهمة بشكل مذهل وأحياناً تتصرف كأميرة، تصرخ وتنفث غضباً، كما أنها كانت فعالة "فمن المثير أنها عندما كانت تقول إنها تريد عمل شيء ويحدث".
وهنا، استعانت أسماء بشركات علاقات عامة في بريطانيا وأمريكا، ونظمت وفوداً برلمانية للاطلاع على عملها الجيد. وجاء النجوم إلى دمشق بمن فيهم أنجلينا جولي وبراد بيت وستينغ وديمون البران، ودعا المفتي العام لسوريا اليهود السوريين، وقامت شركة "براون لويد" للعلاقات العامة بترتيب لقاء مع أسماء الأسد نشر في عدد آذار/مارس 2011 من مجلة "فوغ" مع صورة أسماء على الغلاف مع وصفها بـ"وردة الصحراء" المصممة على تحويل سوريا إلى ماركة معروفة. وكان عمل الأمانة محدوداً لا يتدخل في المساجد أو الشؤون الدينية.
لكن بعض الموظفين تساءل إن كانت الأمانة هي مجرد وسيلة لتعزيز موقف أسماء. وكان على العاملين معها مخطابتها بـ"صاحبة السعادة". ويرى بعضهم أنها كانت صادقة في نواياها لخدمة سوريا، بينما شكك آخرون. وقال دبلوماسي غربي عمل في دمشق: "هل كانت حقيقة؟ سؤال طرحته على نفسي أكثر من مرة". وأشارت المجلة إلى أن فواز الأخرس، والد السيدة الأولى استفاد وأنشأ "الجمعية السورية البريطانية"، ونسق جهود الجمعية مع الأمانة ما جذب إليها عدداً من الأثرياء السوريين.
لكن نجم أسماء كان صاعداً في الخارج، وبدأ المسؤولون الأميركيون بزيارة دمشق، خصوصاً بعد انتخاب باراك أوباما العام 2008، وتعاطف معها الفرنسيون ولاحقها المصورون عندما زارت باريس ووصفتها "باري ماتش" بـ"النور في بلد مليء بالظلال". وفي كانون الأول/ديسمبر 2010، ألقت أسماء خطاباً أمام الأكاديمية الدبلوماسية الدولية في باريس، حيث تحدثت من دون نص عن التغيرات الجارية في سوريا. وبعد أيام حرق بائع فواكه نفسه في تونس، ما يعني أن القوة الناعمة والكعب العالي لن يكون كافيين لإنقاذ النظام.
وفي الأشهر الأولى من العام 2011 كان المزاج في الشرق الأوسط مكهرباً وبعد سنوات من الاضطهاد والأنظمة القمعية اندلعت التظاهرات في الجزائر واليمن ومصر وتونس وليبيا والبحرين والأردن. وأدت التظاهرات في القاهرة للإطاحة بحسني مبارك وبدا وكأن تيار الثورة لا يمكن وقفه. وشعر الناس في سوريا بحالة من النشوة لكن الخوف بقي ساكناً في الشوارع.
وفي ليلة من ليالي شباط/فبراير قامت مجموعة من الأطفال في مدينة درعا الجنوبية بخربشة على الجدران "أجاك الدور يا دكتور". وكان مسؤول الأمن قريباً بعيداً للأسد لكنه كان بلطجياً أعلى مما هو معروف عن قوات الأمن وقام بحملة اعتقال للأطفال وعذبهم. وعندما ناشد أباؤهم الأمن بالإفراج عنهم قال لهم متهكماً أنهم مستعدون لمنحهم أولاداً كثرا لو أرسلوا إليهم زوجاتهم.
وتجمع الناس أمام المسجد وطالبوا بالحرية والكرامة وردت قوات الأمن بفتح النيران عليهم. ولم يكن من الواضح كما بدا لأسماء، كيف سيرد الأسد، ونصحه أحد جنرالاته بسجن مدير الأمن والاعتذار. وكانت المدن الكبرى حينها هادئة والدعوات المتجددة للإصلاح ربما أسهمت في الحفاظ على الهدوء. ومن هنا قام السفير السوري في واشنطن بمساعدة الأسد في كتابة مسودة خطاب يعلن فيه عن إصلاحات جديدة. وتم إخبار أصدقاء الأسد في واشنطن، وكانت أسماء تتوقع على ما يبدو ترضية للجماهير. ومع توسع الربيع العربي قالت أن النظام كان يعرف أن عليه التغير وإنها حاولت الوصول إلى المعارضة كما قال أحد المقربين منها.
وفي 30 آذار/مارس ألقى الأسد خطاباً أمام البرلمان. وتحدث فيه عن مواجهة سوريا مؤامرة أجنبية ووصف لقطات الفيديو عن إطلاق الجيش النار على المتظاهرين بالأخبار الكاذبة واستبعد إصلاحات لأنها غطاء لمؤامرات خارجية. وقال أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية أسماء: "كان النظام القديم يتحدث" وغادر سوريا مباشرة بعد الخطاب و"لم تكن هناك حتى كلمة مصالحة أو اعتراف بأن الأمور يمكن عملها بطريقة مختلفة. وعندما قابلت بشار كان يتحدث عن الإصلاح، وكان مدمراً اكتشاف أن كل هذا مهزلة".
بعد الخطاب زادت التظاهرات اتساعاً. وعادة ما كانت تعقد يوم الجمعة حول جنازات القتلى. ومع زيادة التظاهرات في المدن تصاعدت شراسة النظام: في البداية الشبيحة ثم القناصة وبعد ذلك الدبابات. ولأن تأثير الجنرالات وقادة الأجهزة الأمنية وحزب البعث تراجع في السنوات الماضية، كانت التظاهرات فرصة لهم للعودة وبانتقام. وطالبت والدة الأسد، أنيسة، بالرد وقالت ساخرة منه: "ماذا كان والدك سيفعل؟" عندما واجه تحديا كهذا، مذكرة برده على حماة.
وقال السفير الفرنسي السابق أن بشار سمع في تلك الفترة وهو يقول: "كان والدي على حق، ألاف القتلى في حماة جلبت علينا ثلاثة عقود من الهدوء". ومع انزلاق سوريا نحو الفوضى انهارت معها قلعة أسماء التي أقامتها في الهواء، جيث ألغيت حفلة لافتتاح المتحف الوطني ولم تتحقق مشاريع إعادة تجميل دمشق وظل متحف الاكتشاف الذي صمم على شكل متحف العلوم في لندن مجرد هيكل اسمنتي. وغادر المستشارون وشركات العلاقات العامة دمشق وشطبوا الأمانة السورية من سيرهم الذاتية. وقال وفيق سعيد أنه ناشد بشار اتباع طريق معتدل: "إنهم يحبونك وزوجتك، فأنت لست مثل مبارك" و"لا تضيع الفرصة لأن تصبح أعظم زعيم للعالم العربي. أعطهم بعض الحقوق وبعضاً من الكرامة وسيحبونك للأبد". إلا أن طريق الأسد كان محدداً. وفي خطاب ألقاه في حزيران/يونيو شبه المتظاهرين بـ"الجراثيم" ما فتح الباب أمام فصل مظلم سيخيم على سوريا.
وفي الوقت الذي دخلت فيه الدبابات بلدة عائلتها، كتبت أسماء رسالة إلكترونية لصديقة لها تسألها "هل رأيت شيئاً أعجبك؟" وأرسلت لها معلومات عن مجموعة حصرية لأحذية "كريستيان لوبوتان". ولم تظهر أسماء في العلن ما قاد لشائعات حول سجن الظروف لها أم أنها وقفت إلى جانب زوجها. ومن تحدث إليها في الأيام الأولى للثورة قالوا أنها التزمت بالخط الرسمي بأنها مؤامرة أجنبية.
ومن الناحية النظرية كان يمكن لأسماء السفر إلى لندن، فهو مواطنة بريطانية. وكانت هناك عروض بالممر الآمن ومكافأة مجزية من دول في الخليج. وظلت الحكومة البريطانية تردد أنها لن تمنعها من العودة فهو مواطنة، ما فسر على أنها ستقدم الحماية لها. لكن الجو في لندن لم يكن مرحباً، حيث تجمع المتظاهرون أمام بيت عائلتها ولطخوا بابه بالأحمر، وشطبت "كوينز كوليج" اسمها من قائمة المتخرجين.
في تلك الفترة، انتشرت شائعات بأنها خرجت من البلاد، وتذكر مسؤول عمل في السفارة السورية في لندن أن الأمن كان يحضر لاستقبال إرسالية (ربما لم تكن أسماء). وقال آخرون أنه جرى توقيفها من شلة النظام الذين خطفوا أولادها في المطار ولهذا ترددت بالسفر من دونهم. وتوقفت أسماء لأشهر عن تقديم لقاءات صحافية وركزت في العام الأول من الإنتفاضة جهودها على إعادة تأثيث البيت وأنفقت 250 ألف دولار وأرسلت مصففة شعرها إلى دبي لشراء ما تريده، فيما ساعدها شخص في لندن لتأمين شراء الثريات من "هارودز"، واستخدمت اسماء مستعارة وأطلقت مازحة على نفسها لقب "الديكتاتور الحقيقي في بيت الأسد". وتم الكشف عن لائحة مشتريات أسماء ورسائلها في 2012، حيث زودت المعارضة صحيفة "غارديان" بها ونشر بعضها موقع "ويكيليكس".
وفي أول تصريح رسمي لها العام 2012 أكدت أسماء أن "الرئيس هو رئيس كل السوريين وليس رئيس فصيل سوري وأن السيدة الأولى تدعمه في هذا الدور". ولو اعتقدت المعارضة أن هذا جزء من المصالحة مع الأسد إلا ان عودتها للحياة العامة تمت بمساعدة والدها، وبالتالي ستكون مشاركة وعلى قدم وساق في الرئاسة.
وفي صيف العام 2012 فرت بشرى، شقيقة الأسد، إلى دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت في انفجار. وأعلنت المعارضة مسؤوليتها لكن انفجاراً كهذا يظل خارج قدرة المعارضة. وكانت بشرى وزوجها يمثلان مصدراً من المصادر المعادية لأسماء في داخل الحلقة المقربة للأسد. وأكد الكثيرون أن القتل كان عملية من الداخل. وعلى مدى السنوات حسّن الأسد من موقعه وأوقف تقدم المعارضة التي ظلت ترسل الصواريخ من ضواحي دمشق القريبة لكنها لم تستطع الإطاحة به. وتم القتال على كل بوصة في سوريا. وفي العام 2016 سيطر الأسد على حلب، كبرى المدن السورية، وواصل الطيران التابع له بقصف المدن التي تحولت إلى أنقاض. وتوقفت الأمم المتحدة في نفس العام عن احصاء القتلى.
وأصبح هذا الدمار لا يناسب أحذية "شانيل" ولا البدلات أو المجوهرات الراقية، ولهذا استبدلت أسماء الكعب العالي بالحذاء العادي والقمصان التي كشفت عن ذراعيها الهزيلين والبنطال. وعندما ماتت والدة الأسد العام 2016 خسرت أسماء أكبر المعارضين لها، لكن العذاب الأكبر كان شخصيا، ففي 2018 تم اكتشاف أنها مصابة بسرطان الثدي. لكن المرض لم يمنعها من إعادة رسم صورتها العامة والتأكد من معرفة الجميع أنها باقية في سوريا للعلاج. وتم تصوير معاناتها وبشكل يومي في التقارير اليومية للصحافة وعبر منصات التواصل الإجتماعي ونشر فيديو لها وهي على الكرسي المتحرك باتجاه غرفة العمليات.
وعندما بدأ شعرها بالتساقط لبست مناديل جميلة لتظهر ضعفها وقوتها وكمجاز لا يمكن تجاهله عن كفاح زوجها ضد المتمردين. وبدأت مقدمة برامج على التلفزيون مقابلتها: "تهانينا على انتصارك على السرطان" وأجابت "شكراً" و"آمل ان نحتفل بانتصار سوريا". وحتى قبل تعافيها شوهدت وهي تدق على أبواب الفلاحين وهي تعانق الأمهات اللواتي فوجئن بالسيدة الأولى التي رافقتها عدسات التلفزيون المؤيدة للنظام. وعملت أسماء جهدها لإخفاء "بريطانيتها" واجتهدت في تحسين لغتها العربية لدرجة لم يعد هناك لهجة أو نبرة تشير إلى أثر اللغة الإنجليزية في كلامها.
ورغم إدارة أسماء ظهرها للمؤسسات الدولية التي أثرت على مالية جمعيتها إلا أن علاقتها مع المانحين الدوليين استمرت، فتدفق الدعم الإنساني على سوريا عنى أن كل هذا الدعم سيمر عبر منظمتها. وبالنسبة للمنظمات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة التي تبحث عن طرق لإيصال الدعم إلى المناطق الخاضعة للنظام، مثلت جمعية أسماء المحاور المناسب، ففريقها المتحدث بالإنجليزية يعرف التنظيمات الدولية، ويمكن لأسماء فتح الأبواب للشيكات. وفي العام 2017 مر دعم إغاثي عبر الأمانة أكثر من أي جمعية أخرى في سوريا. وعادة ما تتعامل الأمم المتحدة مع الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة لكن عدداً من الموظفين فيها عبروا عن دهشتهم من استعدادها للتعامل مع الحكومة السورية.
وبين العامين 2016 و2019 حصلت "الأمانة الوطنية السورية" على كميات كبيرة من المال تبرعت فيها وكالات الأمم المتحدة كل عام. وتبرعت مفوضية اللاجئين 6.5 مليون دولار في الخمس أشهر الأولى من 2018. ولدى الأمانة 1500 موظف بحلول 2020 و5 آلاف متطوع وهي زيادة بعشرة أضعاف أثناء سنوات الحرب. وكرئيسة للجمعية، لم تقدم لأسماء مجرد الثروة، بل الحماية من أمراء الحرب الذين طورت علاقات معهم، وهو ما أشعر السكان بالامتننان لها والإحسان الذي جاء على شكل حقائب مالية نقلت إلى المنظمات التي ترتبط بها.
واستفادت أسماء مباشرة من اقتصاد الحرب، حيث حصلت على عقود في مجال بطاقات الدفع الذكية. وأطلقت شركة توزيع الهواتف النقالة اسمها "إيماتيل" على اسمها وهي في المدرسة. وسجلت الشركة باسم خضر علي طاهر الذي يشار إليه بأنه "واجهة أسماء في كل شيء". وأثرت عائلتها أيضاً حيث أصبح أفرادها مؤثرين. ويدير شقيقها فراس وقريبها مهند الدباغ شركة الهواتف. ووصف تقرير لموظف سابق في السفارة السورية بواشنطن طريف الأخرس، ابن عم أسماء، بأنه "واحد من الرموز المهمة للنظام". ويقول مقربون أن الأسد سعيد بنجاح زوجته وهو متعب بعد سنوات الحرب والاقتصاد ليس مجاله القوي. وأصبحت أسماء "كبير مستشاري الرئيس الاقتصاديين".
وبحلول العام 2019 كان الروس يضايقون الأسد لدفع الديون فيما زاد الأميركيون من العقوبات. ومن هنا بحثت عائلة الأسد عن هدف. وكان رامي مخلوف، ابن خال الرئيس الذي استخدم علاقاته مع النظام لبناء مملكة تجارية متنوعةـ شركات اتصالات ومحلات في الأسواق الحرة واستيراد وتصدير. وعلى الورق كان رجل أعمال ناجح لكنه كان عملياُ مديراُ تنفيذياُ لسوريا. وقيل أنه كان يستطيع التخلص من وزير بمكالمة واحدة. وخسر مخلوف بوفاة أنيسة حاميه، وتمت السيطرة على الجمعية التي استخدمها لبناء تأثير بين الطائفة العلوية، وسيطرت عليها أسماء وتم تجميد حساباته. ورد مخلوف في أشرطة فيديو حاول فيها تدمير أسماء، قائلاً أن "أشخاصاً من فوق هم من يدفعون للتخلص منه".
في نفس الفترة، ظهرت تقارير في الصحف الروسية عن شراء الأسد لوحة لديفيد هوكني بمبلغ 30 مليون دولار هدية لزوجته. ولم ينجح مخلوف في مساعيه لتحدي الأسد ومازال تحت الإقامة الجبرية، وتقول الشائعات أنه ظل على قيد الحياة لأنه يعرف المفاتيح والكلمات السرية لحساباته في الخارج وهي 10 مليارات دولار بالمجمل. فيما واصلت أسماء الحصول على أرصدة جديدة، وسيطرت جماعتها على ثاني شركة اتصالات في سوريا. وتوسعت شركتها "إيماتيل" في كل أنحاء سوريا حتى ضمن المناطق غير الخاضعة للنظام.
وكان نجاح أسماء التجاري والمالي سبباً في تراجع صورتها التي حاولت تنشئتها بين السكان. وقال رجل أعمال أن البعض مازال يحبها ويضع صورتها على حسابه في "انستغرام" لكن الآخرين ينظرون إليها كامرأة جشعة. وفي هذه الأيام لا أحد يتهم أسماء بأنها لا تفهم كيف تعمل سوريا. ومع تحييد مخلوف وموت والدة الأسد ورحيل شقيقته لم يعد لدى أسماء منافسون مهمون داخل الدائرة المغلقة، فيما تم تعيين عدد من مستشاريها في المراكز المهمة بمكتب الرئيس و"هي تسيطر على المعنين في القصر" كما يقول رجل أعمال في دمشق و"يمكنها ترشيح من تريد".
إلى ذلك، تتحدث شائعات في دمشق والعواصم الأجنبية عن تفكير أسماء وطموحها بتولي الرئاسة في حال أصبح موقع بشار ضعيفاً ولا يمكن الدفاع عنه. والسؤال هنا هو هل يمكن للرئيسة أسماء إعطاء قيمة مهمة للغالبية السنية واستمرارية للحكم، خصوصاً أن هنالك تقارير متكررة عن لقاء أقارب أسماء مع مسؤولين أميركيين لجس النبض ودعم الفكرة. وقال دبلوماسي سوري سابق: "تفكر أسماء والأسد في الشيء نفسه" و"تحب أن تكون رئيسة وكلاهما يفكر بهذا كفكرة ثورية لحماية النظام".
وربما دعمت بريطانيا طموحات أسماء في السابق، وهي سعيدة بأن تضيفها إلى قائمة حكام الشرق الأوسط ممن لهم روابط معها. ورغم شجبها إلا أنها لم تجردها من جنسيتها كما فعلت مع شميما بيغوم، البنت من شرق لندن التي سافرت إلى سوريا وانضمت إلى تنظيم "داعش".
ولن يدعم المتشددون العلويون محاولاتها للرئاسة، خصوصاً ماهر الأسد الذي مازال يقود الفرقة الرابعة القوية. وقال تاجر سوري مقيم في دبي: "سيتآمر الجيش والطائفة لمنع وصولها إلى الرئاسة". وهي قوية أكثر من أي وقت لكنها عرضة للخطر. والحديث عن طموحات رئاسية يجعلها في وضع خطر، ورغم أن الكثير من أصدقائها وصديقاتها تخلوا عنها ولكنهم حريصون عليها وعلى حياتها. وقال وفيق سعيد: "أنا قلق عليها"، لكن أسماء اكتشفت منذ وقت طويل انه لم يعد هناك رجعة.