سليم سعادة والـPhone sex
استعرض سعادة أسباب اعتراضه على الموازنة، وتضمن كلامه الكثير من النكات والسخرية، مصنفاً السياسيين في لبنان في أربعة أنواع، أوّلها "اللي بياكل وبيطعمي، وثانيهم بيطعمي وما بياكل، ثالثهم بياكل وما بيطعمي، وآخرهم لا بياكل ولا بيطعمي لكنه ساكت"، مصيباً بأسلوب لاذع بالقول: "مع هالجماعة ما بقى نعرف ايد مين بتم مين حتى ما نقول شي تاني"، مخاطباً الطبقة السياسية بالقول: "يحرق بي صحابكن"، متسائلاً "كيف تفلّس الدولة ومصرف لبنان والمصارف في الوقت نفسه؟ والجواب هو أن "التلاتي بفرد تخت"، ولكن No Money No Honey" و"الـ external audit متل الـphone sex، دنَس بلا حَبَل".
النكات والعبارات التي استخدمها سعادة، رغم مطابقتها للوضع الحالي، يصحّ فيها المثل الشعبي "علّي وخود جمهور"، الأمر الذي حصل فعلاً في مواقع التواصل، التي تسابق مستخدموها لإبراز إعجابهم وكيل المديح لما جاء على لسانه. لكن المفارقة هنا، أن ما نطق به سعادة من الحق، يمكن إسقاطه بكليّته، على أداء حزبه "القومي السوري الاجتماعي"، من فترة ما بعد الطائف وحتى الآن، خصوصاً الانقسامات الداخلية الطاحنة، التي يعانيها. ناهيك عن شبق هذا الحزب للسلطة، والذي كانت له حصة معتبرة ومحفوظة منذ العام 1992 وصولاً إلى اليوم. إذ لم يخل المجلس النيابي ولا مجلس الوزراء يوماً من ممثلي حزبه، الذين كانوا دوماً محسوبين إما على سلطة الوصاية السورية، أو على مجموعة الممانعة، عدا كونهم ميليشيا مسلحة، تضرب وتقتل وتفتك غبّ طلب إما النظام السوري أو "حزب الله"، وتجلّى ذلك في محطات عديدة كان أبرزها "7 أيار".
ويجعل ذلك من التصعيد الكلامي ورفع الصوت لا يعدو عن كونه اعتراضاً على عدم رضا الحزب القومي السوري، بإبعاده عن المحاصصة في تشكيلة حكومة حسان دياب، بعد إخراج أمل حداد من التركيبة الحكومية، الأمر الذي يبدو أنه أثار سخط قيادة الحزب التي دفعت بسليم سعادة إلى الواجهة باعتباره رجل الساعة وصندوق البريد، الذي يمكّنهم من إيصال رسائل عتبهم على حلفائهم، كمحاولة لحثّهم على استرضائهم، بتعيينات جانبية من هنا أو مكاسب من هناك، بعدما فشلت مساعيهم بالحصول على حقيبة أو مقعد في الحكومة الحالية.
توقيت خطاب سليم سعادة في أسلوبه ومضمونه، لا يعدو كونه ابتزازاً، وتلميحاً إلى انضمام حزبه إلى صفوف المعارضة والثورة، كردّ على إخراجه من المحاصصة، ما يجعل سهامه تطاول حلفاءه النافذين، أصحاب اليد الطولى في تشكيل الحكومة وتحديداً "حزب الله" و"حركة امل". فانتقاد أداء الطبقة الحاكمة برمّتها، والتصويب تحديداً على مشهد الإرباك الذي تعانيه أحزاب السلطة، في قراءة اولى يبدو في ظاهره أنه لا يوفّر أحداً وأنه موجه إلى الجميع. إنما في قراءة ثانية أعمق، يستشف منه الاعتراض والنقمة على حلفائه الذين أهملوه وتخلوا عنه، مفضّلين استرضاء "التيار الوطني الحر" ورئيس حزب "تيار المردة" سليمان فرنجية عليه، وعدم إيلاء مطالبه أي اهتمام، وإظهاره كحجر شطرنج يمكن التضحية به، الأمر الذي انتبه إليه مغردون علقوا على كلام سعادة بـ"ليك مين عم يحكي"، و"لن تنطلي علينا مناورة القومي المكشوفة"، و"يللي بيسمع سعادة بيفكره من قيادات الثورة، رغم انه من رموز السلطة والفساد"، و"يا سعادة النائب انت مش عارف إيد مين بتمّ مين، وإنت مش فاهمين عليك، صرت إجر بالسلطة وإجر بالمعارضة مثلاً، أو شو وضعك؟!".
الوصلة الكوميدية التي أدّاها سعادة على منبر مجلس النواب، لا يمكنها شطب تاريخ الحزب الذي ينتمي إليه، والذي هو برأي كثيرين، يحمل أفكاراً بائدة، خارج الزمان والتاريخ، تقوم على فكر خشبي وإلغائي، ولا تعير اهتماماً للحسّ الوطني، ولا لاستقلالية لبنان من أساسه، خصوصاً في ظل التخبّط والانقسامات وضياع البوصلة التي مرّ بها الحزب منذ إعدام مؤسسه أنطون سعادة حتى اللحظة.
لذا فإن النكتة والسخرية والنقد اللاذع والخطاب الشعبوي لا يعدو كونه فقاعة صابون سرعان ما يذهب أثرها، ولن تشفع لسعادة النائب، الذي يدّعي بالعلم فلسفة الآن، جهله المطبق الذي ظهر في مقابلة تلفزيونية استضافته حين كان مرشّحاً للانتخابات النيابية، وسئل فيها "ماذا تعد أهل منطقتك الكورة"، و"على أي أساس يخوض الحزب السوري القومي هذه الانتخابات؟ وأين الحزب من هذه الخطوة؟ وكيف يمكن أن تفسّروا تحالفاتكم للقاعدة الشعبية لهذا الحزب؟"، لتأتي أجوبته "لا أعدهم بشيء"، "لا أعرف، لا أعرف، لا أعرف، ولا أعرف أكثر مما تعرفين"، و"كنت أتمنى أن يكون عندي جواب غير أني لا أعرف، لكني لا أعرف"!