العالم كنصٍّ بصريٍّ ممتد
على مسافة من سكورسيزي، يقف المخرج الصربي إمير كوستاريتسا، حزيناً على مآل السينما. رأى في مقابلة معه أن السينما لن تنجو إلا بنجاة طقسها "الأوبرالي" على حد تعبيره، لا سينما الهواتف والإنترنت والطائرات. بين المخرجين مسافة وعي هائلة بفكرة الوسيط، كوستاريتسا غارق في نوستالجيا قديمة، وسكورسيزي يحاول أن يواكب الجديد لإخراج فن بمعايير وقته.
تبدو هذه الحكايات بعيدة من اليوم العالمي للتصوير، بوسومه التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي كأنها هدنة تواطؤ اتفق عليها العالم الافتراضي لساعات، قبل أن يعود إلى حممه السياسية والاجتماعية. غير أن كلام سكورسيزي وكوستاريتسا غير بعيد عما يمثله اليوم من تصورات عن الفن وتقديمه، فهناك من لا يرى في هذه الإتاحة الهائلة في الوسيط الذي تقدمه مواقع التواصل إلا تهديداً مستمراً للفن، الفن بما هو من قواعد وأعراف رسخت واستقرت حتى تحولت إلى ميثاق للاعتراف. وآخر يرى ما فيها من إمكانات كبيرة يمكن أن تعيد صياغة ذلك التصور القديم عن الفن.
في اليوم العالمي للتصوير، تشظت المواهب الكبيرة، وتفتت إلى ملايين العيون، التي استطاعت أن تقتنص من حيواتها بعضاً من الأطر. هذه الأطر هي بنت سياق ربما يكون مختلفاً عن تصورات تلقيه، لكنها استطاعت أن تجعل من ذلك التوثيق عملاً فنياً، وتعاطياً تفاعلياً مع الفن، أتاح للجميع، القدرة على المشاركة والإنتاج وأخذ الفن إلى مساحات جديدة مع الوفرة الهائلة من المنتجات التي، على إثرها، يمكن تنقيتها وتصفيتها إلى عناصرها الأكثر تفوقاً.
وبتخصيص العام، يمكن تتبع ما تحت الهاشتاغ من صور مع "فلتر" إضافي هو هاشتاغ #egypt، من أجل التحرك في المساحة التي تنتجها العين المصرية، ضمن محاولات مستمرة لخلق جمال جديد على الواقع اليومي العنيف والمؤلم في كل تفاصيله. بعض هذه الصور يحاول إعادة تقديم "الجمال المصري الجاهز" متمثلاً في الأهرام والأحياء الفاطمية والمملوكية، بينما آلاف العيون الأخرى وجدت في حضور الكاميرا فرصة للنبش عن جمال جديد، ضمن إطارات تجرب من دون أن تفرض عليها سلطة الأعراف القديمة أو سطوة "الطقس" الذي يحبه كوستاريتسا.
تحرك الهاشتاغ في مصر لأيام وأنتج عدداً كبيراً من الصور تعدى عشرين ألفاً، ما بين تدوينة في "فايسبوك" وتغريدة في "تويتر"، وكان القسم الأكبر منها في "إنستغرام"، باعتباره منصة الصور وخالق جماليات التصوير الجديدة. وفي فضاء بديل وحيوي مثل الذي يخلقه "إنستغرام"، يصبح كل شيء قابل للكشف وغير قابل للمس، إنه واقعي ووهمي في الوقت نفسه، كأن الصور تعرف الآن أننا نبصرها، أي أنها صور مسؤولة، تفتح مجالاً لممكنات مدهشة.
هكذا، تجدد الصور نفسها يومياً ببناء "حضارة" افتراضية، أن نقوم بالتمثيل والتشخيص يعني أن نجعل الغائب حاضراً وماثلاً أمامنا. الأمر لا يتعلق باستحضار وإنما باستبدال، كما لو أن دور الصورة يكمن في سد نقص ما. والنقائص في الحياة المصرية اليومية كثيرة وثقيلة، والحاجة إلى الفن من دون قيود كهنوتية هي ما تحتاجه العين كي تكتشف إمكانياتها أولاً، وتهدئ من وطأة الواقع الثقيل ثانياً.