جرائم المعلوماتية: النظام السوري يقمع.. بالقانون
وبات "فرع مكافحة جرائم المعلوماتية" في الأمن العام الجنائي التابع لوزارة الداخلية، ناشطاً بشكل واضح في الفترة الأخيرة، مع عدد من الإطلالات الإعلامية لرئيسه المقدم حيدر فوزي، في وسائل إعلام رسمية وشبه رسمية، رغم أنه تأسس بالمرسوم 17 لعام 2012، من أجل "مكافحة الجريمة الإلكترونية كنوع جديد من الجرائم الخطيرة"، وتمثيل الدولة السورية من أجل ملاحقة "الحق العام" إلكترونياً عندما لا يكون هناك ادعاء شخصي بجريمة إلكترونية ما.
وبقدر ما يبدو ذلك الوصف العام براقاً ونبيلاً إلا أن قراءة متمعنة في صلاحيات الفرع الجديد وما ينص عليه المرسوم 17 لعام 2012 تظهر السبب الحقيقي وراء تأسيسه أصلاً، وهو إعطاء "غطاء قانوني" لممارسات "الدولة السورية" في خطاب النظام وإعلامه بعد العام 2011 تحديداً، من اعتقال للناشطين وتضييق على حرية التعبير، والتي كانت قبل القانون ممارسات قمعية لا يتم الحديث عنها كأنها أمر لا يحصل، لتصبح بعده مجرد ممارسات الدولة لصلاحياتها القانونية التي يجب أن يلتزم بها السوريون، علماً أن النظام اعتقل خلال عامي 2011 و2012 ما لا يقل عن 3500 ناشط إعلامي مع 600 آخرين مازالوا في عداد المفقودين أو الميبين قسراً حسب تقرير لـ "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وهي هيئة مستقلة معنية بتوثيق الانتهاكات المختلفة في البلاد.
وقد يكون أخطر ما يعطيه القانون للفرع، هو إجبار مزودي خدمات الإنترنت والاتصالات على حفظ نسخة من المحتوى المخزن لديهم في حال وجوده وتقديمه للسلطات عند الطلب، وحفظ بيانات الحركة التي تسمح بالتحقق من هوية الأشخاص الذين يسهمون في وضع المحتوى على الشبكة، وخاصة عند استخدام الأسماء المستعارة أو النشر عبر الصفحات مجهولة الهوية، وهو الحد الأقصى للرقابة المقوننة التي لا يمكن أن توجد في الدول المتقدمة التي تقدس حرية التعبير، كحالة الولايات المتحدة التي شهدت جدلاً واسعاً حول نفس الموضوع بعد رغبة الرئيس دونالد ترامب في أقرار قانون بهذا الخصوص.
وهنا ينصح الفرع في تصريحات رسمية للمسؤولين، المدنيين والصحافيين "الوطنيين" بضرورة التخلي عن وسائل الإعلام الاجتماعي "الرخيصة" وإنشاء مواقع إلكترونية تكون مخدماتها على الأراضي السورية، لأن "الحكومة" لا يمكنها الوصول إلى البيانات التي تخزنها مخدمات مواقع مثل "فايسبوك" أو "تويتر"، وهو أمر ضروري لفرض الرقابة وقمع حرية التعبير كهدف نهائي لا يتم الإفصاح عنه، بل يبرر ذلك الطلب بأنه لحماية الصحافيين من سرقة بياناتهم أو إغلاق صفحاتهم بشكل مفاجئ بسبب "التبليغات المغرضة".
المخاوف على حرية التعبير فيما يخص انتقاد الحكومة في "الإعلام الوطني" و"الصفحات الوطنية" كان رائجاً في النقاشات التي طالت القانون نفسه في إعلام النظام الرسمي وشبه الرسمي خلال الصيف، مع تعدد حالات قمع النظام لنفسه ورغبة الرئيس بشار الأسد اليائسة في فرض نوع من الالتزام بالقانون الخاص به على المسؤولين النافذين وعائلاتهم وعلى الميليشيات التي لا تلتزم بأي قانون تقنياً، وذلك مع اقتراب الحرب من نهايتها وضمان الأسد بقاءه في السلطة.
وبغض النظر عن بنود القانون نفسه، إلا أن الحديث عن كون القانون موضوعاً لأغراض سياسية أمر بديهي، حيث تكمن كثير من مشاكل البلاد في النصوص القانونية نفسها، التي تستند في النهاية إلى جمل وتعابير فضفاضة في الدستور السوري يتم عكسها إلى أصغر التفصيلات القانونية، مثل "إهانة هيبة الدولة" و"إضعاف الشعور القومي" وغيرها من التهم التي يمكن تركيبها في أي لحظة من طرف السلطة لأغراض سياسية أو انتقامية من قبل الشخصيات الفاعلة في النظام من أجل غايات شخصية كحالة الخاني الذي دخل في حالة عداء مع الجعفري منذ طلاقه من ابنته يارا الجعفري قبل أشهر، فضلاً عن كون عقابه بهذه الطريقة العلنية يعتبر رادعاً لبقية الموالين العاديين، عطفاً على شهرته الفنية والتشبيحية في وقت واحد.
يتجلى ذلك بشكل خاص في اللقاءات الإعلامية لمدير فرع مكافحة المعلوماتية المقدم حيدر فوزي الذي يؤكد أن جرائم الإعلام هي جزء من اختصاص الفرع رغم اعترافه الحرفي بأنه "لا يفهم في الإعلام" إلا أنه يصر على فهمه العميق "للتقنية" التي يستخدمها حسبما اعترافه من أجل "إغلاق عدد كبير من الصفحات المغرضة والمحرضة التابعة لما يسمى الثورة"، قبل أن ينوه "مشكوراً" أنه لم يسبق أن قام الفرع بإغلاق أي صفحة أو موقع "وطني"، علماً ان نص القانون يمنع حجب أي موقع إلا "بأمر من السلطة القضائية" أو "في حال إخلال مقدم خدمات التواصل على الشبكة بوضع بيانات التعريف عن الموقع الإلكتروني الخاص به".
ويبدو تخصيص فرع كامل للجريمة الإلكترونية في سوريا نوعاً من الرفاهية لعدم شيوع المعاملات المالية عبر الإنترنت في البلاد بما في ذلك الدفع الإلكتروني، التي ترتبط عادة بفكرة الجرائم الإلكترونية، لكن القانون يوضح نوعية الجرائم التي يلاحقها مثل "الدخول غير المشروع إلى منظومة معلوماتية" (القرصنة)، أو "الاحتيال عن طريق الشبكة"، ويعطي الحق للفرع بإجراء المداهمات ومصادرة أجهزة الكمبيوتر والهواتف النقالة بحثاً عن "الأدلة الرقمية" ويفرض على مقدمي الخمات الالتزام بالحفاظ على سرية الإجرءات المتبادلة مع السلطة في جميع الحالات أيضاً فيما يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة أشهر مع غرامة من مئة ألف إلى خمسمة ألف ليرة سورية كل من يخالف ذلك الشرط.
ويجب القول أن القانون يمتلئ بالعموميات حيث يقول أن العقوبة تتشدد عندما يتعلق موضوع الجريمة بمس الدولة أو السلاة العامة، كما يقول أنه يكافح الأعمال الدعائية والتحريض على الإرهاب والجرائم من دون تحديد طبيعة ذلك التحريض بدقة أو الآليات لتحديد التحريض عما سواه من رأي معارض، كالدعوة إلى تظاهرة سلمية على سبيل المثال.
ومنذ مطلع العام 2015 وحتى شهر حزيران/يونيو العام 2016، تم التحقيق في العديد من الجرائم الإلكترونية، فبلغ عدد الضبوط الضبوط 414 ضبطاً يتعلق 299 منها بجرائم مثل الابتزاز المالي والجنسي (238) أو احتراق الحسابات الشخصية في "فايسبوك" و"تويتر" والتدخل في الحياة الخاصة (48) والنصب والاحتيال الإلكتروني (13)، أما القضايا الأخرى ويبلغ عددها 115 بنسبة 27% فقط فتعلقت بقضايا تمس هيبة الدولة مثل "تداول أسعار الدولار" عبر مواقع التواصل (13) والإساءة لرموز الدولة ومؤسساتها وإثارة النعرات الطائفية وتصفح صفحات التنسيقيات المعارضة (38) والتعامل بالعملة إلإكترونية "بيتكوين" (2)، ليتم توقيف 140 شخصاً في المجمل، بينهم 54 بتهم تتعلق بمس هيبة الدولة بنسبة 34% في المجمل.
ولا تتضمن الأرقام السابقة حسب صحيفة "تشرين" الرسمية، معلومات حول إغلاق الفرغ لمئات من الصفحات والحسابات الشخصية المعارضة وصفحات التنسيقيات على مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد "فايسبوك"، وذلك "بالتنسيق مع ناشطين في هذا المجال"، في إشارة لـ "الجيش السوري الإلكتروني" وهو مجموعة من القراصنة التي وظفها النظام لصالحه في حربه الإلكترونية ضد المعارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وإلى الآن لا يوجد محاكم متخصصة في الجرائم الإلكترونية، حيث يتم تحويل المتهمين بمس هيبة الدولة مثلاً إلى محكمة قضايا الإرهاب غالباً، لكن وزير العدل السوري السابق نجم الأحمد كشف مطلع العام أن الوزارة بصدد إحداث محاكم متخصصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية لأنها "كانت جزءاً من الحرب المعلنة على سوريا واستخدمت بغية التحريض على الأعمال الإرهابية".