بعد المحامين والأطباء.. المحررون يكرسون الفيدرالية النقابية في الشمال؟

صهيب أيوب
الثلاثاء   2015/08/11
الأصوات المطالبة بنقابة شمالية اتكأت على "تهميش" يمارس في بيروت.. وهذه مبالغة (غيتي)
تبدو دعوة صحافيي الشمال الى إنشاء نقابة محررين خاصة بهم، على اهميتها، ذات دلالة واضحة على رغبة "طافحة" بانسلاخ المناطق نقابياً عن العاصمة، على الرغم من انطواء هذه الرغبة المستجدة/القديمة، على شيء من التسييس، وبعضاً من النقمة المناطقية.

تذرر الشعور الوطني، والانتقاص من أحقية بيروت في المركزية الادارية والسياسية، لم يكن يوماً الا شعوراً سابقاً، للشعور بالحرمان والتناسي نفسه، الذي يعانيه أولاد المناطق اللبنانية، وفي مقدمهم أبناء الشمال، الذين تنادوا على الدوام لاستكمال "فيدراليتهم" النقابية المستقلة عن بيروت. فهؤلاء وجدوا انفسهم، مع نشوء لبنان الكبير، خارج الدولة، اي أنهم فقدوا امتيازاتهم، التي كانت تكفلها لهم السلطنة العثمانية، رغم شيخوختها، وأحسوا بأن تاريخهم المديني الذي خلق مؤسساتهم المنفصلة والمستقلة، لا سيما الصحافية منها، قد أفل ولم يعد سوى محطات تذكر.

وتمكن هؤلاء مراراً، بفعل العمل النقابي المستقل والخاص بهم، الخروج عن سلطة نقابات بيروت والتمايز عنها في بعض الاحيان. فنقابتا المحامين والأطباء الشماليتين، كانتا دوماً تعملان بفعالية مزدوجة، لحقوق ممارسي المهنتين في الشمال خصوصاً ولبنان عموماً. وهما تضمان منتسبين من مختلف الاقضية الشمالية والانتماءات الحزبية والدينية، وهو ما رسخ فعلياً، حساً وطنياً شمالياً، بالمعنى العابر للطوائف وليس بالمعنى الوطني الأشمل، استطاعت النقابتان الحافظ عليه عبر مسيرتهما الى اليوم (على اختلاف الظروف القائمة).

لكن المطالبة الاخيرة من محرري الشمال، الذين يعمل كثر منهم كمراسلين ومستكتبين في مطبوعات تصدر من بيروت، باستقلاليتهم النقابية، أشبه بانتقال ما هو مرغوب به سراً، الى العلن، وبشيء من المصارحة باستكمال ما تعرفه المدينة بـ"فيدرالية" نقابية، تضمن لها حرية تامة، لا يعود لبيروت اي سلطة فيها.

فالأصوات التي خرجت مطالبة بالنقابة الشمالية، بعد رفض النقيب الحالي الياس عون ضم الزميل في صحيفة "السفير" غسان ريفي الى لائحته، اتكأت على ممارسة "تهميش" بحق الشمال وصحافييه، وهو ما يعد مبالغاً فيه. اذ ان المجلس النقابي للمحررين اللبنانيين منذ نشوئه الى اليوم، قائم على محاصصة، لا تضمن لأي منطقة ولا لأي صحافي او محرر حقه، وهي بفعل الواقع، تمارس التهميش على ابناء المهنة انفسهم من اي منطقة أتوا ولأي مؤسسة انتموا. والحال، ان تنامي الدعوات الى تأسيس نقابة لمحرري الشمال، من سياسيين وصحافيين ليس الا اقتناصاً لفرصة جاءت على طبق من ذهب. فرغبة النقابة في بيروت، في مضمونها، ليس في استبعاد التمثيل الشمالي فيها، بل في اقامة وضعية انتخابية ملائمة، تضمن قبولاً للحصص السياسية، لا سيما أن هناك مرشحاً شمالياً من بلدة اكروم العكارية، وهو الزميل في "الشرق الاوسط" يوسف دياب، والذي ما زال ترشيحه وارداً ضمن لائحة الياس عون نفسها.

لكن، على الرغم من خروج دياب ببيان، وزع على وسائل الاعلام، وقوله انه يمثل ابناء الشمال، فالاحتجاج لم يخمد، بل زادت تبعاته. فكثرت الآراء حول ترشيح دياب واعتباره يمثل شخصه لا اكثر، وذلك بالاستناد الى عمل الاخير في صحف بيروت، وضمن كادراتها التحريرية. وبالتالي فهو لا يعرف "شجون الصحافيين الشماليين"، على ما علق احدهم.

في المحصلة، ربما يحق للشمال بنقابة مستقلة. ففي طرابلس وحدها هناك اكثر من 7 مطبوعات اسبوعية، وفيها مراسلون لصحف بيروت ووكالات اجنبية، يصل عددهم الى 30 محرراً، عدا عن العاملين في مكاتب الوكالة الوطنية. وهناك صحافيون يعملون في بيروت، وهم على تواصل مع مدينتهم وزملائهم فيها، ويؤيدون الطرح نفسه، ولو بشيء من التردد والخجل.

ويبدو ان السؤال يطرح نفسه، في ظل "مأساة" النقابة عينها وانعدام دورها (لا لمركزية بيروتية بل لخلل بنيوي فيها)، وانكفاء محررين كثر عن تسجيل اسمائهم في سجلاتها: هل نشهد نقابات محررين مناطقية، على مبدأ "الفدرلة"؟ وما مدى قدرة هذه النقابات على تحصيل حقوق الصحافي، أكامن من بيروت أو الشمال أو أي محافظة لبنانية أخرى؟