.. وترجّل الفارس
قبل خمس سنوات احتفلتُ بك، واليوم في الشهر ذاته أبكيك. المرة الماضية كتبتك فارساً يزين الدنيا فرحة وينير ظلام الحياة وظلمها ببريق عينين لا يخفت. أما اليوم فأبكيك طفلاً لم تهزمه قسوة الحياة فأخذه شبح الموت.
ترجّل فارس عن جواده وترك وروده الحمراء. غاب عن شارع الحمراء في بيروت لوقت طويل واعتقد الرواد الذين اعتادوا رؤيته يومياً أنه انتقل الى شارع آخر أو ربما قرر اعتزال المهنة واعتناق الطفولة وحسب!
لكن فارس ذهب إلى سوريا... ولم يعلم أحد بذلك إلى أن مات فيها.
فارس مات. أراد أن يعود إلى رفاقه في الحي، ويلعب معهم عله يستعيد شيئاً من حياته كطفل عادي. لكنه لم يعلم أن الموت في سوريا صار الحياة العادية.
عرفتُه منذ سنوات بتسريحة شعره اللامع والأنيق، وعينيه الواسعتين وضحكته التي لم تلوث براءتها حياة الشارع. كانت ملابسه مرتبة ونظيفة دائماً، وكان يحرص على تسوية أكمامه كلما خرّبتها الرياح أو جعّدتها الحرارة لأن "الماما تقول أنا أحلى شاب في الدنيا".
ما أبشع أن تتكلم عن طفل باستخدام كلمة "كان"، الطفل دائماً يكون ولا يصبح من الماضي. لكن طائرة معدنية عيونها شريرة وقلبها صدئ قررت أن تلغي وجوده... هكذا بكل صفاقة.
يموت الأطفال في سوريا كل يوم، على أيدي أشباح موت كثيرة. لم يعد يهمّ لصالح أي شيطان تعمل، فالنتيجة واحدة. ونحزن ونتلوى ألماً على براءتهم كل يوم، لكن الفقدان عندما يختلط بالمعرفة يصبح أقسى. يصبح للموت وجه وعينان وابتسامة وصوت كان يصدح "بدك وردة يا حلوة".
خمس سنوات بدأت عندما قدمتَ لي وردة حمراء ورفضتَ ثمنها، وهززت كتفك "أنا بدي أعطيك ياها هيك"، بكل خجل وطيبة لم أعهدها سابقاً. غمرتك وشكرتك وصرتَ صديقي. احتفلتُ بك بقصة صغيرة عيّنتك فيها فارساً على كل ما فيّ من حب للعالم، واليوم أكتبك وداعاً لا أصدق أنه حقيقة.
لماذا لم ترفع وردتك الحمراء يا فارس أمام الطائرة لماذا؟ لعل قلبها الحديدي يشعر بدقات قلبك الصغير فيعفيك من الموت؟
لماذا ذهبت إلى سوريا؟ ألم تعلم أنها أرض الموت ولم يعد للأطفال فيها من بيوت؟ لست غاضبة منك، سامحني، لكن هذا الألم لا يحتمل. عشت حياة قصيرة لا تتعدى الفترة الزمنية السخيفة بين مقالين. ليتك بقيت... ليتك بقيت في الحمراء أو حتى في الحسكة ولم يرَك ذاك الطائر اللعين.
في داخلي آلاف الأسئلة. ماذا حصل قبل أن ترحل؟ هذه الثواني القصيرة هل أخافتك؟ هل ارتجف قلبك الصغير؟ تألمت كثيراً؟ رحلت خائفاً يا فارس أم وحيداً أم كيف؟
أخبرني ماذا حدث، لا تجعل غيابك أطول من حياتك. حاول أن تعود في حلم ما، وتغمرني إذا استطعت.
سأنتظر أن أراك من جديد وتخبرني أن البريق ما زال يلمع في عينيك وأنك حققت حلمك في أن تتعلم القراءة. وحتى نلتقي... وزّع ورودك الحمراء على كل الأطفال الذين سبقوك.
ترجّل فارس عن جواده وترك وروده الحمراء. غاب عن شارع الحمراء في بيروت لوقت طويل واعتقد الرواد الذين اعتادوا رؤيته يومياً أنه انتقل الى شارع آخر أو ربما قرر اعتزال المهنة واعتناق الطفولة وحسب!
لكن فارس ذهب إلى سوريا... ولم يعلم أحد بذلك إلى أن مات فيها.
فارس مات. أراد أن يعود إلى رفاقه في الحي، ويلعب معهم عله يستعيد شيئاً من حياته كطفل عادي. لكنه لم يعلم أن الموت في سوريا صار الحياة العادية.
عرفتُه منذ سنوات بتسريحة شعره اللامع والأنيق، وعينيه الواسعتين وضحكته التي لم تلوث براءتها حياة الشارع. كانت ملابسه مرتبة ونظيفة دائماً، وكان يحرص على تسوية أكمامه كلما خرّبتها الرياح أو جعّدتها الحرارة لأن "الماما تقول أنا أحلى شاب في الدنيا".
ما أبشع أن تتكلم عن طفل باستخدام كلمة "كان"، الطفل دائماً يكون ولا يصبح من الماضي. لكن طائرة معدنية عيونها شريرة وقلبها صدئ قررت أن تلغي وجوده... هكذا بكل صفاقة.
يموت الأطفال في سوريا كل يوم، على أيدي أشباح موت كثيرة. لم يعد يهمّ لصالح أي شيطان تعمل، فالنتيجة واحدة. ونحزن ونتلوى ألماً على براءتهم كل يوم، لكن الفقدان عندما يختلط بالمعرفة يصبح أقسى. يصبح للموت وجه وعينان وابتسامة وصوت كان يصدح "بدك وردة يا حلوة".
خمس سنوات بدأت عندما قدمتَ لي وردة حمراء ورفضتَ ثمنها، وهززت كتفك "أنا بدي أعطيك ياها هيك"، بكل خجل وطيبة لم أعهدها سابقاً. غمرتك وشكرتك وصرتَ صديقي. احتفلتُ بك بقصة صغيرة عيّنتك فيها فارساً على كل ما فيّ من حب للعالم، واليوم أكتبك وداعاً لا أصدق أنه حقيقة.
لماذا لم ترفع وردتك الحمراء يا فارس أمام الطائرة لماذا؟ لعل قلبها الحديدي يشعر بدقات قلبك الصغير فيعفيك من الموت؟
لماذا ذهبت إلى سوريا؟ ألم تعلم أنها أرض الموت ولم يعد للأطفال فيها من بيوت؟ لست غاضبة منك، سامحني، لكن هذا الألم لا يحتمل. عشت حياة قصيرة لا تتعدى الفترة الزمنية السخيفة بين مقالين. ليتك بقيت... ليتك بقيت في الحمراء أو حتى في الحسكة ولم يرَك ذاك الطائر اللعين.
في داخلي آلاف الأسئلة. ماذا حصل قبل أن ترحل؟ هذه الثواني القصيرة هل أخافتك؟ هل ارتجف قلبك الصغير؟ تألمت كثيراً؟ رحلت خائفاً يا فارس أم وحيداً أم كيف؟
أخبرني ماذا حدث، لا تجعل غيابك أطول من حياتك. حاول أن تعود في حلم ما، وتغمرني إذا استطعت.
سأنتظر أن أراك من جديد وتخبرني أن البريق ما زال يلمع في عينيك وأنك حققت حلمك في أن تتعلم القراءة. وحتى نلتقي... وزّع ورودك الحمراء على كل الأطفال الذين سبقوك.