كندا مستقبلةً اللاجئين السوريين: طلع البدر علينا
الحملة الاعلامية التي رافقت اللاجئين السوريين الى كندا، تخطت الجانب السياسي والاجراءات الحكومية. فقد وقف عشرات الاطفال ينشدون "طلع البدر علينا"، وهو النشيد الذي استقبل به المسلمون الرسول محمد يوم وصوله الى المدينة المنورة. منحت كندا الترحاب، طابعاً ثقافياً يحاكي الى حد كبير ثقافة اللاجئين السوريين، في وقت لا تتخلّى الحملة الدعائية المكثفة في كندا لاستقبال الدفعة الأولى من اللاجئين السوريين، عن تهكم مبطّن من التعامل الدولي مع أزمة اللجوء.
ذلك أن "تقنين" الأعداد و"فلترتها" وتنظيم عملية النزوح "الجوي" على الأقل، كما فعلت كندا، كلها مقاربات تنطوي أيضاً على ترويج فكرتين، إحداهما تعيد للاجىء السوري حق التعامل معه كإنسان... بعدما شاهدنا عشرات الفيديوهات والصور المهينة للسوريين أمام أسوار الحدود ومحطات القطارات وباحات المطارات، وهم يعاملون باضطهاد بوليسي يقابله ترحيب شعبي نابع من مبادرات فردية. والفكرة الثانية، تأكيد لنهج الحكومة الليبرالية التي شكّلها رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو منذ شهر تقريباً، وهي حكومة جاءت مناصفة بين الرجال والنساء، وضمت وزراء من المهاجرين.
فالفيديوهات المنتشرة منذ يومين في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ترودو جنباً الى جنب، مع طاقم مؤلف من متخصصين ومتطوعين اجتماعيين، يستقبل الدفعة الأولى من اللاجئين (125 شخصاً). ويرسخ الفيديو، كما فيديو آخر انتشر لخطاب الاخير في مجلس الشيوخ الكندي، يؤكد فيه وقوف الحكومة الى جانب اللاجئين، صورة "عصرية" للدولة الكندية وحكومتها.
ففي مؤتمره الصحافي، في مطار تورونتو، شدد ترودو على ان هذا الاستقبال مؤشر لـ"مستقبل كندا"، ويتقاطع مع قيمها الليبرالية التي يتشاركونها مع الآخرين. وخدم الاعلام الاجتماعي هذه الحملة، اذ جاءت التعليقات في مصلحة الحكومة الجديدة، التي كانت أكثر تحرراً من سياسات الحكومات الكندية السابقة في ملف المهاجرين وانفتاحها عليهم. فالرجل الوسيم لم يمتنع عن تقديم نفسه وحكومته وشعبه والدولة كـ"أمة"، في إطار حديث بلا نبرة عنصرية أو خائفة من موجة اللجوء كما هو الحال في بعض دول اوروبا، وبلا النزعة الى التطرف في تصنيف اللاجئين وقياس مدى استحقاق بعضم اللجوء وتعيينه لهم، في مقابل منع هذا الحق عن البعض الآخر.
فهل يحاول ترودو التقاط اللحظة السياسية المناسبة لوضع كندا مجدداً لاعباً "انسانياً" على خط الأزمات الدولية، مكتسباً جمهوراً غير تقليدي عابر للقارات والمحيطات عبر أثير الفضاء الالكتروني، ومن خلال مواقعه؟ تجربة المستشارة الألمانية، انغيلا ميركل، سبّاقة، لكنها جاءت في ظروف مختلفة، ولو تقاطعت في توجهاتها الاقتصادية مع التوجه الكندي.
فالحكومة الجديدة تدرك تماماً، رغم الدعائية الانسانية لفحوى الاستقبال ومضامينه، انها لا تزال تحتاج الى مهاجرين جدد في اطار احياء المناطق غير المأهولة سكانياً. اذ تعد كندا ثاني اكبر دولة مساحة في العالم، ويبلغ عدد سكانها 35 مليون نسمة فقط، خُمسُهم من المهاجرين. وهي تحتل المرتبة الثامنة من بين اكثر الدول في العالم استقبالاً للمهاجرين. اضافة الى ان معدلات النمو السكاني منخفضة (يصل معدل الولادات الى 1,6 طفل لكل امرأة)، وتعاني نقصاً من العمالة. وبالتالي هذه الحملة ايضاً هي رسالة للداخل الكندي، الذي يعاني خوفاً مبطناً من استئثار الجارة الاميركية بموارد بلاده، ومن انحسار عدد افراد مجتمعه.
والحال، ان سياسة الانتقاء الممارسة من قبل الحكومات الغربية في اختيار اللاجئين، تكرست بقوة بعد هجمات باريس الاخيرة. فقلّصت الحكومة الكندية، كمثيلاتها من دول اوروبا العدد لتعيد دراسة الملفات وتتقيد بمبدأ "التفتيش الأمني"، واستقر الرقم على 25 الف لاجىء سوري، سيوطّن 10 آلاف منهم، على ان يتم استقبال 15 ألف لاجىء آخرين، من تركيا ولبنان والأردن، خلال العام 2016. وهو ما تحاول الفيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي تعميمه على أنه خطوة انسانية "جبارة"، ومثال يمكن الاحتذاء في العالم العربي، لاختلاف الظرف والمقياس.
قد يكون استقبال ترودو للاجئين السوريين بكل هذا اللطف، وسط تغطية اعلامية مكثفة، دعاية، لكنه رسالة بعينها الى العالم أجمع على أن السوري الذي يهان كل يوم، يحتاج الى الشعور بالإنسانية وبالاحتفاظ بالحد الأدنى من كرامته. فهل ستستمر التجربة الكندية في هذه الخطوة؟ ام ان المستقبل لناظره قريب؟