"اكاديمية الضحك" ... واستفزاز السلطة

ربيع شامي
الخميس   2024/05/16
لينتهي العرض بتوليفة جديدة تقلب النص رأسا على عقب
عرضت المسرحية السورية "أكاديمية الضحك" على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت، نص للكاتب الياباني كوكي ميتاني، إعداد وإخراج سمير عثمان الباش، وتمثيل لجين إسماعيل وكرم حنّون.

 
شغل الضحك العالم منذ القدم، واعتبر رد فعل وتهديماً للمسلمات من خلال السخرية منها. طلب فلاسفة الضحك من الناس ان يتجرؤوا ويشككوا من حقيقة الأشياء وان يروها من زاويا معاكسة. في مسرحية "اكاديمية الضحك" التي أعدها المخرج السوري سمير عثمان الباش عن نص للكاتب الياباني كوكي ميتاني يدور حول الحرية الفنية ورقابة السلطة عليها ولا سيما الضحك الذي لطالما اعتبر استفزازا لها ومحاولة لكسر هيبتها المركبة. تدور أحداث النص الأصلي على خلفية الظروف الأمنية التي عاشتها اليابان عام 1940 ودفعت السلطات لبسط سيطرتها على كل شيء بما فيها الأعمال المسرحية والرقابة على نصوصها. إلا ان المخرج سمير عثمان الباش، عمل على تخليص النص الأصلي من خصوصيته اليابانية وعربه بسياق محلي يأخذ في الاعتبار التفاعل المباشر مع الجمهور، من خلال حكاية كاتب مسرحي يقدّم محاكاة بعنوان "جوليو ورومييت" الى مكتب الرقيب الذي يطلب اجراء تعديلات متعددة على النص، يحاور الكاتب مراوغته وإدخال ما يطلب منه من إعادة كتابة مواقف وإدخال شخصيات من مسرحيات أخرى عليها وحذفه لكل ما يمت الى الضحك بصلة، لينتهي امر النص ويصل الى نهايات غير متوقعة.

احداث "اكاديمية الضحك" قدمت داخل ما يعرف بالعلبة الإيطالية الكلاسيكية لخشبة المسرح مع ستارة تفتح وتغلف عند كل بداية وانتهاء لوحات العرض. ادراج المؤسسات الحكومية المتكررة ذات اللون القاتم وقد لف بها المكان كاملا مثل جرارات توابيت المدافن الإنسانية، في الوسط ثلاث كراس ومكتب بعيد عن النافذة الخارجية.
 
يحيا الضحك 
بين مراوغة الكاتب وقساوة الرقيب المتسلح بالشعارات والسترة التي يرتديها ليتقمص شخصية الساهر على امن البلاد. "نحنا بحالة حرب، شو بدنا بالضحك" يقول الرقيب ويستطرد "انا ما بضحك ولا بضحّك، ما في داعي الناس تضحك! "جملة تكاد تختصر كل العرض المسرحي الذي بني على كوميديا المواقف في حواراته. الرقيب الذي يقترح حذف الضحك وتعديل الأحداث مع ادخال شخصيات اخرى مثل شخصية "هاملت" على "روميو وجولييت" لينتهي العرض بتوليفة جديدة تقلب النص رأسا على عقب، فيحذف الضحك وقصة حب روميو وجولييت ويدخل هاملت مكان هاملت ليغير مسار النص من قصة حب الى انتقام وبطولة التي برأي الرقيب تتماشى مع الأحداث التي تمر بها البلاد وتنمي الشعور الوطني لا سيما مع ادخال شعارات مثل "يحيا يحيا" و"عاش عاش" التي تنمي الحماسة الوطنية. أمام هذا العبث في نص الكاتب وتصاعد وتيرة المنع عند الرقيب وخياله الجامح يصبح الضحك سيد الموقف، ويبرره الكاتب (كرم حنون) بقوله: "كلما كنا واقعيين، كل ما صرنا منضحك أكثر". حوار مكثف على مدى ساعتين وأداء آسر من الرقيب (لجين إسماعيل) وانقلاب دوره من رقيب الى إملاءاته ككاتب، الى تطوعه كممثل دور رئيس الشرطة المستحدث في أحد المشاهد. ومن شخصية رقيب وراء مكتبه الى حكاياته التي يشرك الكاتب بها من داخل منزله مع الغراب الزائر الذي وضع في قفص أصغر منه، والحساسين التي مات أحدها لأنها وضعت في العتمة لوقت طويل، وتغريدها يبعث على التوتر، لأنها تعلمت لحناً واحداً من معلمها.
 
حوار سريع مليء بالدلالات الموجعة، توزعت على سبعة لقاءات بين الرقيب والكاتب يطرح بمواقف واقعية بسيطة أفكار ودلالات ومحاورات مع الضحك ووجوده كغريزة إنسانية ساخرة تخلخل كل وجوم سلطات هذا العالم.