هل يملك "فيلم ترامب" تأثيراً في الانتخابات الأميركية؟
في خضم الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية، يُعرض في الولايات المتحدة، فيلم "المتدرّب" The Apprentice الذي يتناول حياة دونالد ترامب في شبابه، للمخرج الإيراني الدنماركي علي عبّاسي. فهل يمكن للفيلم، الذي نال استحساناً من جانب، وانتقادات من جانب آخر، أن يكون له تأثير في الانتخابات؟
يروي "المتدرّب"، الذي تبدأ أحداثه في السبعينيات، السنوات الأولى لدونالد ترامب، كوكيل عقارات، وريث إمبراطورية كبيرة بالفعل سيستمر في توسيعها بمساعدة المحامي روي كوهن. هذا الأخير، المثلي الجنسي المكبوت، وأحد وجوه المكارثية في الخمسينيات، هو محامي أسوأ المحتالين في المافيا، وسيصبح مرشد ترامب، حتى وفاته من فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. أما البورتريريه المرسوم لشباب الرئيس السابق للولايات المتحدة، فلا هوادة فيه: جشع، عديم الرحمة، ماهر في الأساليب الاحتيالية لبناء إمبراطوريته العقارية، والأسوأ من ذلك، أننا نراه يغازل زوجته إيفانكا بشدة ثم يغتصبها.
اختير الفيلم في المسابقة الرسمية في مهرجان "كانّ" وحظي بإشادة النقاد، خصوصاً بأداء ممثليه الرئيسيين، سيباستيان ستان الذي ذهب ضد التيار في دور ترامب، بتمكّنه من تقليد تعابير وجهه بشكل مثالي، وجيريمي سترونغ الذي كان مرتاحاً جداً في دور كوهن، المحامي الفاسد الذي يعيش حالة من التداعي الحرّ. كما حقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً، وحصل على 80٪ من المراجعات الإيجابية في موقع Rotten Tomatoes منذ إصداره عالمياً.
توزيع فوضوي
على الرغم من أن الفيلم صدر في الولايات المتحدة، إلا أنه لم يعدم نصيبه من الجدل، بدءاً من عرضه في "كانّ". أولاً، أرادت شركة الإنتاج Kinematics، المملوكة جزئياً للملياردير المؤيّد لترامب، دان سنايدر، الانسحاب من المشروع بعد استثمار خمسة ملايين دولار، مندّدة بالتصوير غير الملائم للمرشّح الجمهوري. ثم، كانت الصعوبة الثانية في العثور على موزّع، في مواجهة محامي ترامب، المستعدين لمقاضاة الفيلم بتهمة التشهير، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
وقيل أنه طُلب من علي عباسي حذف مشهد الاغتصاب، وإزالة المشاهد التي يتناول فيها ترامب حبوب الحمية ويخضع لجراحات تجميلية، وهو ما رفضه المخرج. أخيراً، كان الموزّع المستقل توم أورتنبرغ، من خلال شركته Briarcliff Entertainment - التي وقفت بالفعل وراء نجاح فيلم Spotlight (الدائر حول تحقيق صحافي كبير حول الاعتداءات الجنسية في الكنيسة الكاثوليكية، والذي لم يرغب أحد في توزيعه) - هو مَن اشترى الحقوق. لكن على الرغم من تولّي توم أورتنبرغ مسؤولية التوزيع، ظلّ الإصدار غير مؤكد، وأطلق المنتجون حملة تمويل جماعي عبر موقع Kickstarter في أوائل أيلول/سبتمبر لجمع 100 ألف دولار.
الهدف؟ تأمين جدوى مالية وأوسع توزيع ممكن. "لم نتمكّن من الاعتماد على كل شركة كبرى. كان علينا إيجاد طريقة قابلة للتطبيق لإيصال هذا الفيلم إلى الجمهور في الوقت المتاح لدينا، وكنّا بحاجة إلى بعض حرية الحركة في هذه العملية"، كما يوضّح المنتجان إيمي باير ودانييل بيكرمان لمجلة هوليوود ريبورتر، وهما اختارا إطلاق حملة Kickstarter بالتوازي مع بيع حقوق التوزيع لشركة Briarcliff Entertainment. اختيارٌ حكيم، إذ جمع هذا التمويل أكثر من 400 ألف دولار.
مؤيدون متشبثون
هل يمكن لظهور مثل هذه الصورة اللاذعة للمرشّح ترامب، في خضم حملة انتخابية تجري على قدم وساق في استطلاعات الرأي، أن تؤثّر في الانتخابات؟ تشرح ألكسندرا شوارتز، الناقدة في مجلة "نيويوركر": "أميركا كلها تعرف بالفعل فضائح ترامب الجنسية، والاعتداءات، والاحتيال المالي، ومع ذلك انتُخب في العام 2016. من الواضح أن هذا لن يثني مؤيّديه عن التصويت له". في بودكاستها الأسبوعي Critics at Large، حيث، مع نعومي فراي وفينسون كانينغهام، تفكّ شيفرة قصة إخبارية ثقافية لهذا الأسبوع، خصّصت حلقة كاملة لإطلاق الفيلم.
وكما هو الحال في معسكر المؤيدين الأقحاح للمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس، إذ لا يوجد سبب للتشويش على تصويتهم أيضاً، فهم سيصوّتون لهاريس مهما حدث، وحتى لو تمنّوا أن يغيّر الفيلم آراء الناس، فمن المؤسف، بالنسبة لمعسكرهم، أن يتمكّن الناخبون المتردّدين من تغيير آرائهم بعد مشاهدة الفيلم. مثلاً، في ولاية نيويورك، حيث صوّت السكان للمرشّح جو بايدن بأكثر من 60٪ في الانتخابات الأخيرة، فإن الفيلم لن يجد جمهوره المنشود إلا في مانهاتن، حيث صنع ترامب ثروته في الثمانينيات.
جمهور صعب المنال
في مقالة نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز"، في أغسطس/آب الماضي، تساءل ستيفن غالواي، عميد كلية السينما بجامعة تشابمان، عن الجمهور الذي سيشاهد الفيلم. "لا أرى أن الناخبين الجمهوريين سيذهبون لمشاهدة الفيلم، كما أجد صعوبة في تخيّل سبب دفع الديموقراطيين عشرين دولاراً لمشاهدة فيلم عن ترامب". وهذه أيضاً المفارقة التي تتساءل عنها ألكسندرا شوارتز: "أنا فضولية للغاية بشأن من سيشاهد الفيلم. لم أكن أرغب في مشاهدته بنفسي. ترامب موجود بالفعل في كل مكان في الساحة الأميركية، فهل ما زلت أرغب في مشاهدته على الشاشة لمدة ساعتين؟"
المرشح نفسه وجّه العديد من الانتقادات للتنديد بإطلاق الفيلم. نقرأ في حساب ينقل الأخبار حول حزب ترامب: "هذا هجوم رخيص وتشهيري ومثير للاشمئزاز سياسياً، تم إطلاقه قبل الانتخابات الرئاسية 2024 مباشرة، لمحاولة الإضرار بأعظم حركة سياسية في تاريخ بلدنا: إجعل أميركا عظيمة مرة أخرى!". في شبكات التواصل الاجتماعي، لا يبدي مستخدمو الإنترنت المؤيدون لترامب أي تعاطف مع الفيلم: "هؤلاء الناس ليس لديهم أي احترام وهم مثيرون للاشمئزاز بصراحة، سيكون الفيلم فاشلاً". "أو: "المزيد من البروباغندا، تجاهلها وابق على المسار الصحيح"، كما نقرأ في "إكس".
وبينما يواصل دونالد ترامب تمثيل 46٪ من نوايا التصويت، وفقاً لاستطلاعات نيويورك تايمز، لا يبدو أن شعبيته تتدهور أبداً بين معجبيه المتحمّسين. "الرائع في مؤيّدي ترامب، الذين يُطلق عليهم حركة MAGA، هو أنه بغضّ النظر عن عدد الفضائح والدعاوى القضائية والأكاذيب التي قد يجمعها ترامب، فلا شيء يجعلهم يشكّكون في شرعيته"، تعلّق ألكسندرا شوارتز.
بالنسبة إلى بعض النقّاد، فإن صورة شباب ترامب التي رسمها فيلم "المتدرّب"، تقدّم رؤية أكثر إنسانية من الواقع: "أجد أن ترامب الشاب الذي تم تصويره في الفيلم مهذّب إلى حد ما، نشعر في لحظات معينة بالألم تجاهه، والتعاطف، والفيلم بعيد كل البعد من الافتقار إلى الحساسية ومراعاة الفروق الدقيقة". وبين هذا وذاك، سيلقي شباك التذاكر، وطبعاً نتائج الانتخابات، الضوء على النطاق الحقيقي للفيلم.