الأسد الثاني، الفراغ التالي، والحكومة نفسها

علي سفر
الخميس   2024/10/03
وزيرة الثقافة السورية ديالا بركات
تبدو همّة الحكومة السورية الجديدة عالية، من خلال ما رشح عن توجهاتها، لا سيما لجهة مراجعة سياسات سابقتها، في الملفات الرئيسة الأكثر تأثيراً في حياة السوريين، كالوضع الاقتصادي بشكل عام، وتأمين الوقود، ورفع قيمة الرواتب، وغير ذلك من القضايا الملحّة.

لكن شيئاً لم يظهر من خطط عمل الوزراء، ممن جاؤوا إلى وزارات لا تبدو مهمة بالنسبة للمواطن السوري، بل إن اهتمام الكثير من المتابعين تركز حول معرفة واستيضاح مَن هم هؤلاء الذين جاء بهم رئيس الوزراء محمد غازي الجلالي إلى حكومته. على سبيل المثال، لم يحظ تعيين الصحافي زياد غصن وزيراً للإعلام، باهتمام أحد، وتركزت المباركات له على أولئك الذين عملوا معه سابقاً، وهو الذي كان قد شغل منصب رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة "تشرين" الحكومية حتى العام 2008، كما شغل منصب مدير مؤسسة "الوحدة" للطباعة والنشر بين العامين 2012 و2020، وكان رئيس تحرير جريدة "تشرين" بين العامين 2011 و2012، إضافة إلى آخرين ممن باتوا اليوم مضطرين للتعامل معه.

كذلك الأمر بالنسبة إلى وزيرة الثقافة ديالا بركات، الباحثة الآثارية الآتية من صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى المناصب الحكومية، وهي تحمل دكتوراه في المنحوتات الحجرية الرومانية ودبلوماً في الآثار الكلاسيكية، وعيّنت وزيرة دولة لشؤون تنمية المنطقة الجنوبية في العام 2021. ورغم أن بركات لم تتلق مباركات كثيرة، بالنظر إلى مجهولية تاريخها للجمهور وللمثقفين السوريين في الداخل والخارج، إلا إنها تشترك مع وزير الإعلام في أنهما خارج دائرة الضوء، فانشغال الناس بتحرّي تاريخهما، يوحي بأن قدومهما من مساحة الظل إنما هو علامة على غياب الاهتمام الرسمي بالوزارتين، وعدم توقع حصول أي فرق في عملهما، قبل ولادة الحكومة الجديدة أو بعدها!

في زمن حافظ الأسد، لم يتغير شاغلا منصبَي الوزارتين طيلة عقود، إذ ظل محمد سلمان يحكم وزارة الإعلام، من العام 1987 وحتى العام 2000. كذلك فعلت نجاح العطار التي بقيت في منصبها من العام 1976 وحتى العام 2000. وتبعاً لقلة تغير الحكومات في ذلك الوقت، فقد تم النظر إلى الشخصيتين على أنهما جزء من القدَرية التي كرسها حكم الأسد الأب، فهو مَن جاء بهما ولن يرحلا إلا حين يرحل! وهذا ما جرى فعلاً مع فارق بسيط، إذ تغيرت حكومة محمود الزعبي الذي مات "منتحراً" بحسب الرواية الرسمية، قبل موت الديكتاتور الأب بثلاثة شهور.

لكن جمهور الإعلاميين والمثقفين في زمن بشار الأسد، صار يُحدث بعض الضجيج حيال الوزراء الذين يتولون هذين المقعدين في الحكومات المتلاحقة. فغالبية مَن كُلّفوا بهما، إنما قدموا من فضاءات النظام الأسدي ذاتها، فصار السؤال يُطرح عن العلاقة ما بين المُستَوزِر وبين وزارته، وكذلك بالبحث عن معطيات تفيد بمعرفة الشخصية. 

لكن الخفة، كصفة ميزت هذه المرحلة من تاريخ النظام، راحت تضرب المنصبين. فيحدث أن يأتي وزير للإعلام، لا يعرفه الصحافيون، مثل عدنان عمران (دبلوماسي سابق) وأحمد الحسن (دبلوماسي سابق)، ومهدي دخل الله (بَعثي ودبلوماسي)، ومحسن بلال (بَعثي، طبيب جراح، دبلوماسي). ولا يلحظ الجمهور أي إضافة لهم في المكان، سوى المزيد من التشدّد في قمع الإعلاميين وتكريس الضوابط الأمنية حيال ما يقدمه الإعلام الرسمي والخاص. وقد تفاقم الأمر بعد اندلاع الثورة، إذ لم يعد يُنظر إلى وزير الإعلام من خلال مهنيته، بل بات يُرى مجرد ضابط أمن، ينفذ تعليمات القصر والشبيحة في قطاع يتسم بالحساسية! 

وهنا يتذكر العاملون في مؤسسات وزارة الإعلام، كالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومؤسسة الوحدة التي تُصدِر الصحف الرسمية، كيف كانت أسماء الصحافيين المغضوب عليهم، الذين يجب التحقيق معهم حول آرائهم ومنعهم من السفر، تُمهر بتوقيع الوزير عدنان محمود، بعد أن تصله تقارير اللجان الأمنية المُشكّلة على عجل لمراقبة ومتابعة المعترضين على سياسة الحل الأمني، ثم تُرسَل إلى القيادة القُطرية التي تتولى بدورها إحالتها إلى الفروع الأمنية.

وفي وزارة الثقافة حدث الأمر ذاته، إذ لا يتذكر السوريون شيئاً من عهد الوزراء مها قنوت (شاعرة) ونجوى قصاب حسن (أستاذة جامعية) ومحمود السيد (أستاذ جامعي)... سوى أنهم كرسوا انعدام الوزن، ولم يستطع من جاء بعدهم أن يحدث أي تغيير في البنية المترهلة للمؤسسات المنطوية تحت إدارتها.

وفي زمن الثورة، صار الفراغ هو الحال، واللامعنى هو السمة الأبرز، خصوصاً مع الانقسام الكبير الذي ضرب قطاع الثقافة، وتحوُّل الكتلة الرئيسة من المثقفين إلى معارضة النظام، وتشظيهم في أصقاع المعمورة.

شعور السوريين بأن نظام الأسد يعيش مرحلة مستمرة من الترقب داخلياً وخارجياً، يجعلهم لا يعقدون الأمل على ما يأتي به. وبأثر من هذا الإحساس، لا تعود مهمة معرفة مَن هو زياد غصن، ومَن هي ديالا بركات. لكن المضحك المبكي في القصة يأتي من معرفة هذين الشخصين نفسهما بهذه الحقيقة، وبأنهما لن يتمكنا من تغيير أي شيء سوى أثاث مكتبيهما في حال توافرت السيولة، وإذا حصلا على موافقة رئيس الوزراء بعد القرارات السابقة عن ضرورة التقشف في النفقات الإدارية. 

وإذا حصل واتسقا في التوجه مع رئيس الحكومة محمد غازي الجلالي (شكّل لجنة مختصة)، في ضرورة مراجعة بعض القرارات والأنظمة الخاصة بشغل مراكز عمل القيادات الإدارية، والضوابط الخاصة بذوي القربى في الجهات العامة، وأحكام قبول الاستقالات وتمديد الخدمة، حسبما نشرته وكالة "سانا" الرسمية عن نواياه، فإن كل ما سيُتخذ من قرارات، سيُطوى في اليوم التالي. إذ لا تستطيع الحكومة، التي ينظر لها جمهور مؤيدي النظام وشبيحته على أنها مجرد أداة في يد الأسد، أن تغير أي قرار جرى اتخاذه سابقاً، بناء على أوامر الأجهزة الأمنية، وآليات منح الجُعالات بحسب الولاءات. ولا تستطيع أن تراجع الاتفاقيات التي وقعها الوزراء السابقون، بناء على تحالفات النظام، وسياساته المافيوية، والتي توضح الظل الثقيل للحضورَين العسكري والأمني لإيران ولروسيا!

إذاً، لا يرتجي الجمهور من الحكومة الجديدة أن تزحزح شيئاً في البلاد التي تعيش في دوامة منذ العام 2011. وأغلب الظن أن بعض الوزراء يعرف أن المطلوب منه هو تمرير الوقت، حتى يتخذ النظام ذاته قرارات تخص مصيره، أو يتخذها عنه أحد ما.