أربعة أدلّة على أننا لم نتحمّل الأسبوع الأول

طارق أبي سمرا
الأربعاء   2024/10/02
غارات اسرائلية على منطقة بئر حسن(علي علوش)
كأنّ شهوراً مضت منذ الاثنين 23 أيلول 2024. شهوراً منذ أصبح القتل يوميّاً وعاديّاً. شهوراً منذ كان هناك "توازن رعب". ومنذ كان لحزب الله أميناً عامّاً.

الإحساس هذا – بأنّ زمناً طويلاً مضى منذ ذلك الاثنين – طبيعيٌّ جدّاً ولا يستدعي الاستغراب. فقد دخلنا مذّاك في زمن آخَر، مُكثَّفٍ ورتيبٍ في آنٍ معاً. أيّ أنّ كلّ يوم من الأيّام القليلة التي تفصلنا عن ذلك الإثنين، حفل بأحداث كثيرة ومهولة يستلزم وقوعها، في الأزمنة العاديّة، مدّةً تُقاس بالأسابيع أو الشهور أو حتّى السنوات. لكن بالرّغم من هولها وكثرتها، فإنّ الأحداث هذه رتيبةٌ جدّاً، كلُّ حدث منها نسخةٌ مُكرّرة عمّا سبقه: قصف وقتل وجثث وتهجير، ثمّ قصف وقتل وجثث وتهجير...

من المرجّح أن تكون الأيّامُ الآتية – وقد تطول لشهور وشهور – حافلةً بنسخٍ مكرّرة عن تلك الأحداث: دماء وأشلاء، ركام ورعب وعبث. لعلّنا ما زلنا في بدايات هذا الزمن الجديد، بالرّغم من أنّ ما انقضى منه حتّى الآن يبدو طويلاً طويلاً. كيف سنحتمل طولَ هذا الزمن وأحداثَه الكثيرة، المروِّعة والرتيبة، إن كنّا عجزنا عن احتمال أسبوعه الأوّل؟ فنحن لم نحتمله: الإحساس بأنّ شهوراً تفصلنا عن ذلك الإثنين هو دليلٌ على أنّنا لم نحتمله. وهذا الانقباض في المعدة هو دليلٌ ثان. وانعدام القدرة على رؤية نهاية لهذا الزمن الجديد هو دليلٌ ثالث. وهذا الرعب من التكرار الرتيب للأحداث إيّاها، لكن بصورة مضخَّمة، إنّما هو دليلٌ رابع. وهناك أدلّة أخرى على أنّنا لم نحتمل هذا الأسبوع الأوّل، بالرغم من كونه أسبوعاً واحداً فحسب.

حيواتنا كما عرفناها باتت خلفنا. ولبنان كما عرفناه بات أيضاً خلفنا. نعلم ذلك وننكره في آنٍ واحد. أصبحنا نتساءل يوميّاً: كمّ من الوقت سنحيا بعدُ؟ هل سنُقتَل قريباً، وكيف؟ هل سينجو أهلنا وأصدقاؤنا وأقرباؤنا؟ هل سيحتلّ الجيش الإسرائيليّ الجنوبَ؟ هل سيصل إلى بيروت؟ هل مِن حرب أهليّة، ومتى؟ لكن بالرغم من هذه الأسئلة فإنّنا لا نصدّق أنّ ما حصل قد حصل، ونشعر بأنّ حيواتنا السابقة يمكن استعادتها بلمح البصر، وكأنّ شيئاً لم يكن.

والأسئلة هذه قد لا تصمد طويلاً. فنحن سنعتاد طرحَها على أنفسنا يوماً بعد يوم وساعةً بعد ساعة حتّى تبهتَ فلا تعود تثير فينا غير انفعالات طفيفة. ثمّ قد تتلاشى كليّاً، ذاك أنّها قد تنصهر في بديهيّات الحياة اليوميّة فلا نعود نلحظها. حينذاك ستكون حيواتنا السابقة قد أصبحت ذكرى بعيدة: ذكرى لا تكفّ عن الضمور إلى أن تستحيل نقطةً لا يصلنا منها سوى ضوء شحيح بالكاد يُرى.

لكنّنا لم نَعتَدْ بعدُ طرحَ تلك الأسئلة ولا يمكنّنا حتّى تخيُّل أنّنا سنعتاد ذلك. ما زلنا في بداية الزمن الجديد. أو الأحرى أنّنا الآن بين زمنَيْن. لقد طُرِدنا فجأةً، وبعنفٍ، من الزمن السابق – ولا نريد الدخول في هذا الزمن الجديد الذي لم يبقَ لنا زمنٌ غيره. نحن الآن في فجوة بين زمنَيْن. أو هذا ما نتوهَّمه. ذاك أنّ الأزمنة لا فجوات بينها. لذا، علينا أوّلاً أن نُصدِّق أنّ الزمن السابق ولّى إلى غير رجعة. ثمّ علينا أن نبدأ في الاعتياد على هذا الزمن الجديد. لا شيء سوى ذلك يمكن فعله.