ابتسام عازم : الإبداع الفلسطيني ليس "مانيفستو" سياسياً

محمد حجيري
الإثنين   2014/10/20
محفز رواية "سفر الاختفاء" جاء من مقولة لرابين الذي تمنى لو يصحو فيجد أن غزة قد غرقت

ابتسام عازم، روائية فلسطينية، تعمل كصحافية ومراسلة في نيويورك. صدرت روايتها الأولى"سارق النوم: غريب حيفاوي" عن دار الجمل عام 2011. وصدرت الثانية "سِفْر الاختفاء" عن دار الجمل أيضا، وتتضمن فكرة جديرة بالاهتمام والنقاش حول واقع فلسطين وناسها وواقعها في ضوء الاستعمار الجديد. وأجرت معها "المدن" هذا الحوار.

- إلى أي مدى يمكن وصف روايتك "سفر الاختفاء" بأنها انعكاس للتفكير الإسرائيلي بالفلسطينيين؟

* لا يمكن للعمل الفني أن يكون محض انعكاس لأي فكر، مهما كان هذا الفكر بعيداً أو قريباً من صاحب العمل الإبداعي. لأنه بذلك يصبح "مانيفستو" سياسياً أو اجتماعياً. وأرجو ألا يفهم كلامي هذا، على أن العمل الابداعي عموماً، والروائي خصوصاً، يجب أن يبتعد عن البيئة السياسية والاجتماعية والإنسانية التي ينشغل بها، بل على العكس تماماً، لكن عليه أيضاً أن يجد التوازن ويحافظ على مكوناته وجمالياته كعمل إبداعي.
 أما في ما يتعلق بالشق الثاني من السؤال أي "الفكر الإسرائيلي"، فسأفترض أنك تقصد الرواية الرسمية الصهيونية... لكن السؤال الأهم هنا: لماذا دائماً يُسأل المُستَعمَر الفلسطيني والمبدع خاصة، عن المُستعمِر، كجزء من إبداعه أو يوضع في ثنائية معه؟ روايتي الثانية "سفر الاختفاء" لا تنشغل بالإسرائيلي بقدر انشغالها بالناجين من "تروما" النكبة، بالمعنى الذي تحدثت عنه الباحثة روز ماري صايغ.

- تحضر الذاكرة الفلسطينية بقوة في روايتك وهي سند السرد وسببه، هل استطاعت إسرائيل أن تزور الذاكرة الفلسطينية برأيك؟

* الذاكرة هي أحد مفاتيح الرواية، لكنها ليست المفتاح الوحيد. فالرواية مهووسة بالحاضر كذلك. إذا أردت الإجابة بكلمة واحدة على سؤالك فسأقول: لا. إلا أن هذه الاجابة بسيطة ولا تعبر عن الواقع. على أرض الواقع نرى سيطرة للرواية الصهيونية على الاعلام الغربي السائد وربما حتى بعض الإعلام العربي. وعلى الرغم من انشغال الإعلام العربي والغربي بفلسطين على المستوى الإخباري إلا أن هناك جهلاً أو تجاهلاً للكثير لحيثيات هذه القضية وثقافاتها.  كما توجد أزمات في داخل "المجتمعات" الفلسطينية علينا التطرق لها بصراحة وحساسية، لكن كل هذا لا يعني في نهاية المطاف أن الحركة الصهيونية تمكنت من فرض روايتها على ذاكرات الفلسطينيين. والدليل الكمّ الهائل من الإبداع والأعمال المتميزة عن فلسطين ومن فلسطين.

- بطلا الرواية صديقان يقيمان في بناية واحدة ويتشاركان في مفاتيح الشقتين، أحدهما فلسطيني والثاني اسرائيلي، والصداقة التي تجمعهما تخفي بين طياتها فكرة تقاسم الحيز أو الفضاء الذي يجمعهما. ولأن هذه العلاقة غير متكافئة في الأصل، وتنطوي على مشاعر متناقضة، فقد كان المونولوغ واليوميات المدونة، وسيلتا الوصول إليها، فهذا النوع من البوح يجنب أو يؤجل النقاش المباشر والصدام. هل هذا المونولوغ أو اليوميات هو ما كنت تكتبينه أنت؟

* لا أوافقك الرأي على فكرة الصداقة وارتباطها بتقاسم الحيز. فالرواية تتحدث عن واقع ومعنى أن تعيش في وطن منكوب..."سِفْر الاختفاء" منشغلة بكل ما في الوطن أو الموْطن، ومن ضمنه الآخر. اليوميات التي تكتبها الشخصية الرئيسة، علاء، ليست سرداً ذاتياً ولم أدونها إلا عندما كتبت الرواية. لكن، صحيح أن جزءاً منها مبني على وقائع حقيقية عايشتها أو عايشها غيري ورواها لي أو أمامي، لكن في نهاية المطاف الرواية مبنية بشكل رئيسي على المتخيل من دون أن يعني هذا أن المتخيل ليس "واقعياً" أو لا يتقاطع مع الواقع.

- لناحية فكرة الرواية الفانتازية، هل تأثرت بفكرة "العمى" لجوزيه ساراماغو؟

* لم أقرأ لساراماغو، حتى الآن، إلا روايته "مدينة بدون موت" في ترجمتها الألمانية، وأحببتها. والفانتازيا أحد مكوناتها الرئيسية. الفانتازية عموماً مقوم أساسي للابداع، وتيمة الاختفاء ليست جديدة على الأدب. السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو المقدار الذي تمكن فيه المبدع أن يأتي بالجديد أو بتنويع حتى لو كانت الثيمة "قديمة"؟ ولا يكفي أن ننظر إلى موضوع العمل فعلينا أن ننظر إلى التفاصيل الكثيرة كالحبكة والأساليب الفنية والصور واللغة والتلاعب بالحواس وايقاع السرد والشخصيات والكثير الكثير غيرها. الفانتازيا هي أساس الإبداع، لكن حتى الفانتازيا لها "قوانينها". عندما أكتب الأدب، أحاول أن أعيش ما أكتبه ولا حدود للخيال. 

- هل أتت فكرة روايتك من المقولة الصهيونية عن فلسطين بأنها كانت "أرض بلا شعب"؟

*  أخذت الرواية هذا الفكر بعين الاعتبار، بالطبع، كونها جملة محورية في الايديولوجيا الصهيونية وفي تاريخ الصراع، لكن المحفز جاء من مقولة لإسحق رابين ذكر فيها أنه كان يتمنى لو يصحو ليجد أن غزة قد غرقت في البحر. إضافة إلى مقولة لأحد المؤرخين الإسرائيليين الذي قال، بما معناه، إنه كان من الأفضل لإسرائيل لو قامت بقتل أو طرد كل الفلسطينيين العام 1948، ليختفوا جميعاً. لا شك إن الخطاب الاستعماري الذي يحاول محو السكان الأصليين من الوجود ويعمل على محو ثقافتهم وتاريخهم ووجودهم فعلياً على الأرض، أدى دوراً مهماً وأثّر في تفكيري وفي أجواء الرواية. لكن الرواية تذهب إلى ما هو أبعد من الانشغال بموضوع الاختفاء فحسب.

كيف ستكون ردة فعل القارئ الإسرائيلي على الرواية؟

* هذا ليس همي.

ثمة من قال "إن الرواية لو كتبت بالعبرية سيكون وقعها أقوى"، ما رأيك؟

* في هذه المقولة اجحاف واختزال للإبداع الفلسطيني وسوء فهم عميق للحالة بأكملها. كيف يكون وقع الرواية أقوى بالعبرية، اللهم إذا كان القائل يظن أو يفترض أن الإسرائيلي هو المخاطَب الرئيسي وهو الجمهور وأننا في خضم "حوار" ما؟ لا يمكن حصر الإبداع الفلسطيني في خانة الحوار مع الإسرائيلي. بهذا تكون كأنك تطلق رصاصة على رأس وقلب المبدع وعمله. وحتى لو افترضنا أن المقولة هذه تصدر عن نوايا حسنة لكنها تقوم، ولو من غير قصد، بتبني رواية المستعمِر الذي يريد أن يعيد ضحيته دائما إلى محوره هو.

- يافا وتل أبيب ماذا تعنيان لك شخصياً كمكان؟

* تل أبيب بالنسبة لي شخصياً رمز لكل المدن التي بنيت على أنقاض مدن أخرى وحيوات وأشلاء سكانها الأصليين، ولم تتمكن من التصالح مع ذاتها حتى الآن.
علاقتي مع يافا متشعبة. ففيها ولدت أمي وعائلتها، لكنها هُجّرت العام 48 داخل فلسطين إلى مدينة الطيبة، قرية في حينه، ولا تبعد عن يافا أكثر من 40 كم شمالاً، وتربيت هناك إلى أن تركت الطيبة إلى القدس التي عشت فيها نحو سنوات ثلاث، ومن ثم بدأت رحلتي في إكمال الدراسة والعمل لأستقر، لسنوات طويلة، في ألمانيا، فرايبورغ وبرلين تحديداً، وأخيراً نيويورك.
يافا تعني الكثير على صعيد القلب والعقل. هي البوصلة بالنسبة إلي في ما يتعلق بفلسطين. البوصلة في ماضيها وحاضرها ومستقبلها الذي نكتبه نحن. لكنها، بين هذا كله، الأمل الذي نفتحه على مصراعيه، "حبل النجاة الأخير"، ولن ننجو إلا إذا تمكن أهلها وأبناؤهم من العودة إليها، من دون أن تعني العودة درباً آخر من دروب التيه وسفك الدماء. إن فقدنا بوصلة يافا سنكون قد فقدنا فلسطين وإلى الأبد... يافا ليست مجرد مدينة. إنها المدينة.