دمشق: تلاعب بزنة عبوات المواد الغذائية.. غش على المشكوف

منصور حسين
الأربعاء   2024/09/25
© Getty
عاد التجار وصناعيو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، للإعماد على حيلة تقليص سعة ووزن عبوات المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، مع استمرار معدلات التضخم بالارتفاع، رغم الاستقرار النسبي في أسعار الصرف، ليكون المستهلك المتضرر المباشر مع شرائه سلعاً متآكلة الجودة والكم، لكن بذات السعر السابق.

تقليص عبوات المواد الغذائية
بدا محمد (37 سنة) في حيرة من أمره، وهو يحاول تسوق متطلبات عائلته من المواد التموينية، وهو يشاهد كل العبوات أصغر من حجمها وبوزن لا يسد احتياجات أسرته حتى نهاية الشهر، لا سيما وأن مدخوله الشهري لا يسمح بزيادة جديدة على المصاريف.
السلع التي يفترض أن يشتريها محمد تتركز على زيت الطهي ومكعبات السمن النباتي والمعلبات وغيرها من المواد الأساسية، يفترض أن تكون بقيمة 100 ألف ليرة، ما يعادل ثلث مرتبه الشهري. 
لكن أثناء اختياره مادة الزيت بدت العبوة أصغر من حجمها المعتاد، وأقل من الليتر، وهي الكمية المدونة على العبوة، فضلاً عن مكعب السمن الذي تقلّص حجمه بمقادر الثلث تقريباً، والشعيرية التي أصبحت أخفّ، مع الحفاظ على تسعيرتها المعتادة.
"كل شيء صار أصغر وأخف، رغم الحديث عن العروض والزيادة، أما الحقيقة فهي تآكل الكمية بمعدلات مختلفة، وأصبحت غالية الثمن وسريعة الاستهلاك"، كما يقول محمد.
ويضيف أن "أسعار المنتجات ظلت على وضعها، لكن في حال اختيارك الشراء بالوزن فإن الفروق تظهر، حيث يبلغ سعر ليتر زيت بذور الشمس بين 30 و32 ألف ليرة، لليتر الواحد، بدلاً من 25 ألف ليرة، أما الشعيرية فإن المئة غرام تُباع بسعر 4000 ليرة، وهي فروق كبيرة تؤكد وجود التلاعب".

تلقي الشكاوى فقط
وأكد رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، عبد العزيز المعاقيلي، ورود شكاوى إلى الجمعية حول تلاعب المعامل والصناعيين في سوريا، بحجم المنتجات والعبوات أو تخفيض كمية المادة الفعالة في المواد الداخلة بتصنيع المنتجات، ومنها الغذائية والمنظفات.
وبرر المعاقيلي هذا الأمر، باستغلال الصناعيين عجز المؤسسة عن تحمل تكاليف فحص العينات التي تتراوح بين 6 إلى 7 ملايين ليرة، باعتبارها مؤسسة ذاتية التمويل، "لأنها تمثل المجتمع الأهلي"، دون أن ينسى التنويه إلى ضرورة تعزيز ثقافة الشكاوى للمواطن.
من جانبه، يؤكد أبو أحمد، صاحب بقالية لبيع المواد الغذائية في دمشق، وهو يعرض على طاولته مجموعة متنوعة من السلع، أن معظم المنتجات لا تحتاج إلى الفحص للتأكد من غشها أو التلاعب بجودتها وأوزانها.
ويتحدث أبو أحمد أن "كيس الرز المذكور عليه أن يزن 900 غرام، لا يتجاوز فعلياً 750 غراماً مع الحصى والمخلفات الدخيلة التي يحملها، إضافة إلى علب القهوة التي تتناقص بين 25 و50 غرام، بحسب حجم العلبة، وصولاً إلى وجبات الأطفال من الشيبس الذي يصل شبه فارغ، وعلب البسكويت التي كانت تضم 8 و6 قطع، لتصبح أربع قطع فقط".
ويضيف أنه حتى المنظفات التي يُفترض أن تكون عالية الجودة مقارنة بسعرها، صارت اليوم مشابهة لتلك التي تباع على البسطات، بعد تقليص المواد الفعالة منها.

حيل واستغلال الأزمات
بدوره، يوضح أبو حسن، وهو تاجر بيع جملة، أن عملية تقليص حجم العبوات ظاهرة معروفة، بغرض بيع السلعة بالسعر نفسه، في سوق لم تعد قادرة على تحمل المزيد من الغلاء.
ويقول لـ"المدن": "بعد أن أصبحت غالبية المواد مستوردة، فإن المورد يفرض على أصحاب معامل التعبئة حجم السلعة ومقدار جودتها، حيث يقومون بتقليل كميات المواد وأوزانها على حساب السعر، خاصة وأنهم يعتمدون على وزن الاستيراد الخام لا العدد".
لكن أبو حسن، يشير إلى أن التلاعب بالحجم الذي لجأ إليه التجار الكبار وأصحاب المصانع مؤخراً، يخفي التلاعب بجودة المنتج التي تتآكل منذ سنوات، خاصة الزيوت التي يتم خلطها بزيوت أقل جودة، إضافة إلى الاعتماد على المنكهات المركزة في إنتاج بعض السلع وبيعها على أنها مواد خام.
ويضيف أن "السلعة تصل السوق بسعر مقارب لسعرها المعتاد، لكن على حساب الكمية والجودة المتآكلة فعلياً، وذلك لإيجاد توازن مع سعرها الحالي وحالة الغلاء المستمرة وارتفاع تكاليف التعبئة والإنتاج، دون المساس بالأرباح الصافية للمنتجين".
وتحول التضخم إلى ظاهرة ملازمة للسوق السورية رغم الاستقرار النسبي في أسعار الصرف، التي تحافظ على مستويات دون 15 ألف ليرة لكل دولار، الأمر الذي يرجعه اقتصاديون سوريون إلى سياسات النظام الأخيرة، الخاصة بالاستيراد والتعويم وإلغاء الدعم، دون الاكتراث بآثار هذه الإجراءات التي يتحملها المواطن.