حظر الأونروا.. ختام سنوات طويلة من محاربة إسرائيل للوكالة
تُجمع مصادر سياسية على أن تصديق الكنيست الإسرائيلي، على قانون يحظر أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، داخل إسرائيل والقدس الشرقية، بموازاة تقييد عملها في الضفة الغربية وغزة، قد مهّدت له تل أبيب منذ 7 سنوات، أي في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
لكن إسرائيل وجدت في الحرب على غزة، توقيتاً مناسباً، لتشريع القانون ضد الوكالة الأممية، بعد حملة شيطنة لها، وبثّ سيل من المزاعم بشأن مشاركة موظفين منها، في هجوم 7 تشرين أول/أكتوبر 2023، على منطقة غلاف غزة.
وتهدف إسرائيل من "قانونها" ضد الأونروا، أن يؤدي تدريجيا إلى إنهاء الوكالة؛ لأن استمرارها يعني استدامة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر لا تريده إسرائيل. ولذا، فإن قانون الكنيست بدا بمثابة تحضير لـ"اليوم التالي لحرب غزة"، الذي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تكريسه بفرض واقع جديد، وبما يشمل الأونروا أيضاً!
ولكن ما هي مفاعيل هذا القانون الإسرائيلي؟ وهل يؤدي حظر نشاطها داخل القدس الشرقية والخط الأخضر، إلى تقييد عملها في الضفة وغزة والشتات؟
معنى القانون؟
ويقول الخبير في القانون الإسرائيلي المحامي محمد دحلة لـ"المدن"، إن القانون تمت المصادقة عليه بالقرائتين الثانية والثالثة، بالأغلبية، حيث أيده 92 عضو كنيست، بما شمل اليمين الحاكم، والمعارضة، باستثناء 10 نواب عرب صوتوا ضده. ويدّل تأييد القانون من جميع النواب الإسرائيليين، بمختلف مرجعياتهم وآيدولوجياتهم، على مدى الإجماع الإسرائيلي على معاداة الوكالة الأممية.
ويشير دحلة إلى أن القانون منح مدة 60 يوماً قبل التنفيذ، وذلك لإعطاء الأونروا فرصة لترتيب أوضاعها، من ناحية تسليم مقارها وممتلكاتها في القدس، أو عودة موظفيها الأجانب إلى بلدانهم. وبعد ذلك، سيُباشر في تطبيق القانون بكل ما يعنيه من تفسيرات.
وبيّن المحامي دحلة أن المعنى الأساسي ل"قانون الأونروا" الإسرائيلي، هو أن الوكالة لا يمكنها العمل "داخل إسرائيل"، أي بمفهوم تل أبيب، أراضي48 والقدس الشرقية.
ولفت دحلة إلى أن الأونروا لها مقر رئيسي في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، إضافة إلى مقر آخر في قلنديا (تعتبرها إسرائيل من أراضيها)، وبالتالي فإن الوكالة لن يكون بمقدورها النشاط في تلك المنطقة، وإدارة عملها في الضفة وغزة.
ماذا يعني إلغاء الامتيازات والحصانة؟
كما يتضمن القانون إلغاء كافة الامتيازات والحصانة الممنوحة لموظفي الأونروا، والتي كانت ممنوحة لهم بموجب تبادل الرسائل بين إسرائيل والوكالة والأمم المتحدة في ستينيات القرن الماضي. وهذا معناه أن موظفي المؤسسة الأممية سيكونون معرضين للملاحقات والمحاكمات والمضايقات الإسرائيلية، عدا عن أن مجيء الموظفين الأجانب إلى الأراضي الفلسطينية، ومنحهم تأشيرات للدخول، سيكون أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
ووفق المحامي محمد دحلة، فإن مسألة حصول موظفي الأونروا ومركباتها على تصاريح للتنقل والحركة، باتت محل شك بعد صدور قرار الكنيست، وكذلك الحال بالنسبة للتصاريح الممنوحة لسيارات الوكالة، ذلك أن القانون منح صلاحية للوزراء والموظفين الحكوميين الإسرائيليين كي يمارسوا التضيقات والإعاقات في حق الوكالة.
مع العلم، أن لدى الوكالة أسطول من المركبات، بواقع 220 سيارة في القدس والأراضي الفلسطينية، يتنقلون من خلالها بين أماكن عملها، بما يشمل الضفة وغزة، ولدى هذه المركبات نمرة بيضاء خاصة فيها، تمنحها إسرائيل فقط، بهدف تسهيل حركتها قبل صدور القانون المذكور أخيرا.
وهذه التفسيرات كلها، تعني أن القانون يقود فعلياً إلى شلّ عمل الأونروا، وربما تجفيف مواردها، لا سيما أن مقراتها الرئيسية تقع في القدس، عدا أن تنقل مركبات الوكالة من وإلى غزة، يتم عبر أراضي 48، وهي أمور قائمة على كيفية تفسير إسرائيل لقانونها عند تطبيقه على أرض الواقع، وهل ستوقف منحها "تصاريح حركة".
بالعموم، تبدو فترة التطبيق بعد نحو شهرين، هي المفسر المباشر للقانون، وذلك حينما تبدأ السلطات الإسرائيلية مرحلة التنفيذ، وملاحقة الأونروا، وإخلاء مقارها في القدس، وإعادة الموظفين الأجانب إلى بلادهم.
ويشدد المحامي دحلة على أن إسرائيل نفسها أُنشئت بذريعة قرار التقسيم رقم 181، الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 1947، ثم تقوم بمنع مؤسسة أممية من العمل في الأراضي الفلسطينية. واعتبر أنه آن الأوان كي تتخذ الأمم المتحدة إجراءات أكثر صرامة تجاه إسرائيل.
القانون.. تتويج لمساعٍ سابقة
بالعموم، يؤكد سياسيون وقانونيون في أحاديثهم لـ"المدن"، أن الدافع من "قانون الأونروا" هو سياسي بحت، يهدف إلى القضاء التدريجي على مسألة استدامة قضية اللاجئين، وتشكيل منظمات أممية أخرى بديلة للأونروا.
وقد حاولت إسرائيل في عهد إدارة ترامب السابقة أن يتم شطب الأونروا من الأمم المتحدة، لكنها لم تتمكن، كما سعت إلى تجفيف مصادر تمويلها قبل سنوات. وحاولت سابقاً أيضاً، مضايقة الوكالة الأممية، عبر تهديدها بالاستيلاء على ممتلكاتها وعقاراتها في القدس، مدعية أن الأراضي التي تقوم عليها تعود إلى "رعايا يهود"، رغم أن الوكالة استأجرتها من الأردن قبل عقود، أي عندما كانت تسيطر الأخيرة على الضفة والقدس. وطالب الاحتلال الوكالة وقتها بدفع تكاليف استئجارها لما يسمى "الحارس العام الإسرائيلي".
بهذا المعنى، لا جدال أن قانون الكنيست المستهدِف للأونروا، هو تتويج لمساعٍ إسرائيلية سابقة، لكنها وجدت ضالتها في الحرب على غزة، والترويج لـ"خطر الوكالة أمنيا على إسرائيل".
وبذلك، تعتقد الحكومة الإسرائيلية أنها تقدمت بخطوة أخرى إلى الأمام، فيما يتعلق بصياغة "اليوم التالي للحرب على غزة"، وهو يوم يتعلق بكل أعمدة القضية الفلسطينية، وبما يشمل محاولات فرض وقائع جديدة لتصفية القضايا الرئيسية، وإزالتها من الأجندة الفلسطينية والعالمية، والسيطرة على الضفة وكل القدس، وحسم الصراع بطرق متعددة.