3 أسابيع لاجتياح جباليا: فرض وقائع قبل الانتخابات الأميركية؟

أدهم مناصرة
الجمعة   2024/10/25
موجات كبيرة من النازحين إثر هجوم الاحتلال المستمر على جباليا (Getty)
يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي اجتياح مخيم جباليا منذ ثلاثة أسابيع، مخلفاً مئات الشهداء والجرحى وموجات كبيرة من النازحين، إضافة إلى استهداف ما تبقى من مقومات الحياة في المنطقة والإمعان في تدميرها، وسط حصار مطبق ومنع الغذاء والمساعدات.

عملية عسكرية طويلة
وتبدو العملية العسكرية طويلة نسبياً، وبلا زمن واضح، نظراً لأهدافها المركّبة و تدحرجها من منطقة إلى أخرى، حيث كثفت قوات الاحتلال في اليومين الأخيرين قصف "مشروع بيت لاهيا"، وهي بلدة محاذية لمخيم جباليا، لإجبار السكان على النزوح تحت النار، ما يعزز الاستنتاج بشأن إصرار الاحتلال على إفراغ المنطقة من السكان، بموجب خطة غير معلنة. واللافت أن مراسلين عسكريين إسرائيليين أقروا في إفاداتهم التلفزيونية، بأنه رغم مرور 21 يوماً على العملية، إلا أنها ما زالت تثير شكوكاً بشأن هدفها المستتر، إضافة إلى العسكري المُعلن.

بحث عن "مكاسب استباقية"
وقال مصدر من حركة حماس لـ"المدن"، إن الحكومة الإسرائيلية تسعى من خلال العمليات المكثفة في شمال غزة، وغيرها من الهجمات في عموم القطاع، إلى تحقيق مكاسب عسكرية تمكنها من فرض واقع تفاوضي جديد.
واعتبر المصدر أن حجم العمليات في غزة يشير إلى رغبة إسرائيل بحسم الصراع، أو على الأقل تحقيق "إنجازات تكتيكية" قبل أي ضغوط دولية مستقبلية لوقف العمليات.
ووفق قراءات حماس للتطورات، فإن الانتخابات الأميركية تشكل نقطة تحول رئيسية، إذ يعول نتنياهو على إدارة بايدن في أواخر عهدها، كي يحقق أكبر قدر من "الإنجازات على الأرض"، وكأنه في سباق مع الزمن، حيث يبذل نتنياهو جهده لتحقيق مكاسب ميدانية، لتدعيم موقفه السياسي قبيل الانتخابات الأميركية، في سياق تأهبه لأي سيناريو متمثل بفرض الإدارة الأميركية القادمة، سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية، سياسات جديدة تحد من العمليات العسكرية الإسرائيلية.

كمائن المقاومة.. وترشيد الذخيرة
إلى جانب ذلك، ترى حماس أن إسرائيل تحاول توظيف قتلها رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، من أجل "إضعاف الروح المعنوية للمقاومة"، وحسم "إنجازات ميدانية وتكتيكية في القطاع".
لكن المصدر الحمساوي المقيم في غزة، أشار في حديثه لـ"المدن"، إلى أن "الرد السريع" جاء من المقاومة، ليعكس قدرة كبيرة على "صمودها وتحديها لجهود الاحتلال".
وبشأن ظروف المقاومة في جباليا، قال المصدر إنها تظهر "قدرة على الصمود والتكيف مع المتغيرات، وهو أمر يعقّد الحسابات الإسرائيلية".
وحول طريقة عمل "القسام" في المخيم وعموم القطاع، قال المصدر إن "القسام" لا تعمل بهيكلية مركزية الآن؛ نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من سنة، وإنما على شكل "خلايا" في كل منطقة وتعتمد على نصب "الكمائن"، عدا أنها تتخذ قرار الضرب والانسحاب وفق الأهداف المحددة. كما أوضح المصدر أن عمليات "القسام" قائمة على ترشيد استخدام السلاح والذخيرة؛ لجعل المعركة طويلة، وفيها استنزاف للاحتلال.

روايات النازحين
إنسانياً، يقر المصدر الحمساوي بأن عدداً كبير من السكان اضطروا للنزوح من جباليا نحو مدينة غزة، لكنه قال أيضاً إن هناك عدداً لا بأس به من السكان ما زالوا موجودين في المخيم الأكثر كثافة سكانية على مستوى القطاع.
وروى مواطن من مشروع بيت لاهيا لـ"المدن"، حكاية نزوحه رفقة آخرين فجر الخميس، موضحاً أنهم عايشوا أياماً قاسية جداً على وقع حصار وقصف إسرائيلي مكثف.
وبيّن هذا المواطن الخمسيني أن الاحتلال طارد الذين نزحوا من مخيم جباليا إلى مشروع بيت لاهيا المجاور، وأجبرهم على النزوح رفقة سكان من البلدة. وقال إن رحلة النزوح على الأقدام من مشروع بيت لاهيا وصولاً إلى مدينة غزة، استغرقت ساعة كاملة، وقد مر من بين 80 دبابة إسرائيلية، وشاهد قواعد أقامها جيش الاحتلال في شارع صلاح الدين، بعد تجريف واسع لمناطق مفتوحة.

كاميرا.. تحدد "المطلوبين"
وروى النازح مشاهد لتفنن جنود الاحتلال في إهانة النازحين، وكانت كاميرا مثبتة على دبابة، تقوم بقراءة وجوه النازحين، وهي تحدد مَن المطلوب للاحتلال، فيتم اعتقاله، ومن يُسمح له بمواصلة طريق النزوح. وأضاف "طلب منا الاحتلال أن نتجه جنوباً نحو مواصي خانيونس، لكننا اتجهنا فجراً إلى مدينة غزة، خصوصاً أن جنود الاحتلال يمارسون ضغطاً نفسياً علينا، ويُطلقون النار نحو كل من يقترب من محور نتساريم".
وأشار النازح إلى أنهم لا يعلمون حقيقة مخطط الاحتلال النهائي بخصوصهم، وما إذا كان سيطاردهم أيضاً في مدينة غزة لاحقاً، لإجبارهم على النزوح جنوباً، لإفراغ شمال القطاع كلياً.
وهذا يقود إلى سؤال عما يدور في ذهنية الاحتلال: هل يعتمد مرحلية معينة في تهجير المتبقين من سكان الشمال؟ مع العلم، أنه بموجب التقسيمات الإدارية الفلسطينية، يضم شمال القطاع مخيم جباليا، جباليا-البلد، بيت لاهيا، بيت حانون.. لكن الاحتلال فرض تقسيماً آخر للقطاع خلال الحرب، ليضم شمال القطاع كل المناطق الواقعة شمال محور نتساريم، أي جميع ما ذُكر سالفاً، إضافة إلى مدينة غزة.

غزة تكتظ بالنازحين
وأكد النازح الفلسطيني ل"المدن" أن مدينة غزة تكتظ بأعداد هائلة من النازحين، وبلا غذاء أو مساعدات وتبدو غزة كسجن مُحاصر من جميع الجهات. وتابع: "الطعام الموجود في مدينة غزة لا يكفي أعداد النازحين الكبيرة".
ولفت أيضاً إلى أن الاحتلال جرف منذ بداية الحرب جميع الأراضي الزراعية والبساتين، وخاصة في منطقة بيت لاهيا التي كانت تعد سلة غذاء القطاع، وأصبحت مناطق رملية مفتوحة، لا يوجد فيها شجرة ولا أي نبات، لدرجة أنه بعد تجريفها، أصبح بإمكان الشخص رؤية المستوطنات في الجانب الآخر لحدود شمال القطاع من جهة الشرق بشكل واضح.