تركيا تجمّد أصول "جيش الإسلام"..محاربة الإرهاب أم تجفيف مصادره؟
أثار قرار الحكومة التركية تجميد أصول مالية تابعة لكيانات وشخصيات مقربة من فصائل المعارضة السورية المسلحة، المخاوف من توجه تركي للتضييق على موارد تمويل الفصائل في تركيا، وزيادة الضغوط عليها للانخراط في مسار التطبيع مع نظام الأسد.
وقررت وزارتا الخارجية والخزانة التركية حجز وتجميد أصول وأموال تعود لشخصيات وكيانات مرتبطة بجيش الإسلام، التابع للفيلق الثالث في الجيش الوطني، بينهم شاكر الحسيني، وشركة طيبة للتحويلات المالية التي يديرها في تركيا "لارتكابها أعمالاً تدخل في نطاق جريمة تمويل الإرهاب".
تخوف من تجفيف الدعم
وبحسب مصادر مقربة من "جيش الإسلام"، فإن شاكر الحسيني، شقيق القيادي أبو محمود الزيبق، أحد مؤسسي جيش الإسلام، يُعتبر المسؤول عن الخزينة المالية وإدارة مصادر التمويل والمؤسسات الاقتصادية للفصيل، وبينها شركة طيبة التي أسسها ويديرها منذ سنوات في تركيا.
وأوضحت المصادر أن عملية التجميد جاءت بناءً على اعترافات قدمها متهمون بتحويل كتل نقدية إلى تنظيم داعش في سوريا والعراق، تم القبض عليهم مطلع 2023، وقاموا بذكر الشركة كواحدة من المكاتب التي تم استخدامها في عمليات التحويل خلال السنوات الماضية.
وأضافت المصادر أن "شركة طيبة للحوالات المالية المدرجة على قائمة العقوبات الجديدة تمثل بيت المال بالنسبة إلى جيش الإسلام ومصدر التمويل الرئيسي، وبالتالي فإن تجميد عملها والحجز على أصولها المالية يعني تجفيف أحد أهم مصادر التمويل المباشر بالنسبة إلى الفصيل"، مؤكدة أن مثل هذه الاعترافات التي بنيت عليها قرارات الحجز والتجميد، إن صحت، فهي كيدية ومتعمدة من قبل التنظيم الذي يعتبر جيش الاسلام أحد ألدّ خصومه في سوريا.
وتشير المصادر إلى أن الشركة مرخصة منذ سنوات وتعمل وفق القوانين والأنظمة التركية، ما يجعل من اتهامها بالارتباط بتنظيم داعش وتمويل الإرهاب بعيدة عن الواقع، نظراً لطبيعة علاقة الجيش بالتنظيم من جهة، وأيضاً لمعرفة القائمين عليها بعواقب التعامل مع التنظيم.
قرار بأبعاد سياسية
ويشكك سياسيون ومراقبون سوريون في توقيت الإجراءات التركية الأخيرة، والأسباب التي دعت لاتخاذها، في ظل الانفتاح التركي على نظام الأسد ومحاولات التقارب بين الطرفين، فضلاً عن العلاقة المتوترة بين الحكومة التركية والفيلق الثالث الذي يضم جيش الإسلام والجبهة الشامية ومجموعات أخرى.
ويعتقد الناشط السوري عمار جلو أن التصرف المستجد مبني على ترتيبات تركية تهدف إلى وضع جيش الإسلام تحت سلطتها المطلقة، باعتباره أحد الفصائل التي تتمتع بهامش استقلالية لا تملكه كثير من فصائل ريف حلب.
ويقول: "الواقع أن جلّ تمويل الفصائل المسلحة يأتي من عمليات التهريب عبر المعابر الداخلية والخارجية، ومن الأتاوات ومن تبرعات شخصيات أيديولوجية لا تزال ترتبط بهذه الفصائل مع استثمارات داخلية كالنصرة في إدلب، وبالتالي فإن تأثير التجميد يظل ضعيفاً".
ويضيف أن "ولاء جميع الفصائل الأيديولوجية و المتباينة في ما بينها لتركيا، وقد يكون الاستثناء هو جيش الإسلام، لاسيما في بدايته"، معتبراً أن الهدف من التصرف التركي الحالي قد يكون جلب هذا الفصيل إلى الخيمة التركية والسيطرة على قراره، بعد التضييق على استثماراته التي توفر تمويلاً معقولاً له.
إجراء أمني فقط
لكن الباحث السياسي في مركز جسور للدراسات وائل علوان يرى أن الحكومة التركية تمتلك وسائل ضغط مباشرة وأكثر تأثيراً على فصائل المعارضة من عمليات تجميد الأصول والتضييق الاقتصادي، التي ترتبط بشكل رئيسي بالملف الأمني ومحاربة الإرهاب.
ويوضح ل"المدن"، أن القضية مرتبطة بملاحقة الأموال التي تصل إلى التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن طبيعة عمل الشركة المختصة بالتحويلات المالية معرضة دائماً لتحويل الأموال لجهات مشبوهة تضع هذه الشركة والقائمين عليها أمام المساءلة القانونية.
ويقول علوان: "لا يوجد أي تطورات ملموسة تدفع للتضييق على المعارضة على مستوى فرض تعليمات وتوجيهات تثير القلق، فالهم الأكبر للسلطة الحاكمة في تركيا يتمثل اليوم بالانتخابات والبيت الداخلي التركي".
ويتابع أن "إن هذا النوع من الإجراءات يأتي بناءً على عملية تتبع الأصول والحوالات النقدية إلى جماعات مدرجة على قوائم الإرهاب، أو جماعات ضبابية غير معروفة تثير الشكوك وتتطلب من الجهات الأمنية تتبعها وإيقاف طرق إيصال الأموال إليها".
رغم تباين التقديرات حول دوافع وأسباب الإجراءات التركية التي استهدفت ولأول مرة كيانات وشركات مقربة من المعارضة، إلا أن القرار يفتح الباب على كثير من التساؤلات حول مصير هذه الشركات واستثمارات فصائل المعارضة في تركيا، في حال قررت أنقرة تجفيفها أو التضييق عليها، خاصة في هذا التوقيت.