الجولاني يتفقد المسيحيين..بعد سنوات من اضطهادهم وتهجيرهم
أعاد سلفيون منشقون عن "تحرير الشام" الهجوم على زعيمها أبو محمد الجولاني عقب ظهوره وسط عدد من الشخصيات الذين ينحدرون من قرى ذات غالبية مسيحية بريف جسر الشغور الغربي.
ووجّه هؤلاء اتهامات للجولاني بالسير على خطى رئيس النظام السوري بشار الأسد بالاستثمار في الأقليات بهدف كسب رضا المجتمع الدولي، بعد الزيارة السابقة إلى جبل السماق الذي تقطنه غالبية من الأقلية الدرزية مطلع حزيران/يونيو.
وبثت وكالة "أمجاد" الذراع الإعلامية ل"تحرير الشام"، صوراً للجولاني يتوسط عدداً من الشخصيات، قالت إنها من زيارته إلى قرى اليعقوبية والقنية والجديدة في ريف جسر الشغور الغربي، ولقائه بوجهائها، من دون إعطاء أي تفاصيل إضافية حول المواضيع التي تم التطرق إليها خلال اللقاء.
حامي الأقليات!
حامي الأقليات!
ووصف القيادي المنشق عن تحرير الشام المحامي عصام الخطيب، الجولاني ب"الديك" الذي يحاول تسويق لحمه للمجتمع الدولي، عبر إظهار نفسه بمظهر الحامي للأقليات التي تعيش داخل مناطق سيطرته.
وقال الخطيب في "تلغرام"، إن الجولاني حاول إغراء الأقلية الدرزية خلال ظهوره الأخير في جبل السماق بعبارة "لا إكراه في الدين"، وكذلك يفعل اليوم مع المسيحين في جسر الشغور، عبر إطلاق صفة "أتباع الدين المسيحي" عبر إعلامه، لكن ذلك كله في سبيل الحفاظ على صفة القائد المُفدى ل"الديك".
من جهته، رأى السلفي المنشق عن تحرير الشام أبو يحيى الشامي أن الجولاني قدّم خلال لقائه الأخير بالدروز في جبل السماق إقراراً ببقائهم على "دينهم وضلالهم"، وإذ يلتقي اليوم ب"النصارى" في جسر الشغور، فهو بمثابة الصك بمشروعية ممارساتهم على كافة الأصعدة، متسائلاً عن الخطوة القادمة قائلاً: "أين تسير يا جولاني".
وتساءل الشامي في "تلغرام"، عن مدى قابلية الجولاني للقاء مشابه مع الهندوس وحزب مودي إذا أُتيح له الأمر، والتنازلات التي سيقدمها لهم، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي لن يقبل رغم كل هذا "الانبطاح والتزلف" منه.
غسل صبغة القاعدة
ومنذ إعلان تحرير الشام الانفصال عن تنظيم "القاعدة"، لا يدخر الجولاني مناسبة مدنية أو رسمية للظهور إلا ويقوم بها، مخصصاً لقاءاته في غالبيتها للحديث بالشأن المدني والخدمي، كما فعل في جبل السماق، عندما وعد بتقديم الخدمات وتحسينها.
واعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني زيارة الجولاني محاولة لغسل "صبغة القاعدة" عن نفسه، بهدف تحقيق المكسب الأكبر بإزالته وهيئته من قوائم الإرهاب الدولي، التي لاتزال ملتصقة به حتى بعد إعلانه الانفصال عنها في تموز/يوليو 2016.
وقال عبد الغني ل"المدن"، إن "الجولاني يحاول عبر لقاءاته بالأقليات إظهار نفسه كجزء من هذا المجتمع، والتغيير الذي طرأ على سلوك تحرير الشام عقب انفصالها عن القاعدة حقيقي"، مضيفاً أنه يريد تطمين المجتمع الدولي، الى أن الأقليات تتمتع بكامل حريتها الدينية والعقائدية، والتي تنافي صُلب العقيدة في القاعدة، التي تقوم على منعها بل ومحاربتها أيضاً.
مكتب أملاك النصارى
وبدأ الرحيل المسيحي عن محافظة إدلب مع بداية الحرب السورية، لكن هذا الرحيل ازداد مع سيطرة "جيش الفتح" على المحافظة في 2015، حتى أصبح عددهم لا يتجاوز ال200 مسيحي فقط، معظمهم من الطاعنين في السن. ويبلغ عدد الشباب المسيحي في المحافظة 10 أشخاص فقط، بعد أن سجلت آخر إحصائية للمسيحين في المحافظة 10 آلاف، قبل الحرب.
وعلى الرغم من إعلان "تحرير الشام" فك ارتباطها بالقاعدة، إلا أن الانتهاكات بحق المسيحيين لم تتوقف، وكانت تُصادر أملاكهم تحت مسمى مكتب "أملاك النصارى"، والذي كان يستولي على أملاك المسيحين المقيمين في مناطق سيطرة النظام والمتواجدين في قراهم على حد سواء، لصالح قادة وعناصر الهيئة.
وفي 2018، قررت "تحرير الشام" اتخاذ خطوة نحو الإمام وإعادة تلك الأملاك لإصحابها وخصوصاً الزراعية، لكن الخطوة لم تكُن عند مستوى طموحاتهم، بسبب إجبارهم على توقيع عقود "انتفاع" منها، تنصّ على السماح لهم بزرع أراضيهم؛ مقابل الحصول على نسبة 60 في المئة من المحصول لصالح مكتب "الجباية" في تحرير الشام، من دون أن تتدخل بمشاركتهم في النفقات اللازمة للزراعة.
ولم يسلم المسيحيون من حرمانهم بشكل واضح من المساعدات الإنسانية بأمر من "تحرير الشام" إضافة إلى منعهم من ممارسة طقوسهم الدينية إلا بداخل بهو الكنيسة، من دون قرع الأجراس أو رفع الصلبان، الأمر الذي تغيّر في كانون الأول/ديسمبر2021، عندما بثّ مسيحيو إدلب احتفالاتهم بعيد الميلاد المجيد، بشكل علني للمرة الأولى، لتبدأ معه مقارنة الجولاني بالأسد، باستثمار الأقليات لتحقيق مآرب سياسية، وإلصاق تهمة الديكتاتورية به، كون "التبجح" بحماية الأقليات الدينية والعرقية هي إحدى أبرز سماته، بحسب معارضي الجولاني.