خيارات تركيا الصعبة..إذا غزت روسيا أوكرانيا

ليلى ايجيلي - أنقرة
الثلاثاء   2022/02/22
© Getty
بينما يتصاعد التوتر على الحدود الأوكرانية-الروسية، يراقب أحد حلفاء الناتو أوضاع المنطقة بقلق وعن كثب: هذا الحليف هو تركيا.
تتمتع تركيا بعلاقة وثيقة مع جارتها المطلّة على البحر الأسود، أوكرانيا، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5 مليارات دولار. ويحرص الجانبان على زيادتها إلى 10 مليارات دولار.
وتتشارك الدولتان في إنتاج الطائرات التركية المقاتلة المسيّرة (بيرقدار)، التي غيّرت بشكلٍ استراتيجي مسار بعض الصراعات في المنطقة. ونتيجة هذه العلاقات الوثيقة بين البلدين دعمت تركيا سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها منذ بدء الصراع مع روسيا عام 2014.وفي قضية شبه جزيرة القرم، لم تعترف تركيا بضم روسيا لها، بل دعمت مجتمع تتار القرم، ومنحت العديد منهم حق اللجوء إلى تركيا.
في الوقت نفسه، لم تساهم تركيا إلى جانب الولايات المتحدة والدول الأوروبية بفرض العقوبات على روسيا بعد أن ضمّت شبه جزيرة القرم، بل اكتفت بإدانة القرار الروسي.
واليوم، تتمتع تركيا بعلاقاتٍ أفضل مع روسيا مقارنة بعام 2014، حيث انهارت العلاقات بين تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبخاصة الولايات المتحدة، حتى ذهبت تركيا إلى حد توقيع معاهدات دفاعية مع روسيا. ورغم اعتراض الناتو، تمتلك تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي البعيد المدى "إس-400".
وفي حين يدعم الناتو بشكل كامل أوكرانيا، لأنها قد تدخل الحلف في المستقبل، تبقى تركيا في موقف صعب كعضو في"ناتو"، حيث لا تستطيع أيضاً التخلي عن التعاون مع روسيا. ولهذا السبب، لم تتخذ تركيا موقفاً واضحاً في الصراع.
ودعا مسؤولون أتراك، روسيا والقوى الغربية، إلى الحفاظ على الهدوء وعدم تأجيج التوتر. وطالبت تركيا أن تكون وسيطاً بينهم، آملة بإقناع روسيا من خلال توجيه رسائل حذرة لها. ولكنها لم تفعل ذلك بعد.

لماذا تريد تركيا أن تلعب دور الوسيط وما هي العقبات أمامها؟

أولاً، ترى أنقرة في لعب دور الوسيط، فرصة لتعزيز موقعها في ال"ناتو"، إذ كانت تركيا، في وقت سابق، على خلاف مع الولايات المتحدة. اتهمت تركيا أقوى حليف في "ناتو" (الولايات المتحدة) بدعم الجماعات التي تعتبرها "إرهابية"، مما أدى إلى بعض العقوبات على الصناعات الدفاعية التابعة لها. وكونها الدولة الوحيدة في ال"ناتو" التي تستطيع إقامة علاقة تعاون وثيقة مع موسكو، تستغلّ أنقرة هذا الأمر لتعزيز موقعها في الحلف.
ثانياً، يأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لعب دور الوسيط، وبأن يقدم حلاًّ للمشاكل التي قد واجهها في وقت سابق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
على مدى العامين الماضيين، تمكن الزعيمان من الحفاظ على تعاونهما في النزاعات حيث كانا يدعمان الأطراف المتعارضة، كما في ليبيا وسوريا. ولكن في ما يتعلّق بأوكرانيا، لم يغير بوتين موقفه الحازم، ولهذا السبب احتاج أردوغان إلى شيء ما لتليين موقف بوتين. وكان قد اعتقد أن الوساطة ستوفر ذلك. ولكن هناك عقبات من كلا الجانبين.
لم يُعجب بوتين بفكرة كون تركيا وسيطاً بينه وبين الغرب، لأنه لا يثق بأردوغان الذي باع طائرات مسيرة مسلحة لأوكرانيا.
وفي السياق، كان الجيش الأوكراني قد استخدم هذه الطائرات المقاتلة المسيّرة في تشرين الأول/أكتوبر 2011، في دونباس، ممّا أدى إلى خسارة الجماعات الانفصالية المدعومة من روسيا بعض المعدّات.
وعندما نشرت أوكرانيا الصور على وسائل التواصل الاجتماعي، خرج الكرملين علناً كي يتحدث ضد تصدير تركيا للطائرات المقاتلة المسيّرة إلى أوكرانيا، كما ليدين أنقرة في تعقيد و زعزعة الوضع أكثر.
وعلى الرغم من أن بوتين قد أوضح موقفه، إلا أن أردوغان دعاه إلى تركيا للتحدّث عن الأزمة وجهاً لوجه. وقدم بوتين إجابة غامضة حيث لم يرفض الدعوة ولكن لم يعِد بزيارة أيضاً.
والآن، تتوقع أنقرة تحديد موعد لزيارة بوتين، بينما يريد بوتين "تلقين أردوغان درساً"، آخذاً وقته لإعطاء إجابة واضحة.
ولكن من المهم الإشارة إلى أن بوتين لا يمكنه أن يخاطر بخسارة تركيا على الإطلاق، لأنها الدولة الوحيدة في "ناتو" التي باعت لها نظامها الدفاعي. ويمكن لبوتين استخدام هذا النفوذ دائماً في أي صراع، وإقناع تركيا بخلق معضلة داخل الحلف. ولذلك هناك حدود لموقف بوتين تجاه تركيا.
ولهذا السبب، قد يتوجه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، وليس بوتين، إلى تركيا لحضور منتدى أنطاليا الدبلوماسي في منتصف آذار/مارس، وهي منظمة يوليها وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو أهمية كبرى.
والعقبة الثانية أمام تركيا هي أن القوى الغربية لم تأخذ الطلب على محمل الجد حتى الآن، حيث انعقدت مؤتمرات عن بعد بين القادة ووزراء الخارجية والدفاع، ولكن لم تكن تركيا في أي منها.
أيضاً، فيما يواصل القادة الألمان والفرنسيون والأميركيون اتصالاتهم المباشرة مع بوتين، فإنهم ليسوا بحاجة إلى منح مثل هذه اليد القوية لتركيا وقائدها غير الموثوق به سياسياً؟
وفي حال حدوث غزو روسي، ستقف تركيا إلى جانب "ناتو". لدى تركيا الكثير لتخسره في حالة اندلاع حرب شاملة أو غزو، مثل علاقاتها التجارية مع روسيا وأوكرانيا، وتدفق الغاز من روسيا (تعتمد تركيا، في ثلث احتياجاتها من الطاقة، على روسيا)، وآلاف السياح الذين تتوقعهم من روسيا في غضون شهرين، والاستثمارات الأخرى التي وعدت بها موسكو.
لذا، تتبع أنقرة سياسة توازن حساسة للغاية، فهي ليست حريصة على الانحياز إلى أي طرف أو الانضمام إلى العقوبات الجديدة المحتملة على روسيا. لكن، وبحسب مصدر دبلوماسي تركي رفيع المستوى، في حالة حدوث غزو، ستتعاون تركيا مع "ناتو" لحماية وحدة أراضي أوكرانيا.
ويقول مصدر دبلوماسي آخر -من إحدى دول "ناتو"- إن لديهم مخاوف بشأن عدم انضمام تركيا إلى نظام عقوبات جديد محتمل على روسيا. وهم محقون في مخاوفهم، إذ أن تركيا ستحاول عدم الانضمام إلى نظام العقوبات لأن ذلك سيؤدي إلى خسارة لتركيا بالإضافة إلى روسيا. وبالتالي، لن يرسل أحد الغاز إلى تركيا إذا أغلقت روسيا الصمامات.
ولكن في النهاية، تبقى تركيا عضواً في"ناتو". وأضاف المصدر الدبلوماسي "تركيا واضحة جداً بشأن موقفها؛ ولا يمكنها أن تخسر امتيازاتها كدولة من دول خلف شمال الأطلسي ولا يمكنها المخاطرة عندما يتعلق الأمر بهذه النقطة، على الرغم من أن ذلك سيعقّد علاقاتها مع روسيا".