هاربات من الباغوز بينهن لبنانية:عبور حقل الألغام على عكازين!
حَفِلَ مشهد سقوط مخيم الباغوز وما سبقه من أيام الحصار، بصور مئات النسوة، ممن تهافتت وسائل الاعلام الغربية للحديث معهن، قبل نقلهن إلى مخيم الهول في الحسكة. بعضهن رفضن الحديث، واكتفت أخريات بالهتاف: "دولة الإسلام باقية". وعبّرت أخريات عن رغبتهن بالعودة إلى بلادهن، وبعضهن رفعن احذيتهن في وجه عدسات الصحافيين. بعضهن أصبحن جثثاً هامدة، عقب اقتحام مخيم الباغوز.
إلا أن ما يجمعهن، هو الزي الأسود، يغطيهن من هامة الرأس إلى أسفل القدمين، ويكسوهن بمزيد من الغموض. بعض قصصهن، تنقلها "المدن" على لسان مقاتلين من "قوات سوريا الديموقراطية"، الذين كانوا يُحاصرون المخيم.
هربت من زوجها إلى "داعش"!
لم تكن تعرف الكثير عن "الدولة الإسلامية"، وكل ما كانت تسعى إليه هو الهرب من زوجها. هكذا قالت الفتاة اللبنانية ح.س، التي غادرت الباغوز مع ولدها وابنتها، برفقة امرأة روسية من زوجات عناصر التنظيم أيضاً، وسلموا أنفسهم لاحدى نقاط "قسد". ولأنها بحاجة لمساعدته، فقد روت ح.س لقائد النقطة أحمد، كل حكايتها، وفوق ذلك سلمته هاتفها الجوال الذي تؤكد صوره ورسائله مزاعمها.
هربت ح.س، 24 عاماً، من منزل زوجها في البقاع في لبنان، في العام 2016، مع ولديها الصغيرين، وتوجهت إلى مناطق سيطرة "داعش"، لاعتقادها بأن ذويها وزوجها لن يلحقوا بهم إلى هناك. الزوجة الشابة، سرقت عشرة آلاف دولار، من خزانة زوجها.
ومهدت صديقة مغربية الطريق لـ.ح.س إلى مناطق سيطرة "داعش"، بعدما كانت قد تعرفت عليها في وسائل التواصل الاجتماعي. الصديقة المغربية كانت تقطن في ما سمي "أرض الخلافة". ح.س وصلت الحدود اللبنانية السورية، واستطاعت التعرف على مهرب، طلب 4 آلاف دولار لإيصالها إلى ادلب، وبعد وصولها إلى هناك نقلها مهرب آخر إلى مدينة الباب في ريف حلب، التي كانت خاضعة لسيطرة "داعش" آنذاك.
تقول ح.س إنها فوجئت بخشونة استقبال عناصر التنظيم لها، إذ قاموا بتحويلها إلى سكن خاص للنساء، يدعى "مضافة النساء"، الإقامة فيه شبه جبرية، ويتم الضغط فيه يومياً على غير المتزوجات والأرامل لتزويجهن من عناصر في التنظيم. إذ لا انتقال من مضافة النساء قبل الزواج. وفي هذه الاثناء انتقتها إحدى المشرفات للزواج من عنصر عراقي الجنسية، وبعد رفضها لمدة سنة ونصف السنة، امضتها في المضافة شبه سجينة، وافقت على الزواج من "ابي صهيب الانباري"، لكن القدر لم يمهله طويلاً، وقتل بضربة جوية لقوات "التحالف" في بلدة البوحسن، بعدما تنقلت معه في المناطق والقرى بعد انحسار مساحة سيطرة التنظيم.
واستمرت بالنزوح مع ولديها، حتى الوصول إلى الجيب الأخير في الباغوز، وبعد طول تفكير قررت أن تسلم نفسها لـ"قسد"، لكن لم يكن لديها أي خطة.
أخبرت ح.س أحمد أنها ستتعرض للقتل على يد أهلها، لو أعيدت إلى بلادها، وناشدته المساعدة، فوعدها وعداً قاطعاً بأن ذلك لن يحدث وفيه "عرق ينبض". ثم تركها في نقطته العسكرية بحراسة زملائه وذهب لمهمة عاجلة، وفي هذه الاثناء حضرت دورية مخابرات "قسد"، وانتزعت الفتاة وولديها من النقطة واقتادتهم إلى جهة مجهولة.
أحمد حاول الوصول إلى ح.س بشتى الطرق، لكن قيادته أخبرته إنها الفتاة قد حوّلت بعد التحقيق معها إلى مخيم الهول، وحين تبعها إلى الهول وسأل عنها أخبروه أن "قسد" سلمتها لحكومة بلادها. لكن أحمد لم يصدق ذلك. أحمد قضى حتفه الأسبوع الماضي، بانفجار لغم في محيط الباغوز، من دون أن يعرف مصير الفتاة التي قطع وعداً لها بمساعدتها.
اجتازت حقل ألغام على عكازين
كان جاسم أحد عناصر "قسد" المكلفين بالحراسة لإحكام الطوق المفروض على "داعش" في الباغوز. وبعد يوم عصيب من القتال والاشتباكات، توزع مع رفاقه على مناوبات الحراسة الليلية في تلك النقطة التي لا تبعد عن مخيم الباغوز سوى 800 متر. وصادف أن كانت نوبته بين الرابعة والسادسة فجراً، فتسلم نوبته وراح يراقب القطاع المكلف به. فجأة سمع صوت بكاء طفل يقطع الهدوء النادر في منطقة القتال تلك. الصوت جاء من جهة تمركز "داعش".
ارتبك جاسم، كان الصوت قريباً جداً وواضحاً، واضطر لإيقاظ أحد زملائه للتأكد مما يسمع. يقول لـ"المدن": "كان الصوت قريباً جداً، توترنا أنا وصديقي الذي همس قائلاً: ماذا نفعل هل نطلق النار؟ طلبت منه التريث، انتظرنا قليلاً، فجأة سمعنا صوت امرأة تقول: أنا تائهة... هل هناك من يسمعني". يقول جاسم أن مشاعر مختلطة راودته، فهو بالتأكيد يرغب بمساعدة امرأة تائهة، لكنه لا ينسى منظر زميله الذي حاول مساعدة إحدى الخارجات من الباغوز ففجرت نفسها به.
فكر قليلاً، واخبرها بصوت منخفض أن تقترب ببطء، كان أكثر ما يخشاه أن يستيقظ رفاقه المنهكون ويبدأون بإطلاق النار من دون تفكير. حين اقتربت وصار بإمكانه مشاهدتها، وجد أنها تسير على عكازين، فقد أصيبت اثناء الحصار، وكان يرافقها طفل في الثالثة من عمره.
طلب جاسم من المرأة أن تخلع الدرعية "غطاء واسع ترتديه نساء التنظيم فوق الثياب" للتأكد أنها لا تخفي سلاحاً او حزاماً ناسفاً. وبعد أن تأكدت أنها خالية من الأسلحة، سألها من تكون وماذا تريد؟ فأخبرته أنها من الرقة، اجبرها التنظيم على الزواج من عنصر أذربيجاني، قتل في غارة لقوات "التحالف" على بلدة السوسة، وأنها تريد الوصول في اسرع وقت إلى أهلها، وتوسلت إلي لكي اسارع إلى ذلك.
يقول جاسم: "تأملنا في الصباح مطولاً حقل الألغام الكثيف الذي زرعته داعش بيننا، وعجبنا كيف استطاعت امرأة مصابة من اجتيازه مع ولدها، من دون أن يصيبها أذى، وكنا متأكدين بعد التحقيق المطول معها، من أنها لم تستعن بشيء في رحلتها تلك، سوى بعكازيها.
أراد جاسم ورفاقه مساعدتها بشكل شخصي، بسبب تأثرهم بقصتها، وعندما جاء قائدهم لتفقدهم بسيارته في الصباح، طلبوا منه نقلها بنفسه إلى منزل ذويها في الرقة، فوافق بعد تردد، واقلها مع جاسم ورفيقه، في رحلة دامت سبع ساعات، لإيصالها إلى عائلتها.
فجرت نفسها
حتى الآن لا يعرف رفاق أحمد العميري، ما اذا كانت الفتاتان الآخريان بريئتين أم لا. ما هم متأكدون منه، أن ثلاث نساء ظهرن أمام نقطتهم العسكرية على تخوم الباغوز، وطلبن المساعدة. فتقدم العميري، قائد النقطة، لتفتيشهن بعيداً عن زملائه. وهو تقليد متبع لتحاشي خطر الاحزمة الناسف. وبالفعل ما أن اقترب أحمد من المرأة الأولى حتى فجرت نفسها، فقتلته على الفور. الفتاتان في الخلف، هربتا واختفتا وراء ركام أحد المنازل المدمرة. رفاق أحمد العميري، الذين استبد بهم الغضب، بادروا، من دون تفكير، لاطلاق قذيفة صاروخية على مكانهما، لتقتلهما في الحال.
إلا أن ما يجمعهن، هو الزي الأسود، يغطيهن من هامة الرأس إلى أسفل القدمين، ويكسوهن بمزيد من الغموض. بعض قصصهن، تنقلها "المدن" على لسان مقاتلين من "قوات سوريا الديموقراطية"، الذين كانوا يُحاصرون المخيم.
هربت من زوجها إلى "داعش"!
لم تكن تعرف الكثير عن "الدولة الإسلامية"، وكل ما كانت تسعى إليه هو الهرب من زوجها. هكذا قالت الفتاة اللبنانية ح.س، التي غادرت الباغوز مع ولدها وابنتها، برفقة امرأة روسية من زوجات عناصر التنظيم أيضاً، وسلموا أنفسهم لاحدى نقاط "قسد". ولأنها بحاجة لمساعدته، فقد روت ح.س لقائد النقطة أحمد، كل حكايتها، وفوق ذلك سلمته هاتفها الجوال الذي تؤكد صوره ورسائله مزاعمها.
هربت ح.س، 24 عاماً، من منزل زوجها في البقاع في لبنان، في العام 2016، مع ولديها الصغيرين، وتوجهت إلى مناطق سيطرة "داعش"، لاعتقادها بأن ذويها وزوجها لن يلحقوا بهم إلى هناك. الزوجة الشابة، سرقت عشرة آلاف دولار، من خزانة زوجها.
ومهدت صديقة مغربية الطريق لـ.ح.س إلى مناطق سيطرة "داعش"، بعدما كانت قد تعرفت عليها في وسائل التواصل الاجتماعي. الصديقة المغربية كانت تقطن في ما سمي "أرض الخلافة". ح.س وصلت الحدود اللبنانية السورية، واستطاعت التعرف على مهرب، طلب 4 آلاف دولار لإيصالها إلى ادلب، وبعد وصولها إلى هناك نقلها مهرب آخر إلى مدينة الباب في ريف حلب، التي كانت خاضعة لسيطرة "داعش" آنذاك.
تقول ح.س إنها فوجئت بخشونة استقبال عناصر التنظيم لها، إذ قاموا بتحويلها إلى سكن خاص للنساء، يدعى "مضافة النساء"، الإقامة فيه شبه جبرية، ويتم الضغط فيه يومياً على غير المتزوجات والأرامل لتزويجهن من عناصر في التنظيم. إذ لا انتقال من مضافة النساء قبل الزواج. وفي هذه الاثناء انتقتها إحدى المشرفات للزواج من عنصر عراقي الجنسية، وبعد رفضها لمدة سنة ونصف السنة، امضتها في المضافة شبه سجينة، وافقت على الزواج من "ابي صهيب الانباري"، لكن القدر لم يمهله طويلاً، وقتل بضربة جوية لقوات "التحالف" في بلدة البوحسن، بعدما تنقلت معه في المناطق والقرى بعد انحسار مساحة سيطرة التنظيم.
واستمرت بالنزوح مع ولديها، حتى الوصول إلى الجيب الأخير في الباغوز، وبعد طول تفكير قررت أن تسلم نفسها لـ"قسد"، لكن لم يكن لديها أي خطة.
أخبرت ح.س أحمد أنها ستتعرض للقتل على يد أهلها، لو أعيدت إلى بلادها، وناشدته المساعدة، فوعدها وعداً قاطعاً بأن ذلك لن يحدث وفيه "عرق ينبض". ثم تركها في نقطته العسكرية بحراسة زملائه وذهب لمهمة عاجلة، وفي هذه الاثناء حضرت دورية مخابرات "قسد"، وانتزعت الفتاة وولديها من النقطة واقتادتهم إلى جهة مجهولة.
أحمد حاول الوصول إلى ح.س بشتى الطرق، لكن قيادته أخبرته إنها الفتاة قد حوّلت بعد التحقيق معها إلى مخيم الهول، وحين تبعها إلى الهول وسأل عنها أخبروه أن "قسد" سلمتها لحكومة بلادها. لكن أحمد لم يصدق ذلك. أحمد قضى حتفه الأسبوع الماضي، بانفجار لغم في محيط الباغوز، من دون أن يعرف مصير الفتاة التي قطع وعداً لها بمساعدتها.
اجتازت حقل ألغام على عكازين
كان جاسم أحد عناصر "قسد" المكلفين بالحراسة لإحكام الطوق المفروض على "داعش" في الباغوز. وبعد يوم عصيب من القتال والاشتباكات، توزع مع رفاقه على مناوبات الحراسة الليلية في تلك النقطة التي لا تبعد عن مخيم الباغوز سوى 800 متر. وصادف أن كانت نوبته بين الرابعة والسادسة فجراً، فتسلم نوبته وراح يراقب القطاع المكلف به. فجأة سمع صوت بكاء طفل يقطع الهدوء النادر في منطقة القتال تلك. الصوت جاء من جهة تمركز "داعش".
ارتبك جاسم، كان الصوت قريباً جداً وواضحاً، واضطر لإيقاظ أحد زملائه للتأكد مما يسمع. يقول لـ"المدن": "كان الصوت قريباً جداً، توترنا أنا وصديقي الذي همس قائلاً: ماذا نفعل هل نطلق النار؟ طلبت منه التريث، انتظرنا قليلاً، فجأة سمعنا صوت امرأة تقول: أنا تائهة... هل هناك من يسمعني". يقول جاسم أن مشاعر مختلطة راودته، فهو بالتأكيد يرغب بمساعدة امرأة تائهة، لكنه لا ينسى منظر زميله الذي حاول مساعدة إحدى الخارجات من الباغوز ففجرت نفسها به.
فكر قليلاً، واخبرها بصوت منخفض أن تقترب ببطء، كان أكثر ما يخشاه أن يستيقظ رفاقه المنهكون ويبدأون بإطلاق النار من دون تفكير. حين اقتربت وصار بإمكانه مشاهدتها، وجد أنها تسير على عكازين، فقد أصيبت اثناء الحصار، وكان يرافقها طفل في الثالثة من عمره.
طلب جاسم من المرأة أن تخلع الدرعية "غطاء واسع ترتديه نساء التنظيم فوق الثياب" للتأكد أنها لا تخفي سلاحاً او حزاماً ناسفاً. وبعد أن تأكدت أنها خالية من الأسلحة، سألها من تكون وماذا تريد؟ فأخبرته أنها من الرقة، اجبرها التنظيم على الزواج من عنصر أذربيجاني، قتل في غارة لقوات "التحالف" على بلدة السوسة، وأنها تريد الوصول في اسرع وقت إلى أهلها، وتوسلت إلي لكي اسارع إلى ذلك.
يقول جاسم: "تأملنا في الصباح مطولاً حقل الألغام الكثيف الذي زرعته داعش بيننا، وعجبنا كيف استطاعت امرأة مصابة من اجتيازه مع ولدها، من دون أن يصيبها أذى، وكنا متأكدين بعد التحقيق المطول معها، من أنها لم تستعن بشيء في رحلتها تلك، سوى بعكازيها.
أراد جاسم ورفاقه مساعدتها بشكل شخصي، بسبب تأثرهم بقصتها، وعندما جاء قائدهم لتفقدهم بسيارته في الصباح، طلبوا منه نقلها بنفسه إلى منزل ذويها في الرقة، فوافق بعد تردد، واقلها مع جاسم ورفيقه، في رحلة دامت سبع ساعات، لإيصالها إلى عائلتها.
فجرت نفسها
حتى الآن لا يعرف رفاق أحمد العميري، ما اذا كانت الفتاتان الآخريان بريئتين أم لا. ما هم متأكدون منه، أن ثلاث نساء ظهرن أمام نقطتهم العسكرية على تخوم الباغوز، وطلبن المساعدة. فتقدم العميري، قائد النقطة، لتفتيشهن بعيداً عن زملائه. وهو تقليد متبع لتحاشي خطر الاحزمة الناسف. وبالفعل ما أن اقترب أحمد من المرأة الأولى حتى فجرت نفسها، فقتلته على الفور. الفتاتان في الخلف، هربتا واختفتا وراء ركام أحد المنازل المدمرة. رفاق أحمد العميري، الذين استبد بهم الغضب، بادروا، من دون تفكير، لاطلاق قذيفة صاروخية على مكانهما، لتقتلهما في الحال.