الرقة: مقبرة جماعية تكشف هول جرائم "داعش"
اكتشف "فريق التدخل المبكر" التابع لمجلس الرقة المدني، مقبرة جماعية تضم رفاة أكثر من 500 شخص دُفنوا في ملعب ثانوية الرشيد لكرة القدم في قلب مدينة الرقة، في حين قال رئيس لجنة اعادة الاعمار في مجلس الرقة المدني عبدالله العريان، إن المقبرة تحتوي على ما بين 150 إلى 200 جثة، وقد تم انتشال حوالى 50 جثة منها حتى الآن. وتُرجح الأنباء الأولية أن تكون واحدة من المقابر التي استحدثها تنظيم "الدولة الإسلامية" أثناء سيطرته على المدينة بين عامي 2014 و2017.
وبينما لم تُعرف بعد هويات القتلى المدفونين في المقبرة، ساد القلق والترقب في الرقة وفي أوساط سكانها في المنافي، حيث لا تكاد عائلة واحدة في المحافظة بمنأى عن ترقب أخبار فرد أو أكثر من أفرادها، اُعتقل أو اختطف من قبل التنظيم، أو اختفى أثناء سيطرته على المدينة أو خلال معركة السيطرة عليها بين حزيران/يونيو، وتشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.
الاحتمالات والتكهنات المطروحة حتى الآن حول هويات القتلى تذهب إلى إمكان أن يكونوا مِمَن خطفهم واعتقلهم التنظيم أيام سيطرته على الرقة، بتهم "الردة" والتعامل مع "الصحوات" وأفراد "الجيش الحر" والنشطاء الإعلاميين. وتستند تلك الاحتمالات على أن الملعب الذي اكتشفت فيه المقبرة يقع بجوار مبنى القصر العدلي، الذي حوله تنظيم "داعش" إلى مركز أمني لفترة من الزمن.
بيد أن الحجة ذاتها، أي تحويل ملعب كرة قدم إلى مقبرة، يشير إلى احتمال أن تكون الجثث المدفونة فيه لخليط من المعتقلين الذين قضوا أثناء قصف طائرات التحالف لمقار "داعش" الأمنية وعناصر التنظيم ذاته، وربما مدنيون اضطر التنظيم إلى دفنهم بعد أن قضوا بالقتال، ولا بد أن يكون ذلك قد جرى أثناء حصار الرقة وعجز التنظيم عن استخدام المقابر الموجودة سلفاً في محيط المدينة، أو تلك التي استحدثها لإخفاء جثث ضحاياه مثل "الهوتة" بالقرب من بلدة سلوك أو بحيرة "سد البعث" بالقرب من بلدة "المنصورة" غرب مدينة الرقة.
أياً تكن الحال، فإنها أول المقابر المكتشفة في الرقة بعد طرد التنظيم من المدينة، وقد تكون أكبر مقبرة جماعية خلفها التنظيم في المنطقة. كما أن تحديد هويات القتلى المدفونين فيها يمكن أن يساهم في توضيح وحسم مصائر كانت مجهولة، وتالياً في حلّ كثير من القضايا الاجتماعية والسياسية التي كان يمكن أن تبقى معلقة دون ذلك.
تقديرات ناشطين سوريين تُشير إلى أن تنظيم "داعش" كان قد اعتقل واختطف ما يقارب 7500 شخص يصنفهم في خانة المعارضين. وهؤلاء يتوزعون سياسياً على كافة الأطياف المعارضة، سواء تلك القائمة منذ ما قبل الثورة أو تلك التي استجدت بعد الثورة، بما فيها فصائل مسلحة تتبع لـ"الجيش الحر" وأخرى إسلامية، من ضمنها "جبهة النصرة"، التي كانت إحدى مصادر تشكل التنظيم أيديولوجياً وبشرياً. ومصائر هؤلاء لم تُشكِّل هاجساً لأي من الأطراف الفاعلة اليوم على الأرض في سوريا، دولاً وأطرافاً محلية، إذ إنهم جميعاً تقريباً من العرب السنة، أي المحيط الاجتماعي المتهم بأنه الحاضمة الاجتماعية للتنظيم.
في المقابل، يظهر احتمال أن تكون تلك الجثث التي اكتشفها مجلس الرقة المدني، الذي أسسته "قوات سوريا الديموقراطية"، لقتلى وأسرى من قوات النظام السوري، أو المليشيات الكردية، وهؤلاء لم تظهر أي علامات عن مصيرهم بعد انسحاب التنظيم من معظم مناطق سيطرته في سوريا.
ضحايا التنظيم يتوزعون أيضاً على مناطق مختلفة كانت خاضعة لسيطرته سابقاً؛ الرقة وريفها، ريفي حلب الشمالي والشرقي، ديرالزور وأريافها، أرياف الحسكة كلها تقريباً، إضافة إلى الأرياف الشرقية لحماة وحمص في منطقة البادية السورية. ولذا فإن مقبرة "ملعب الرشيد"، وأياً يكن السر الذي ستفشيه، لن تجيب عن كل الأسئلة المطروحة عن مصائر الآلاف مِمَن دخلوا جوف هذا الغول المسمى "داعش"، لكنها قد تساهم في تفسير بعض هذه الوقائع وفي تقليص حجم الترقب التي تعانيها آلاف الأسر السورية.