بوتين يهدد روسيا بربيع عربي
لم تعر غالبية المعلقين الاهتمام الكافي لتصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول التظاهرات المعارضة لنظامه، والتي عمت المدن الروسية. الاعلام الروسي الرسمي، تجاهل التظاهرات تماماً على مدى خمسة أيام، قبل أن يطلّ بوتين شخصياً، ويطلق ما قد يكون أكثر تصريحاته صدقاً في تاريخه السياسي.
قال بوتين تعليقاً على التظاهرات "كلنا نعلم جيداً، وأود أن ألفت انتباهكم إلى حقيقة أن هذه الأدوات (السياسية) تم استخدامها في بداية ما يسمى الربيع العربي". وأضاف "نعلم جيداً ما أدت اليه (التظاهرات)، أي الاحداث الدموية التي أدت اليها في منطقة (الشرق الاوسط)".
بشكل واضح، يهدد بوتين مواطنيه الروس بأن التظاهرات الشعبية المطالبة بالتغيير ستؤدي إلى حمام دم في روسيا، تماماً كما فعل حليفه ونظيره بشار الأسد في سوريا. وبشكل واضح أيضاً، لا يربط بوتين "الاحداث الدموية" في الشرق الأوسط بظهور الحركات الاسلامية، المتطرفة الإرهابية منها أو الأكثر اعتدالاً. ولا يربط بوتين "الاحداث الدموية" في الدول العربية بقيام الارهابيين المزعومين بالاعتداء على المدنيين والحكومات، ما أجبر الحكومات على الدفاع عن مؤسساتها ومواطنيها، حسب رواية بوتين والأسد وحلفائهم لأحداث الربيع العربي.
يربط الرئيس الروسي الأحداث الدموية في الشرق الاوسط بالتظاهرات الشعبية التي طالبت بمكافحة الفساد والقضاء عليه، والتي طالبت بتغيير ديموقراطي للزمرة الفاسدة الحاكمة. هذا التغيير نفسه هو الذي طالب به الروس الأسبوع الماضي، وهو التغيير الذي يؤدي إلى "احداث الدموية”، كما في سوريا وليبيا، حسب رأي بوتين.
تصريحات بوتين حول التظاهرات الروسية الشعبية المطالبة بالتغيير كانت تصريحات غاية في الصدق، فهي تصريحات تمحورت حول عنصرين: المطالبة الشعبية بالتغيير، والأحداث الدموية. لم يرد في تصريحات بوتين أي ربط بين الاسلام المتطرف الارهابي المزعوم والتغيير، ولا أي ربط بين الاسلام الارهابي والاحداث الدموية.
تصريحات بوتين تنصف الربيع العربي، وتقدمه في صورته الشعبية الصادقة الصافية، التي طالبت بتغيير الحكومات والقضاء على الفساد، فجاء رد الفاسدين عبر الدبابات والمقاتلات والاسلحة الكيماوية. وعندما حاول ضحايا الفساد العربي الدفاع عن انفسهم، اتهمهم العالم بالارهاب، وانقض عليهم مجتمِعاً، ثم عمل على اعادة تأهيل صورة الفاسدين العرب على شكل "شركاء في الحرب ضد الارهاب".
لم تكن تصريحات بوتين مدروسة، بل جاءت عفوية، لذلك جاءت صادقة من رئيس روسيا، الذي بدا جلياً أنه يرى مدى التشابه في نموذج نظامه ونماذج الأنظمة العربية التي يتحالف معها ويدافع عنها. هو النموذج نفسه في روسيا وسوريا ومصر، وبدرجة أقل في لبنان، وحتى الولايات المتحدة.
في روسيا، يهدد بوتين الروس، إما أن يبقى هو وزمرته في الحكم، أو يقوم الروس بـ"ربيع عربي" تليه شلالات دماء. في سوريا، قالها "الشبيحة" منذ اليوم الاول للثورة السورية: الأسد او نحرق البلد. في مصر، يردد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأعوانه: إما حكم العسكر وفسادهم، أو الارهاب والدماء. في لبنان، عطّل لسنوات المرشح حينذاك، الرئيس اليوم، ميشال عون، بقوة حلفائه، الدولة باكملها — برلمانها وحكومتها وسائر مؤسساتها — حتى وصل إلى الرئاسة. في الولايات المتحدة، هدد المرشح دونالد ترامب بأنه لن يقبل نتائح أي انتخابات رئاسية لا يفوز فيها، وجاء تهديده في أعقاب تلويحه بأن انصاره كانوا سيحملون سلاحهم ويتوجهون إلى مؤتمر "الحزب الجمهوري" في حال لم ينل هو ترشيح الحزب.
النموذج هو نفسه، وإن تفاوت في درجات دمويته وفساد حكامه: رئيس الاستخبارات أو "الشبيحة" أو "البلطجية" أو "الاثرياء" يهدد الشعب، ويفرض وصوله أو بقاءه في الحكم. وأثناء حكمه، يقوم الحاكم "البلطجي" وأعوانه بإثراء غير مشروع، فاحش. ثم عندما يتظاهر الشعب معارضاً للفساد ومطالباً بالتغيير، يلجأ الحاكم الى اساليب عنف ضد الشعب، تتضمن اعتقالات، واغتيالات، وارسال جمال لقمع المتظاهرين، أو اطلاق النار عليهم من المروحيات أو عن طريق القناصة، أو استخدام الدبابات والمقاتلات، وصولاً إلى رميهم بأسلحة الدمار الشامل الكيماوية. هو عنف من الحاكم، يترافق مع تكديسه وأعوانه للأموال في مصارف جزر الكاريبي واخواتها، وهو نموذج يتكرر عبر التاريخ، من هيلاسيلاسي إمبراطور أثيوبيا، إلى تشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا، واليوم بوتين والأسد وما بينهما.
لكن على سطوتهم وبطشهم، يخشى دائماً الحكام مثل بوتين والأسد والسيسي شعوبهم. ربما هم قرأوا ما كتبه المصري أحمد فؤاد نجم يوماً: "صحيح أن الشعوب بنت كلب ولئيمة وتقدر تطيح العروش في ثوان".