طريق الإيغور الطويل إلى سوريا
رغم أن إقليم شينجيانج الصيني بأغلبيته الإيغورية المسلمة، يبعد عن سوريا أكثر من 20 ألف كيلومتر، إلا أن أكثر من 3 آلاف مقاتل، معظمهم اصطحبوا عائلاتهم معهم، جاؤوا منه إلى سوريا خلال السنوات الماضية. والعدد لا زال في تزايد مستمر، مع استمرار تضييق السلطات الصينية على السكان، وفرضها مؤخراً قائمة محظورات تتعلق بالحد من ممارسة الإيغور لحقوقهم الثقافية. وتراقب الصين بعين حذرة هجرة الإيغور إلى سوريا، وتكثف استخباراتها عبر "مكتب التعاون العسكري الدولي" ملاحقة "الحزب الإسلامي التركستاني" في سوريا، وتقدم في سبيل ذلك دعماً متزايداً للنظام السوري.
مصدر مقرّب من "الحزب الإسلامي التركستاني- TIP"، قال لـ"المدن"، إن المميز في الهجرات الأخيرة للإيغور إلى سوريا، أنها لم تعد هجرة لمقاتلين أفراد، بل تحولت إلى هجرة عائلات بأكملها. وتبلغ تكلفة الرحلة 3000 دولار للشخص الواحد، إذا كان المُهاجر يملك أوراقاً ثبوتية تركية، في حين يصل المبلغ إلى 9 آلاف دولار إذا ما كان المُهاجر مطلوباً للسلطات الصينية. ويمر الإيغور في رحلتهم بثلاثة بلدان رئيسية؛ قرغيزستان واوزباكستان وصولاً إلى اذربيجان، حيث يصبح التنقل أيسر وأسهل. واقصر رحلة تبلغ مدتها إلى شهرين وأطولها إلى تسعة شهور. بعض العائلات تتجنب جلب النساء الحوامل، خلال الرحلة، لنقص الرعاية الصحية على الطريق، وفي حال الولادة يبقى الأطفال من دون أوراق ثبوتية، ما يتطلب دفع مزيد من التكاليف. وينتهي المطاف بأغلب المهاجرين الإيغور في تركيا، ومنها يدخلون إلى سوريا، من معابر غير رسمية، غربي إدلب، من القرى الحدودية.
وتأسس "الحزب التركستاني الإسلامي" أو "الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية" في أفغانستان في العام 1993 ومارس نشاطه على الأرض الصينية. ويعتقد بأن مجموعة الحزب في سوريا، هي امتداد للمنظمة الأم في آسيا الوسطى. ويقود "الحزب التركستاني" في سوريا حالياً، عبد الحق، وهو رجل يبلغ من العمر 53 عاماً، والقائد العسكري للحزب هو أبو ابراهيم، ولم يتجاوز الأربعين.
وبدأت طلائع الإيغور بالوصل إلى سوريا في نهاية العام 2012، ولم يتم الإعلان عن تشكيل "الحزب الإسلامي التركستاني" إلا في مطلع العام 2014. وكانت الدفعات الأولى من الإيغور التي وصلت إلى سوريا قد التحقت بمروحة فصائل جهادية مختلفة، منها "الدولة الإسلامية" أو "جبهة النصرة"، عندما لم يكن لديها أي هيكل تنظيمي خاص بها. وفي منتصف العام 2016، أعلن الحزب "الإسلامي التركستاني" بعد ثلاث سنوات على تأسيس فرعه في سوريا، عن عدم شرعية خلافة تنظيم "الدولة"، ودعا للعمل من أجل "قيام خلافة إسلامية وفق شروطها الشرعية والسياسية الصحيحة". ويعتبر "الحزب التركستاني" عموماً أقرب إلى "جبهة النصرة/فتح الشام" بعدما ربطته مع "القاعدة" في باكستان وأفغانستان، علاقات ممتازة، خلال العقد الماضي. و"الحزب الإسلامي لتركستان الشرقية" يتخذ من افغانستان مقراً له ويعتبر أحد أبرز حلفاء "حركة طالبان".
وشكّل "الحزب التركستاني" إحدى الفقرات الرئيسية لـ"جيش الفتح"، وساهم في جميع العمليات العسكرية ضد قوات النظام منذ منتصف العام 2015، وساهم في تحرير مدن جسر الشغور وأريحا وادلب وخان طومان، ومؤخراً يشارك في معارك حماة. الداعية الجهادي عبدالله المحيسني، سبق ووصف مقاتلي الإيغور في "الحزب التركستاني" بأنهم "الرقم الأول في الجهاد، لا يعرفون العودة إلى الوراء".
المصدر المقرب من الحزب، أكد أن الحزب لا يريد تغيير عادات المجتمع السوري المحلي، لذلك ينغلق الإيغور على أنفسهم في مجتمعات خاصة، ويقطنون في الوقت الراهن في قرى ريف إدلب الحدودية خاصة التي نزح منها أهلها، ويعلمون أطفالهم القرآن واللغة العربية في المساجد كي يصبحوا أكثر قرباً من المجتمع المحلي. ومعظم مهاجري الإيغور في سوريا هم في الأصل ريفيون من غير سكان المدن الكبرى في إقليم شينجيانج.
وليس لدى الحزب في سوريا محاكم خاصة، ولم يشارك في أي اقتتال داخلي، ولا حتى ضد "داعش"، ولعب دور الوسيط في قضية "جند الاقصى" مؤخراً. وليس لدى الحزب أي حواجز أو كتائب أمنية، ولم يعرف عنه أبداً تنفيذ عمليات اغتيال او اعتقال. وتختلط الأمور بين مقاتلي الإيغور والأوزبك والقوقاز، بالنسبة للمراقبين الخارجيين. ويساهم في ذلك إقامة العديد من الكتائب الأوزبكية والقوقازية والإيغورية معسكرات مشتركة لأطفالهم، الذين تجاوزوا الثانية عشر، في ريف دركوش.
وتشارك نساء الإيغور في معسكرات خاصة، يتدربن فيها على حمل السلاح. ولجأ بعض الإيغور في مطلع العام 2017 إلى مدينة ادلب مع أسرهم، واتخذوا من منازل مهجورة لموالي النظام مكاناً لهم. وأبرز سمات مقاتلي "التركستاني" هي حمل السلاح ولو على مائدة الطعام. وليس معروفاً عنهم الابتسام، فقد فقدوا خلال العامين المنصرمين قرابة 1500 قتيل، دفنوا في مقابر خاصة بهم، إحداها تضم أكثر من 250 رفاة ممن قتلوا خلال العام 2015 خلال معارك مدينة جسر الشغور. وتعرّض العشرات من مقاتلي "التركستاني" للأسر على يد قوات النظام في جبلي التركمان والأكراد.
ويملك "الحزب" حالياً دبابات وأسلحة ثقيلة، غنمها مقاتلوه من معارك ضد مليشيات النظام. ولجأ الحزب مؤخراً في تمويل هجرة الإيغور من تركستان الشرقية إلى سوريا، إلى بيع جزء من أسلحته.
وتتحاشى قوات النظام قتال "التركستاني" في منطقة الجب الأحمر أعلى تلال جبل الأكراد، إذ أفشلوا اكثر من خمسين محاولة اقتحام للمنطقة، وقتلوا خلالها العشرات من قوات النظام. كما يقاتل "التركستاني" بالقرب من منطقة جورين شمالي حماة، وهي قاعدة إيرانية سبق وزارها قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2015.