الداعية حسن صوفان من السجن إلى دوامة الخلافات
"إنه بحجم أبو مصعب السوري".. هكذا وصف القيادي في حركة "أحرار الشام الإسلامية" الفاروق أبو بكر، الداعية السلفي حسن صوفان، في حديثه لـ"المدن"، حول الأسباب التي جعلت الحركة تصر دائماً على السعي لإطلاق سراحه من سجون النظام الذي عمل في المقابل وبشكل مستمر، على إفشال أي صفقة يمكن أن تؤدي إلى الإفراج عنه، رغم مرور 12 عاماً على اعتقاله.
تلك المقارنة سيعتبرها الكثيرون مبالغ فيها، خاصة وأن صوفان لم يكن قبل هذا اليوم اسماً متداولاً إعلامياً، كما أنه لا يمتلك سيرة كبيرة على الصعيد الحركي. إلا أنه ومع ذلك، شخصية مهمة لـ"أحرار الشام"، التي يبدو أن قيادتها تعول بالفعل على الرجل كشخصية توافقية، يمكن أن تساهم في حلّ مشاكل الانقسام التي تعيشها الحركة، وكذلك العلاقات البينية بين القوى الإسلامية المعارضة في سوريا، والتي لا تبدو في أحسن حالاتها.
ولعل أبرز ما يلفت الانتباه في هذا الصدد، هو تصريح القيادي في "الأحرار" أبو عزام الأنصاري، الذي اعتبر خروج الشيخ صوفان من السجن حدثاً مهماً يمكن أن يساهم في التوفيق بين الفصائل. وهو ما أكد عليه الفاروق أبو بكر، وهو مسؤول ملف التفاوض عن فصائل حلب قبل الخروج منها مؤخراً، ومسؤول ملف الأسرى في "حركة أحرار الشام". الفاروق قال إن "الشيخ حسن يحظى باحترام من قبل جميع فصائل المعارضة الإسلامية ورجالاتها، وأنه سيكون له دور كبير بالفعل في التقريب بينها، خاصة في هذه المرحلة".
وكانت الأسابيع الأخيرة قد شهدت توتراً بين بعض الفصائل من جهة، وداخل "حركة أحرار الشام الإسلامية" من جهة أخرى، على خلفية تعثر مشاريع الاندماج، إذ يُحمّل كل طرف المسؤولية عن ذلك للطرف الآخر، الأمر الذي كاد أن يؤدي إلى انقسام في حركة "أحرار الشام".
ومن الواضح أن قيادة الحركة، المتضرر الأكبر من التطورات الأخيرة، تعول كثيراً على إمكانية أن يلعب صوفان، المولود في مدينة اللاذقية عام 1979، دوراً مؤثراً في التقريب بين أعضاء "مجلس الشورى"، وهو أعلى سلطة في الحركة، وكذلك في إحداث تقارب أكبر بين فصائل التيار الإسلامي.
وبحسب الفاروق أبو بكر، فإن صفقة الإفراج عن حسن صوفان، شملت أيضاً ناشطة كان النظام قد اعتقلها قبل ثلاث سنوات. واستغرقت الصفقة نحو عشرة أشهر، وكانت قد بدأت بعرض تقدمت به الحركة، ويقضي بالإفراج عن الشيخ حسن مقابل إطلاق سراح ضابط من الطائفة العلوية كان قد أسر في ريف حلب، لكن النظام رفض مبادلته مقابل أسير واحد، واستمرت المفاوضات طيلة الأشهر اللاحقة إلى أن تم الاتفاق أخيراً على الإفراج عن الشيخ، مقابل الضابط و13 عنصراً من الشبيحة.
تلك التفاصيل رأى العديد من المتابعين أنها تعزز موقف المتفائلين داخل الحركة الإسلامية السورية المعارضة، بالأثر الإيجابي الذي يمكن أن يؤدي إليه وجود الداعية صوفان، الذي يحمل إجازة في التجارة والإقتصاد من جامعة الدعوة في المملكة العربية السعودية، التي سلمته حكومتها للنظام السوري عام 2004 في ظروف غامضة لم يكشف أحد عنها بعد.
وجهة النظر المتفائلة يبنيها أصحابها على فكرة أن سلطات النظام رفضت طيلة السنوات الماضية الإفراج عن حسن صوفان، على الرغم من أنها قد أطلقت سراح العشرات من وجوه الحركة الإسلامية منذ العام 2011، والذين يسود اعتقاد على نطاق واسع أن إطلاق سراحهم كان جزءاً من خطة النظام لأسلمة الثورة وعسكرتها، بعدما أسهم جزء كبير منهم، بحسب رأي الكثيرين، في قيادة الصراع بالاتجاه الذي سعى له النظام بالفعل. بينما تحفّظ النظام، ولا يزال، على آلاف المعتقلين من التيارات الأخرى ومن التيار الإسلامي المعتدل، ورفض باستمرار الإفراج عنهم، إلا في حالات نادرة وبصعوبة كبيرة، كما حدث مع صفقة حسن صوفان.
بل إن هناك من اعتبر أن النظام لو كان يعلم أن وجود صوفان خارج السجن مفيداً له، لما توانى عن إطلاق سراحه، إلا أن شخصية الرجل، الذي كان يقضي حكماً بالمؤبد صدر بحقه عقب انتهاء أزمة استعصاء سجن صيدنايا عام 2008، وتمسكه بالفكر المعتدل، جعل النظام يتحفظ عليه طيلة هذه السنوات.
توجه عززه أكثر، ما كتبه الصحافي دياب سرية، الذي كان معتقلاً في سجن صيدنايا أيضاً، وشهد فترة الاستعصاء الشهير، مؤكداً المعلومات التي تداولتها بعض المصادر الإسلامية في تقديمها لحسن صوفان، والتي تحدثت عن قيادته فريق التفاوض عن النزلاء مع سلطات النظام.
شهادة سرية، الذي يرأس صحيفة "تمدن" المعارضة، سدت في الحقيقة فجوة كبيرة على صعيد المعلومات المتوفرة عن الداعية المفرج عنه، وأكد أن تصدي صوفان لمهمة التفاوض مع سلطات النظام آنذاك، حال دون وقوع مجزرة دامية، على عكس رغبة أعضاء في التيار الجهادي الأكثر تشدداً، والذين كان يرفضون تلك المفاوضات ويكفّرون من قبل بها.
وفي تعليقه على إطلاق سراح صوفان، قال سرية: "أثناء وجودنا في سجن صيدنايا، شكّل الرجل حالة توافقية بين كل نزلاء السجن، بمن فيهم سجناء الدعوة الديموقراطية والأحزاب الكردية، عدا السجناء الأكثر تشدداً في التيار السلفي الجهادي، الذين أصبحوا في ما بعد أمراء في تنظيم الدولة الإسلامية".
وبيّن سرية، الذي كان محسوباً على سجناء "الدعوة الديموقراطية"، أنه "خلال فترة الاستعصاء، تم التوافق من قبل جميع نزلاء السجن على الشيخ حسن صوفان وأربعة آخرين للتفاوض مع النظام لحل أزمة المساجين، بما يضمن حقن الدماء، عدا تيار من السلفيين الجهاديين الذين كان يتزعمهم شخص من تلعفر يُدعى أبو خالد العراقي، وهؤلاء كانوا يرفضون مبدأ التفاوض ويكفّرون جميع من يقبل به، ويدعون بالمقابل إلى قتل كل الأسرى من عسكريي النظام الذين كانوا محتجزين لدى السجناء". وكانت لجنة التفاوض تضم، إضافة إلى صوفان، كلا من إبراهيم الضاهر، وهو أردني ممثل عن تنظيم "القاعدة"، وسمير البحر، وهو عالم دين سوري من بانياس لا ينتمي لأي تنظيم، وأبو العباس الشامي، المعروف بـ"أبو التوت"، الذي يعد الأب الروحي لـ"أحرار الشام" اليوم، باعتباره أحد ثلاثة تبقوا من الجيل الأول من قادتها، بالإضافة إلى شخص خامس يُعرف بـ"الحيجي" كان ممثلاً عن "حزب التحرير".
ولفت سرية إلى أن لصوفان دوراً كبيراً في إطلاق سراح أسرى النظام خلال فترة الاستعصاء، إذ تمكن السجناء من أسر 1200 عسكري، كان العناصر الأكثر تشدداً في التيار الجهادي، والذين التحقوا بـ"داعش" بعد الإفراج عنهم، يريدون ذبحهم جميعاً، فيما رأى صوفان وعدد من أعضاء اللجنة أن يتم إطلاق سراحهم على دفعات حقناً للدماء، ولتجنيب الجميع مجزرة محتملة.
معلومات تعطي تصوراً عن الرجل، لكنها لا تكفي بطبيعة الحال لوضعه في مرتبة المنظرين للحركة الإسلامية، وهو أمر يرى المطالبون بمنحه هذه المرتبة، أنه كان نتيجة غياب أي مؤلفات منشورة له، إذ لم يكن عند اعتقاله قد تجاوز الخامسة والعشرين من العمر، بينما برز في السجن كداعية ومفكر وصاحب تأثير قوي. بالإضافة إلى أنه لم يحظ بتداول إعلامي حتى داخل الوسط الجهادي، مثله مثل جميع الشخصيات السلفية الجهادية التي لم تنتم إلى تنظيم "القاعدة".
ومع ذلك، فإن المحتفين بهذا الداعية الثلاثيني، الذي خرج من السجن وقد بدا نحيلاً إلى حد يشبه الخارجين من الفروع الأمنية أو سجون "الفرقة الرابعة"، يؤكدون أن حسن صوفان سيأخذ المكانة التي يستحقها، ويقوم بالدور الذي يمكنه القيام به كقيادي في "أحرار الشام"، بما سينعكس إيجابياً على الحركة، وخاصة في هذه الظروف، إلى جانب الأثر الإيجابي الذي سيتركه حضوره في فضاء المعارضة بشكل عام.
وفي الوقت الذي لم تعلن "أحرار الشام" حتى الآن عن تسمية حسن صوفان في أي موقع رسمي داخل الحركة، يحذر آخرون من المبالغة في التفاؤل، ويؤكدون أن الانقسامات التي تعيشها الحركة، والتي يتداخل فيها الشخصي مع الفكري، وهو ما ينطبق أيضاً على أسباب الخلافات بين فصائل المعارضة، يجعل مهمة التقريب بين مختلف الأطراف ووجهات النظر أمراً أصعب بكثير في الواقع الحالي من قدرة شخصية واحدة، مهما كان حجمها، على القيام به وبهذه السرعة.
ويرى هؤلاء أن الشيخ صوفان، وبناء على المعلومات التي وفرها عنه زملاؤه السابقين في السجن، سيجد نفسه خلال وقت قصير في جانب أحد التيارات المتنافسة في الحركة وداخل التيار الإسلامي المعارض، وهو من حيث المبدأ أقرب إلى التيار المعتدل، حتى لو سعى إلى تجنب المواجهة أو حتى إلى تقريب وجهات النظر مع التيار الراديكالي، خاصة مع تصاعد حدة الاستقطاب بين التيارين بشكل كبير مؤخراً.